تحت القصف والحصار.. كيف أنقذ الدور النسائي القطاع الطبي المنهار في سوريا؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/03/26 الساعة 12:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/03/26 الساعة 12:05 بتوقيت غرينتش
مسيرة للعاملات في المجال الطبي بإدلب يطالبن بحماية المستشفيات من القصف الروسي والنظامي/ AFP

في غمرات القصف العشوائي الذي يشنه النظام السوري وحلفاؤه على مختلف المناطق في شمال سوريا، اضطر العديد من العاملين في المجال الطبي، ومنهم أطباء وصيادلة وممرضات، إلى الفرار من البلاد في وقت كانت فيه مناطقهم في حاجة ماسّة إلى الرعاية الطبية ومُقدميها. ودفع ذلك عدداً من النساء إلى التقدم لملء الفراغ في القطاع الطبي من خلال تشكيلهم نقاطاً طبية ومستشفيات ميدانية في إدلب وريفها، وفي ريف حلب الغربي.

عمل المرأة السورية في القطاع الطبي تضاعف بعد الثورة

لم تتوقع علياء الأحمد، إحدى الممرضات العاملات في مشفى إدلب الوطني، قط أن تعمل في المجال الطبي. فقد قالت موقع Al-Monitor الأمريكي: "لم أكن في الماضي أتحمل رؤية الإصابات والدم، لكن الأمور تغيرت بعد أن شهدت بعيني عنفَ نظام الأسد اليومي ضد المدنيين. قررت أن أكون أكثر شجاعة، لأنني شعرت بأن ثمة مسؤولية تقع على عاتقي".

وتقول علياء إنها وزملاءها يعملون على تطوير خبراتهم في تخصصات الطب الباطني والخارجي والعلاج الطبيعي والعمل المخبري، من خلال المشاركة في التدريب الطبي وورش العمل التي تقيمها المنظمات الطبية، مثل منظمة الأطباء المستقلين، في ريف حلب الغربي، ومن خلال النظام الداخلي في المستشفيات التي يعملون فيها.

الطبيبة السورية أماني بلور صاحبة تجربة كبيرة في التعامل مع الأزمات تحت القصف والحصار/ AFP

كان الدور المهم للمرأة في مختلف القطاعات الطبية بالمناطق المتضررة قد أخذ يبرز في ضوء القصف المستمر والافتقار إلى العدد الكافي من الطواقم الطبية في المستشفيات، وهو ما حال دون علاج جميع المرضى على نحو عاجل ومناسب. إذ في الوقت الذي يعالج فيه الأطباء ثلاثة مصابين، يُترك مصاب رابع ليموت في ظل غيابِ القدرة على معالجته في الوقت المناسب.

ويقول عبدالكريم ياسين، رئيس قسم الرعاية الصحية الأولية في "مديرية صحة حلب الحرة" بحلب، إن اشتغال المرأة بالمجال الطبي في بداية الثورة كان على نطاق أصغر، وتحديداً بين عامي 2014 و2015، ثم زاد باضطراد، ليتضاعف عدد العاملات في المجال الطبي، سواء أكن طبيبات أم ممرضات، أو عاملات في مجال الصحة المجتمعية، أو خبراء تغذية، أو عاملات في مجال الدعم النفسي.

وقال إن دور المرأة في المجال الطبي لا يقل أهمية بأي شكل عن دور الرجل. وقد تمكّن معظم العاملات في مجال التمريض من النجاح وتأدية الأعمال الموكلة إليهن إلى أقصى حد، وكذلك فيما يتعلق بقطاع التغذية من خلال رصد حالات سوء التغذية بين الأطفال والنساء الحوامل.

الدعم النفسي والدفاع المدني

وأشار ياسين إلى أن النساء دخلن مؤخراً في مجال الدعم النفسي أيضاً، "وأبدين استعداداً يفوق الخاص بالرجال فيما يتعلق بالقدرة على التعامل مع النساء النازحات، والاستماع إلى المشاكل التي واجهنَها خلال عمليات التهجير الأخيرة"، وقال ياسين إن النساء تميزن أيضاً فيما يتعلق "بتوفير العلاج والحلول"، مبرزاً أن مشاركة المرأة في المجال الطبي قد ساعد على سد الفجوة القائمة، وأسهم في تحسين الخدمات الطبية.

