عقب إعلان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الثلاثاء 24 مارس/آذار 2020، جاهزية مسودة التعديلات الدستورية، دفعت الظروف التي أصابت البلاد بسبب فيروس كورونا إلى تأجيل النقاش بشأنها، ما يعني تجميد أول ورشة سياسية لتبون وبالتالي أجندته في أولى سنوات حكمه.
واستقبل تبون الثلاثاء، فريق خبراء كلفه نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، بإعداد مسودة التعديل الدستوري، وشكرهم على جهودهم طوال الشهرين الماضيين، "لترجمة إرادة التغيير الجذرية في مواد دستورية ستشكل أساساً لبناء الجمهورية الجديدة"، حسب الرئاسة.
غير أنه أعلن عقب الاجتماع "تأجيل توزيع هذه الوثيقة على الشخصيات الوطنية، وقيادات الأحزاب السياسية والنقابات وجمعيات ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام، إلى حين تحسن الظروف التي تمر بها البلاد (في إشارة إلى جائحة كورونا)".
حجر الزاوية
ويعني هذا القرار "تجميداً مؤقتاً" لهذه الورشة السياسية التي طالما وصفها تبون في حملته الانتخابية وبعد توليه الحكم في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بأنها "حجر الزاوية في أي إصلاحات" و "القاعدة الأساسية لتنفيذ برنامجه كرئيس".
وحدد خليفة بوتفليقة سبعة محاور كبرى لفريق خبراء إعداد الدستور قبل بداية عملهم وتتلخص في تعزيز حقوق الإنسان، وتشديد آليات مكافحة الفساد، وتكريس الفصل بين السلطات لمنع وقوع حكم استبدادي، وتعزيز سلطة القضاء، وتجسيد المساواة بين المواطنين، وترسيم هيئة الانتخابات العليا في الدستور.
وكان مقرراً أن تعلن الرئاسة الجزائرية عن جاهزية مسودة التعديلات الدستورية في 15 مارس/آذار الجاري، كما أكد محمد لعقاب أحد معاوني الرئيس سابقاً، لكن الإعلان تأخر إلى غاية يوم 24 مارس/آذار بسبب الانتشار المفاجئ لكورونا بالبلاد.
وسجلت الجزائر في 25 فبراير/شباط الماضي، أول إصابة بكورونا لمواطن إيطالي يعمل في حقل بترولي بالجنوب تم ترحيله إلى بلده، لكن الوباء استمر في الانتشار انطلاقاً من محافظة البليدة جنوب العاصمة، ليمتد إلى نصف ولايات البلاد الـ48.
وعلى إثر هذا الوضع الصحي، قررت السلطات عزل محافظة البليدة مركز الوباء، وفرض حظر تجوال ليلي بالعاصمة وغلق المساجد وكافة أماكن التجمعات والمطاعم والمقاهي، وتجميد مختلف النشاطات السياسية والرياضية، مما أدى إلى شلل تام في البلاد.
وحتى الأربعاء، ارتفع عدد الوفيات بسبب فيروس كورونا في الجزائر إلى 21 والإصابات إلى 302.
هدنة الحراك
وشهد يوم 20 مارس/آذار الجاري، أول توقف لمسيرات الحراك الشعبي التي تطالب بتغيير جذري في البلاد.
ومنذ 22 فبراير/شباط 2019، لم تنقطع المسيرات الشعبية في المدن الجزائرية كل يومي ثلاثاء وجمعة، رغم تمكنها في 2 أبريل/نيسان الماضي، من إجبار الرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة، على الاستقالة من الرئاسة (1999 ـ 2019).
إلا أن الحراك الشعبي لا يزال يطالب بتغييرات أوسع في نظام الحكم، فيما كانت التعديلات الدستورية الخطوة الأولى نحو هذه الإصلاحات التي يريدها الجزائريون بحسب تبون.
