المواطنون منتجون وشركاء.. هكذا نجحت تايوان فيما لم تنجح فيه أمريكا أو الصين بمواجهة كورونا

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/03/24 الساعة 16:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/03/24 الساعة 16:07 بتوقيت غرينتش
وضعت تايوان الدروس التي تعلمتها خلال تفشي السارس عام 2003 بشكل جيد، وهذه المرة كانت مستعدة حكومة وشعباً/ رويترز

كان تفشي فيروس كورونا المستجد وجائحة كوفيد-19 الناتجة عنه، بمثابة اختبار قوي للنظم الاجتماعية ونظم الحكم. ولم تتميز أي من الدولتين الرائدتين في العالم -الصين والولايات المتحدة- في الاستجابة. 

ففي الصين، سمحت فترة الإنكار السياسي الأولى بانتشار الفيروس لأسابيع؛ محلياً في بداية الأمر، ثم عالمياً، قبل تطبيق مجموعة من التدابير القسرية التي أثبتت نجاحها إلى حدٍّ معقول. وخاضت الولايات المتحدة مرحلتها الخاصة من الإنكار السياسي قبل أن تعتمد سياسات الإبعاد الاجتماعي. وحتى حالياً، تجعلها قلة الاستثمار في قطاع الصحة العامة غير متأهبة لهذا النوع من الطوارئ، كما تقول مجلة Foreign Affairs الأمريكية.

وربما تكون استجابة الاتحاد الأوروبي البيروقراطي الذي يخاف التكنولوجيا عادةً أسوأ من كلتا الدولتين: ففي إيطاليا، وبالرغم من بعدها عن بؤرة انتشار الفيروس يبلغ المعدل الفردي من الحالات 4 أضعاف معدل الصين، وحتى ألمانيا التي تشتهر بالنظام، وصلت بالفعل إلى نصف معدل الصين. والوضع أسوأ في أنحاء أخرى من العالم، مثل إيران التي تتلاعب بالمعلومات. 

قصة نجاح تايوان

لكن التركيز على البلاد الأسوأ حالاً قد لا يكون نافعاً في هذه المرحلة، مقارنةً بالنظر إلى البلاد التي أبلت بلاءً حسناً، مثل تايوان. برغم أن معاملة منظمة الصحة العالمية لها أنها جزء من الصين، وبالرغم من أدائها اختبارات أوسع مما أدت الولايات المتحدة، بلغ معدل الإصابات في تايوان خُمس معدل الحالات المعروفة في الولايات المتحدة، وعُشر المُعدل الموجود في سنغافورة التي يُشاد بها كثيراً. 

غير أن الإصابات يمكن أن ترتفع مجدداً، وخاصة في ظل الانتشار العالمي الذي يجعل الزائرين من كل أنحاء العالم ناقلين للفيروس. لكن ما يجعل قصة النجاح المبدئي لتايوان تستحق المشاركة، ليس مقصوراً على الدروس المتعلقة باحتواء الجائحة الحالية، بل بسبب دروسها الأوسع نطاقاً كذلك عن إدارة التحديات الصعبة على صعيد التكنولوجيا والديمقراطية.

مراقبة درجات حرارة عملاء بنك في تايون/ NBC
مراقبة درجات حرارة عملاء بنك في تايون/ NBC

اعتمد نجاح تايوان على مزيج من إشراك الدولة للتكنولوجيا والعمل النشط والمشاركة المدنية في محاربة الوباء. طورت تايوان، الديمقراطية صغيرة المساحة والرائدة تكنولوجياً، في السنوات الأخيرة إحدى أكثر الثقافات السياسية حيويةً في العالم، من خلال توظيف التكنولوجيا للعمل في صالح الديمقراطية بدلاً من الإضرار بها. وقد أثبتت هذه الثقافة التكنولوجية المدنية أنها أقوى استجابة مناعية في البلاد أمام فيروس كورونا الجديد.

التقنية للديمقراطية

صارت قيمة الثقافة المدنية التكنولوجية في تايوان واضحة تماماً خلال الأزمة الحالية. إذ إن المشاركة التصاعدية للمعلومات، والشراكات الخاصة والعامة، وما يعرف بـHacktivism أو "النضال الإلكتروني" (وهو العمل النشط من خلال تأسيس برهان على المفهوم في ظروف سيئة لكنها فعالة، للخدمات العامة على شبكة الإنترنت)، وإجراءات التشارك الاجتماعي، كانت جميعها جوهرية لنجاح البلاد في تنسيق مجموعة استجابات تحظى بتوافق في الآراء وتتسم بالشفافية في مواجهة فيروس كورونا. 

