بعدما فشل المرتزقة الروس والسودانيون والتشاديون، جاءت استعانة حفتر بالمرتزقة السوريين؛ لمساعدته في اقتحام طرابلس، لتضيف حلقة جديدة إلى مغامرات الجنرال الليبي المتقاعد الفاشلة.
وكان البرلمان التركي قد أصدر قراراً، في يناير/كانون الثاني 2020، يتيح للحكومة إرسال قوات إلى ليبيا، وتبع ذلك تعزيز الدعم التركي وتوافد مقاتلين من المعارضة السورية الموالية لأنقرة للدفاع عن طرابلس.
وبينما تبدو استعانة حفتر بالمرتزقة السوريين بعد إعلان تركيا دعمها للحكومة الوفاق المعترف بها دولياً، فإن الواقع أن العلاقة بين حفتر والأسد أقدم من ذلك بكثير، رغم أنه يُفترض أن إيران التي تدعم الأسد خصم للإمارات والسعودية اللتين تدعمان حفتر.
ولكن في المقابل فإن هناك داعماً مشتركاً بينهما هو روسيا، إضافة إلى العلاقة السرية التي تربط دمشق وأبوظبي .
كما أن لحفتر والأسد عدواً مشتركاً هو الديمقراطية والربيع العربي والإسلام السياسي المعتدل، وهو الأمر الذي أدى بالجانبين إلتى جاوز الخلفيات المختلفة بين نظام الأسد العلوي المذهب والذي يجاهر بانتمائه إلى المحور الشيعي الإيراني الذي يسميه محور المقاومة، وحفتر الذي يضم بين صفوف قواته سلفيين مدخليين ويتبع محور الثلاثي العربي مصر والإمارات والسعودية المعادي لإيران.
"أجنحة الشام" تُطلق خطاً مباشراً يربط بين بنغازي ودمشق
قبل أن تتحول سوريا إلى منصة لتصدير المرتزقة إلى حفتر كان محطة انتقالية للمرتزقة الروس.
وكان موفد الأمم المتحدة إلى ليبيا السابق، غسان سلامة، قال في مقابلة مع صحيفة "لوموند" الفرنسية، نُشرت في ديسمبر/كانون الثاني 2019: "إننا نرى أيضاً مرتزقة من جنسيات عدة، بينهم روس، يَصلون لدعم قوات حفتر في طرابلس"، مشيراً إلى "وصول عدد من الطائرات من سوريا إلى مطار بنغازي" في شرق ليبيا، وتخضع تحت سيطرة حفتر.
وسبق أن أعلنت شركة "أجنحة الشام" للطيران، المملوكة لقريب رئيس النظام السوري، رامي مخلوف، عن تسيير رحلات بشكل يومي من مطار دمشق إلى مطار بنينا ببنغازي في أكتوبر/تشرين الأول 2019.
يُشار أن شركة "أجنحة الشام" هي الشركة الأجنبية الوحيدة التي دخلت الأجواء الليبية، منذ أحداث عام 2014.
وتعتبر "أجنحة الشام للطيران" شركة طيران سورية خاصة، تتخذ من مطار دمشق الدولي مقراً لها ومركزاً لتشغيل عملياتها المحلية والدولية.
وتمتلك الشركة أسطولاً جوياً يتكون من طائرتين؛ إحداهما "إيرباص A320-214" والأخرى "ماكدونيل دوغلاس MD-83".
وأدت الشركة دوراً في نقل مقاتلين روس متقاعدين إلى سوريا، حسبما نشرت وكالة رويترز في أبريل/نيسان 2018.
وقالت الوكالة في تحقيقها، إن الشركة تقوم برحلات جوية من دمشق واللاذقية إلى مطار روستوف الروسي، لنقل جنود روس لمساعدة النظام السوري في حربه ضد المعارضة.
رحلات مشبوهة من دمشق إلى بنغازي خلال شهر فبراير
وقال مصدر من مطار بنينا الدولي -رفض ذكر اسمه- لـ"عربي بوست"، إن "طيران أجنحة الشام" قام منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019، بتسيير رحلات مباشرة من وإلى مطار بنينا الدولي في بنغازي، وفق اتفاقية أبرمتها الحكومة المؤقتة التابعة لحفتر -غير المعترف بها دولياً- مع النظام السوري، موضحاً أن الاتفاقية كانت لتعزيز قطاعات الاقتصاد والسياحة والنقل والطيران.
من جانب آـخر، ذكر مصدر مطلع من داخل المطار، أن شركة أجنحة الشام قامت خلال شهر فبراير/شباط 2020، برحلات فاقت 100 رحلة، نقلت خلالها أفراداً يرتدون الزي العسكري ومعدات عسكرية، وسط حراسة أمنية مشددة عند نزول الطائرة.
وأضاف المصدر أن طائرات الشركة تستخدم المهبط العسكري المتاخم للمهبط المدني، حيث تمنع العناصر الأمنية دخول غير العاملين بالمهبط، وتمنع كذلك التصوير وتأخذ هواتفهم، إضافة إلى عدم الاحتكاك بركاب الطائرة.
الأسد يحمي رجالات حفتر ويزوده بالأسلحة
واعترف مصدر عسكري تابع لحفتر بأن القيادة العامة لقوات حفتر استعانت ببعض الخبرات العسكرية السورية في مجالات الميدان المختلفة لغرض التدريب، وفق اتفاقية رسمية مع وزارة الدفاع السورية، على غرار الاتفاقية الأمنية والعسكرية التي عقدها المجلس الرئاسي مع تركيا.