مريضات سوريات يجلسن في غرفة في عيادة للصحة النفسية – المنشأة الوحيدة في شمال سوريا التي يسيطر عليها المعارضون – في بلدة عزاز بالقرب من الحدود مع تركيا، أرشيفية/ أ ف ب

ولم يدخل النساء السوريات المجالَ الطبي فحسب، بل واقتحمن أيضاً فرق الدفاع المدني السوري وتمكّنَّ من المساعدة في إنقاذ أرواح المدنيين، حيث تولت المتطوعات مهمة إنقاذ النساء والأطفال من مواقع القصف وإجلائهم إلى أماكن آمنة، وذلك مرافقة المتطوعين الذكور الذين عملوا أيضاً في مساعدة المصابين.

وقال مدير المكتب الإعلامي بمنظمة الدفاع المدني السوري في محافظة إدلب، أحمد شيخو، لموقع Al-Monitor، إن هناك 264 متطوعة في 33 مركزاً في محافظة إدلب وحدها تعمل على تقديم الإغاثة الطبية والدعم النفسي وخدمات التوعية للعائلات في المنطقة.

وقال شيخو إن اختيار المتطوعات يجري بعد امتحانهن، ويُختار الحاصلات على دبلومات من معاهد طبية أو شهادات من دورات تدريبية طبية.

المتطوعات

ويقدم المتطوعات خدمات متعددة داخل المقرات الطبية، ومنها المتعلقة بقياس ضغط الدم ومستويات السكر في الدم، وإجراء فحوص بالموجات فوق الصوتية للنساء الحوامل، وقياس الوزن، وتضميد الجروح والحروق، وإعطاء جلسات للبالغين والأطفال حول الاستخدام السليم لأجهزة الاستنشاق، وتركيب الأمصال، والإسعافات الأولية، وتوفير الوعي المجتمعي والصحي للأطفال والأمهات.

وقال شيخو إن أصعب مشكلة تواجه متطوعي الدفاع المدني هي حملات القصف النظامي التي تستهدف مباشرة المقرات الطبية والفرق خلال عملها، وقتلت هذه التفجيرات عدداً من المتطوعين الذين كانوا يؤدون عملهم الإنساني وأُصيب آخرون بجروح خطيرة.

وتقول سلوى القاضي، إحدى المتطوعات في الدفاع المدني بمدينة جسر الشغور، لموقع Al-Monitor إنها انضمت إلى الدفاع المدني "بعدما استهدفت الطائرات الحربية منزلنا وأسقطت سقفنا فوق رؤوسنا، كنت أنا وعائلتي في حكم الموتى لو لم يكن التدخل الفوري للدفاع المدني أنقذنا. كان (المتطوعون) يعملون بوسائل بدائية تحت قصف الطائرات الحربية التي أعادت استهداف المكان ذاته مرة أخرى عندما وصلت فرق الدفاع المدني".

وأضافت: "لقد خاطروا بحياتهم وهم يحاولون مساعدتي وعائلتي وإنقاذنا من الموت المحتوم. دفعني امتناني لهم للتطوع فقط لأختبر ذلك الشعور الإنساني بفضل العمل الإنساني المهم الذي نقوم به عند إنقاذ أرواح الأبرياء".

إحدى المستشفيات في إدلب التي قصفتها روسيا، أرشيفية

خضعت سلوى لدورات مكثفة في الإغاثة الطبية والتمريض والإسعافات الأولية في مستشفى باب الهوى. واعترفت بأنها واجهت في البداية انتقادات من مجتمعها المحافظ لأن هذا النوع من العمل كان جديداً على النساء، لكنها تغلبت على كل ذلك بالصبر والمثابرة.

أوضاع بائسة

يُعاني القطاع الطبي في سوريا أوضاعاً بائسة في غمار القصف الشديد والاستهداف المباشر لمرافق الرعاية الصحية. وأورد تقرير منظمة الصحة العالمية الصادر في مارس/آذار 2018 أن سنوات الحرب في سوريا دمّرت نظام الرعاية الصحية في البلاد، فأكثر من نصف المستشفيات العامة والمراكز الصحية الأخرى أغلقت أبوابها أو لا تعمل بكامل طاقتها. وأشارت المنظمة إلى أن هناك 3.11 مليون شخص بحاجة إلى الرعاية الطبية، ويعاني 3 ملايين منهم أمراضاً مزمنة وإصابات خطيرة وإعاقات.

وعلى الرغم من الحرب واستهداف المنشآت الطبية، فإن النساء السوريات العاملات في مجالات الدفاع الطبي والمدني يخفّفن من آلام الجرحى، ويملأن الفجوة الهائلة في الموارد البشرية في هذا القطاع الحيوي، وهن يضطلعن بالعمل الإنساني في أشد الأوضاع صعوبة وأكثرها تحدياً.

تحميل المزيد