وقد وثّق تقرير صدر مؤخراً من كلية الطب بجامعة ستانفورد 124 مبادرة متميزة طبقتها تايوان بسرعة ملحوظة. تدفقت كثير من تلك المبادرات إلى القطاع العام من خلال الأنشطة المجتمعية وفعاليات الهاكاثون، والمداولات على المنصة الرقمية الديمقراطية vTaiwan، التي يشارك فيها نصف التعداد السكاني في البلاد تقريباً. (تُتيح المنصة قدراً كبيراً من ممارسة النضال الإلكتروني والمناقشات المدنية وتعزيز المبادرات بشكلٍ منظم ومُتفق عليه إلى حدٍّ كبير). وقد استخدم المجتمع اللامركزي من المشاركين أدوات على غرار Slack وHackMD لصقل المشروعات الناجحة. (تستند الكثير من تحليلاتنا على اللقاءات المفتوحة من خلال تلك الأدوات مع قادة مجتمع g0v من قراصنة الإنترنت المدنيين).

نجحت الحكومة التايوانية في إشراك المبادرات المدنية لمواجهة الفيروس/ getty
نجحت الحكومة التايوانية في إشراك المبادرات المدنية لمواجهة الفيروس/ getty

تطبيق خريطة الأقنعة الطبية

من أبرز الأمثلة التي يُحتفى بها هو Face Mask Map، وهو تعاون بدأه رائد أعمال يعمل مع حركة g0v. من أجل منع المبالغة في شراء أقنعة الوجه بسبب الذعر، وهو ما أخّر استجابة تايوان لوباء SARS عام 2003، وضعت الحكومة نظام ترشيد على الصعيد الوطني وحددت قناعين فقط أسبوعياً لكل مواطن. وفي ظل توقعها ألا تكون هذه السياسة الوطنية كافية لتجنب نفاد الأقنعة من الصيدليات المحلية، أصدرت الحكومة واجهة برمجة التطبيقات API تعمل على تقديم بيانات فورية عن توفر أقنعة الوجه في كل موقع مُحدد.

شرعت وزيرة الشؤون الرقمية، أودري تانغ، في العمل عن قرب مع رواد الأعمال والقراصنة الحقوقيين في حركة g0v من خلال غرفة محادثة رقمية لتقديم مجموعة من الخرائط والتطبيقات على نحوٍ سريع. وقد أظهرت تلك الأدوات أماكن توفر الأقنعة، لكنها أظهرت أيضاً ما هو أكثر. إذ تمكن المواطنون من إعادة توزيع الحصص من خلال الصفقات المؤقتة والتبرعات للأشخاص الأكثر احتياجاً، الأمر الذي ساعد في منع صعود السوق السوداء. وكما يحدث عادة في عالم القرصنة الإلكترونية، انهار الاستخدام الأوّلي بعد أن أثقلته مئات الآلاف من الأسئلة في الساعات الأولى من التشغيل، لكن الجهد لم يذهب هباءً. إذ حفز الاهتمام الواسع الحكومة على توفير المصادر الحاسوبية والنطاقات الترددية اللازمة لتمكين صدور نسخة من هذه الخدمة، تتمكن من خدمة جميع المواطنين. ولم تقتصر النتيجة على تسهيل توزيع الأقنعة بشكلٍ أكثر فاعلية، ولكنها ساعدت أيضاً على تقليل الرعب وولّدت شعوراً مبرراً وواسع النطاق بالفخر.

تطبيق للحماية من الفيروس

والمثال الثاني هو منصة تُساعد المواطنين على العمل معاً من أجل تقليل التعرّض للفيروس. وكان الدافع الجزئي للعمل على هذه المنصة هو وصول سفينة سياحية تحوي نسبةً عالية من العدوى، ونشأت المنصة نتيجة تعاونٍ بين مجموعة من رواد الأعمال والوزارة الرقمية وحركة g0v. واستخدم الأفراد المنصة لمشاركة التقارير، تطوّعاً ومباشرةً، حول الأعراض باستخدام مختلف أشكال الوسائط (مثل خطوط الاتصال والهواتف الذكية). وجرى التحقّق من تلك المعلومات وجمعها سريعاً. ثم جرى دمج النتيجة مع التطبيقات التي أنشأها المجتمع لتسمح للمستخدمين بتنزيل تاريخ المواقع التي زاروها من الهواتف الذكية، وتحديد ما إذا كانوا قد تعرّضوا للفيروس. وكان ذلك التصميم منطقياً، لذا شجّع على السلوكيات الاستباقية. وحدّ المستخدمون، الذين شعروا بالقلق حيال تعرّضهم للفيروس، من تعاملاتهم بعدها لحماية الآخرين.