وعارض بعض الفاعلين في الحراك الشعبي انتخابات الرئاسة التي أفرزت تبون خليفة لبوتفليقة، كما واصلوا رفض "اليد الممدودة" من الرئيس الجديد لإطلاق إصلاحات يرون أنها مجرد "لعبة سياسية" للنظام من أجل تجديد واجهته دون تغيير عميق .
ويأتي توقف الحراك الشعبي كإجراء احترازي اتخذه ناشطون في الحراك، خشية من نقل العدوى وانتشار فيروس كورونا بين المشاركين.
ويعتبر ناشطو الحراك، المنتمون إلى منظمات حقوقية وأحزاب علمانية ويسارية توقف الحراك بمثابة "هدنة" مؤقتة مع السلطات أجبرهم عليها فيروس كورونا.
فيما يعد هؤلاء الناشطون، بالعودة إلى التظاهر بعد اختفاء خطر الفيروس، من أجل ما يصفونه بـ "استمرار الضغط على النظام لإرساء دولة ديمقراطية".
وظل الرئيس عبدالمجيد تبون يصف الحراك بـ "المبارك"، ويؤكد على عدم ممانعته استمرار التظاهر في الشوارع شريطة أن تكون "سلمية وبعيداً عن اختراقها من جهات داخلية وخارجية (لم يسمها)".
وبالتزامن مع عمل فريق خبراء الدستور، واصل تبون استقبال عدة شخصيات ومعارضين ومسؤولين سابقين، لبحث مقترحاتهم بشأن التعديل الدستوري، وسبل الخروج من الأزمة السياسية التي دخلتها البلاد منذ الإطاحة بسلفه عبدالعزيز بوتفليقة في 2019.
إعادة النظر في أجندة تبون
وكانت الأجندة الرئاسية المعلنة منذ الإعلان عن ورشة الدستور، تقضي بفتح نقاش سياسي بشأن المسودة الأولى من أجل جمع مقترحات الطبقة السياسية في البلاد.
وعقب جمع المقترحات، يتم تحويلها إلى فريق الخبراء مجدداً لتضمينها في النسخة الأولى لتصبح "وثيقة توافقية"، ثم يتم تنظيم استفتاء شعبي بشأنها.
وكانت تقارير غير رسمية أكدت قبل ظهور أزمة كورونا، أن وثيقة الدستور الجديد ستعرض على استفتاء شعبي في يونيو/حزيران 2020، فيما صرح تبون أنه سيتم بعد هذه الخطوة تعديل قانون الانتخاب، والذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة خلال أشهر.
وخلط ظهور وباء كورونا المعطيات السياسية في البلاد، مما سيؤدي بالرئيس الجزائري إلى مراجعة "أجندته السياسية" الحالية.
وفي ظل عدم وجود أفق واضح لانحسار هذا الوباء عالمياً، فإن السلطات الجزائرية مضطرة لتأجيل النقاش بشأن مسودة الدستور لأسابيع أخرى، وبالتالي ترحيل موعد الاستفتاء من يونيو/حزيران إلى موعد لاحق.
وسيؤدي تأجيل موعد الاستفتاء أيضاً إلى تجميد قرار حل البرلمان وتنظيم انتخابات مبكرة، والذي كان مقرراً قبل نهاية السنة الجارية وفق مصادر إعلامية.
وكان من المقرر أن يتم تعديل قوانين الانتخابات والأحزاب بشكل يتلاءم مع الدستور الجديد قبل الذهاب إلى أي اقتراع برلماني أو محلي.
وتنتهي الولاية الحالية للمجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان)، في مايو/أيار 2022، حيث جرى انتخاب أعضائه في الشهر نفسه من عام 2017، وذلك لمدة خمس سنوات، وهو ما يعني أن ترحيل الانتخابات النيابية لأشهر أخرى سيكون بمثابة استمرار البرلمان الحالي إلى نهاية ولايته.