وقال المصدر لـ"عربي بوست": "إن من بين القوات التي تشارك مع قوات حفتر عناصر عسكرية نظامية لدول شقيقة، استعانت بها القيادة العامة للتدريب والاستشارات العسكرية".
وأضاف أن وزارة الدفاع السورية دعمت قوات حفتر بخبراء في الدفاع الجوي والسلاح الجوي وبعض أسلحة الميدان المتوسطة والثقيلة، إضافة إلى خبراء عسكريين استراتيجيين؛ للإشراف على سير المعارك على الأرض، إضافة إلى كتيبة حماية للتدريب على حماية الشخصيات.
وأوضح أن كل الخبراء قد تم توزيعهم في محاور القتال بطرابلس وترهونة، إضافة إلى قاعدة الجفرة الجوية وقاعدة الوطية الجوية، غير أن كتيبة واحدة موجودة في مقر القيادة العامة بالرجمة؛ لغرض التدريب على حماية الشخصيات العامة.
ومن المعروف أن وحدات الجيش السوري، خاصةً النخبوية، تخضع للنفوذ الإيراني والروسي، والذي يشمل التدريب والتمويل والتوجيه، إضافة إلى التأثير الأيديولوجي والمذهبي العميق لطهران على النظام السوري.
حكومة الوفاق تتهمهم بأنهم على صلة بحزب الله والحرس الثوري الإيراني
ولكن اللافت هو إعلان حكومة الوفاق أن هؤلاء الخبراء التابعين للأسد تربطهم صلات بشركة فاغنر الروسية وعناصر حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني.
وقال بيان لوزارة الداخلية التابعة لحكومة الوفاق الوطني -المعترف بها دولياً- إن عدداً من الرحلات الجوية وصلت إلى مدينة بنغازي مؤخراً، قادمة من سوريا وعلى متنها عدد من المقاتلين والخبراء، لدعم قوات خليفة حفتر.
وحسب البيان فإن شركة أجنحة الشام الخاصة -التي يملكها أقارب لرئيس النظام السوري بشار الأسد- فتحت مكتباً لها في مدينة بنغازي شرق ليبيا؛ لإقامة نشاطات تجارية مشبوهة تحت غطاء هذا الخط الجوي.
واعتبرت حكومة الوفاق أن هذه الأنشطة قد تسبب كارثة صحية؛ لكون الواصلين عبره قادمين من مناطق موبوءة بفيروس كورونا، منبِّهاً المصارف التجارية في المنطقة الشرقية من البلاد إلى عدم التعامل مع شركة أجنحة الشام، داعيةً المواطنين إلى أخذ الحيطة والحذر من التعاطي مع من وصلوا مؤخراً على متن تلك الرحلات.
الروس يُجنّدون أبناء دوما للقتال في ليبيا
وذكرت مصادر سورية في مدينة دوما بريف دمشق، أن الجانب الروسي بدأ منذ مطلع 2020 الجاري، تجنيد عشرات من أبناء المدينة؛ لإرسالهم للقتال في ليبيا إلى جانب قوات حفتر.
وقالت المصادر إن الضباط الروس المتمركزين في دوما، أوكلوا مهمة تجنيد الشبّان إلى عدد من شخصيات المدينة، التابعين للروس وفرع أمن الدولة في دوما بشكل مباشر، بإقناعهم بالانضمام إلى تلك المجموعات على أن يكون راتب المقاتل الواحد 800$ أمريكي شهرياً، بمهمة قتاليةٍ مدتها ثلاثة أشهر مقابل شهر واحد إجازة، يقضيه المتطوع في مدينته.
وأضافت المصادر أن مجموعةً قوامها 25 مقاتلاً من أبناء دوما، غادروا المدينة عبر مطار دمشق الدولي إلى بنغازي في فبراير/شباط الماضي، كما أشارت المصادر إلى أن الروس عملوا على تجنيد مقاتلين سابقين في ميليشيا "صقور الصحراء" بدمشق، من مناطق وسط سوريا، للقتال في ليبيا إلى جانب قوات حفتر، برواتب تصل إلى 1000$ أمريكي شهرياً، مقابل الإعفاء من الخدمة الإلزامية والاحتياطية وإبعادهم عن الملاحقة الأمنية.
وأكد موقع "Revue-international" وصول 1500 مرتزق سوري إلى بنغازي، مشيراً إلى أن رئيس استخبارات النظام السوري، علي مملوك، "قام بتنسيق وصولهم".
وذكرت صحيفة لوموند الفرنسية، أن مرتزقة تابعين للنظام السوري وصلوا مؤخراً إلى ليبيا؛ من أجل الالتحاق بصفوف ميليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
ومع المطالبة الأخيرة للأمم المتحدة بوقف تدفق السلاح والمقاتلين إلى طرفي النزاع، على حد سواء، وإفساح المجال أمام جهود مكافحة فيروس كورونا، هل وجد خليفة حفتر وداعموه في زمن الكورونا وانشغال العالم بالحرب عليها فرصة ذهبية لانتزاع طرابلس من حكومة الوفاق المعترف بها دولياً؟