أطفال المدارس يستخدمون فواصل بلاستيكية في مدرسة في تايوان/ AFP
أطفال المدارس يستخدمون فواصل بلاستيكية في مدرسة في تايوان/ AFP

ولم يكُن المبدأ التوجيهي هنا هو التحكُّم من أعلى لأسفل، بل كان الاحترام والتعاون المُتبادل. وجرت حماية الخصوصية بعناية، ولم يُسمح للآخرين برؤية تحرّكات أيّ فردٍ بينهم. ودعّم هذا النهج درجةً مُذهلة من التنسيق الاجتماعي، مما قلّل انتقال العدوى. ورغم أنّ النظام كان تشاركياً مفتوحاً، فإن المنصة لم تُساعد في نشر التضليل والذعر. وبضمان توافق تواريخ الحركة المُبلغ عنها مع الأنماط المعقولة، دون تسجيل التفاصيل؛ جرى استبعاد المتصيّدين لتجنُّب الاختلالات التي تحُطّ من قدر الشبكات الاجتماعية التجارية في أوقات الأزمات. وقلّل توافر تلك المعلومات من العبء الاقتصادي لاحتواء المرض، عن طريق تجنّب سياسات التباعد الاجتماعي الموحّدة والمُشدّدة. وبدلاً من ذلك، بات المواطنون قادرين على تجنّب أو تطهير المواقع المعرّضة للخطر، أو عزل أنفسهم ذاتياً في حال زيارتها.

عشرات التطبيقات المجتمعية في مواجهة الوباء

وهذه ليست الأمثلة الوحيدة من نوعها. إذ ساعدت عشرات التطبيقات التي صمّمتها المجتمعات في تقليل كثافة التدخّلات الحكومية، ودعّمت في الوقت ذاته أفضل الاستجابات العالمية للجائحة. وسمحت لتايوان كذلك بتجنّب الافتقار إلى عوامل التنسيق وسوء تخصيص الإمدادات والاختبارات، التي سيطرت على الاستجابة الأمريكية والأوروبية، فضلاً عن تجنّب النهج الهرمي السرّي للتخطيط الصيني المركزي. وحافظت تايوان على ثقة الجمهور من خلال إضفاء الشفافية على استجابتها للأزمة الصحية، إذ بثّت الوزيرة الرقمية أودري كافة اجتماعاتها عبر الإنترنت. وشجّعت كذلك عدداً من الأطراف اللامركزية على الإسهام بحلولٍ والاستفادة من المعلومات الرسمية، عن طريق كشف التحديات التي تُواجهها الحكومة بدلاً من ادّعاء أنّ الحكومة لا تُقهر. وتمكّنت أيضاً من التحرّك مُبكّراً دون عرقلة الاقتصاد أو التسبُّب في انقسامٍ سياسي أو إثارة الخوف، عن طريق الاستجابة المُحكمة المستهدفة للمواقع وأنواع الأنشطة التي تُمثّل تهديداً، وتظهر من خلال بيانات المجتمع.

قوة المشاركة

لماذا نجحت تايوان حيث فشل الآخرون؟ من السابق لأوانه الزعم بالنجاح الحاسم أو الفهم الشامل لأزمةٍ ما تزال تتكشّف. ولكن من الواضح أنّ النهج التايواني أثبت أنّه أكثر فاعلية من النهج المُتبّع في الصين، ودول آسيا، وأوروبا، والولايات المتحدة خلال المراحل المُبكّرة من الجائحة.

وكان من المفترض نظرياً بالصين والولايات المتحدة أن تمتلك قدرةً أفضل على التعامل مع المشكلات المعقّدة سريعة التطوّر، إذ إنّها من "القوى العظمى في الذكاء الاصطناعي" على حد تعبير الخبير الصناعي التايواني الأصل كاي فو لي، ونظراً لامتلاكها أكبر الحواسيب التي تعمل بأكثر برامج الذكاء الاصطناعي تقدّماً. لكن تايوان الصغيرة قدّمت أداءً أفضل من تلك الدول عن طريق الاعتماد على المدخلات الاجتماعية في التنسيق، بدلاً من التعلّم الآلي وحده.

ومن المحتمل أنّ براعة الذكاء الاصطناعي في الصين والولايات المتّحدة مثّلت عقبةً في طريقها. إذ تمتلك الدولتان رؤيةً تكنوقراطية من أعلى إلى أسفل لمستقبل ذكاءٍ اصطناعي، حيث تعمل نخبةٌ رقمية صغيرة، ترتكز داخل عددٍ قليل من المراكز التقنية المُنفصلة عن مخاوف العامة إلى حدٍّ كبير، على إنتاج الأدوات التي سيستخدمها بقية السكان. ويتشابه البلدان رغم أنّ موقع هذه النخبة في الصين هو الحزب الشيوعي، في حين تضطّلع المراكز التقنية في الساحل الغربي بهذه المهمة في الولايات المتحدة.

كانت الاستجابة التايوانية سريعةً ودقيقة وديمقراطية

المشكلة الوحيدة في التكنوقراطيات من هذا النوع هي أنّها جيدةٌ في تحليل ونشر البيانات، لكنّها قصيرة النظر أحياناً فيما يتعلّق بالسياق والتحفيز. وربما كانت النخب التقنية الصينية والأمريكية بطيئةً أوّل الأمر في إدراك أهمية الأحداث داخل مجال معرفةٍ جديد نسبياً بالنسبة لها، وهو المجال الطبي. وحتى حين ظهرت المشكلة على شاشاتهم، أدّى ضيق رؤية تلك النخب إلى حالةٍ من العمى الأوّلي عن العالم خارج حدود تجربتهم المُباشرة.

وأوضح مثالٍ على ذلك هو الطبيب الصيني لي وين ليانغ، أحد أوائل من أدركوا خطر الفيروس، الذي وبّخته الشرطة أوّل الأمر لكنّه صار شهيداً وطنياً بعد وفاته. ويتجلّى قصر نظر تلك النُّخب في الولايات المتحدة كذلك، خلال النشر الفاشل لتطبيق فرز كوفيد-19 من خلال منظمة Verily التابعة لشركة Alphabet، إذ بالغت الشركة في قدرات التطبيق أول الأمر، ثم فقد ثقة الكثيرين بوصفه حيلةً لجمع البيانات، قبل أنّ نكتشف أنّه يُغطي منطقة خليج سان فرانسيسكو فقط.

 كانت الاستجابة التايوانية، القائمة على روح المشاركة الرقمية الواسعة وتطوير الأدوات التي يقودها المجتمع
كانت الاستجابة التايوانية، القائمة على روح المشاركة الرقمية الواسعة وتطوير الأدوات التي يقودها المجتمع

في المقابل، كانت الاستجابة التايوانية، القائمة على روح المشاركة الرقمية الواسعة وتطوير الأدوات التي يقودها المجتمع، سريعة ودقيقة وديمقراطية. ومن خلال نشر المشاركة في التنمية الرقمية على نطاق واسع عبر المجتمع، تجنبت تايوان كلاً من التكنوقراطية ورهاب التكنولوجيا، وحافظت في الوقت نفسه على الثقة وتدفق البيانات من كلا الاتجاهين في مواجهة الأزمة.

المواطنون منتجون ومفيدون

نموذج تايوان الناجح له سوابق. يأتي أحدها من الولايات المتحدة: خلال التعبئة السريعة التي تحققت في أعقاب الهجوم على بيرل هاربور في عام 1941. فقد انقلبت البلاد لفورِها وتفوقت على التنظيم الأكثر مركزية من ألمانيا واليابان، وبعد ذلك، الاتحاد السوفييتي، من خلال مجموعة من الابتكارات الصناعية والتكنولوجية المدارة على نحو مزدوج من الحكومات وبدفع من المواطن في آن واحد. كان مفتاح الأمر لكل من الولايات المتحدة آنذاك وتايوان الآن هو تحفيز الرغبة الواسعة بين المواطنين في أن يكونوا منتجين مفيدين، وليس مجرد مستهلكين، للأدوات اللازمة للانتصار على العدو، سواء أكان عسكرياً أجنبياً أم كان فيروساً مميتاً. ومن ثم فإن الحكومات العاجزة عن القيام بذلك في وقت الأزمات تهدر بلا شك أهم مواردها.

لقد أبدت تايوان الإمكانات ذاتها عندما واجهت تحديات أخرى. وقد تمثل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، على سبيل المثال، أكبر انتصار للعالم الديمقراطي حتى الآن على التضليل الرقمي. ففي مواجهة أكبر كم من المعلومات المضللة في العالم اعتمدت تايوان على المنابر التي أنشأها ويشغلها المواطنون، مدعومة بالجهود الطوعية لنقل الأخبار، للتحقق من المزاعم والمعلومات الكاذبة ودحضها. واستعان المواطنون أيضاً بتصميم تعاوني ونشر منهج جديد لمحو الأمية الإعلامية قبل الانتخابات، ليخسر المرشح الشعبوي المدعوم من بكين الانتخابات بفارق 20 نقطة.

حققت تايوان نجاحات مماثلة في عدد من المستويات الأخرى المتعلقة بتلك السياسة، وعلى رأسها: إقامة توازن بين حماية الخصوصية، وتمكين "العمل التعاوني على جمع البيانات" الذي ينظمه المواطنون؛ والحفاظ على معايير بيئية استثنائية والحد من الانبعاثات المضرة؛ وحماية العاملين في "اقتصاد العمل الحر" (gig economy) دون عرقلة الصعود في الخدمات الرقمية المبتكرة، وكذلك تعزيز التعاون المدني من خلال إتاحة الفرصة للمشاركات الإبداعية وأدوات التصويت.

ينطوي هذا النموذج التايواني الناشئ على بُشريات قوية بإمكانية تجاوز الأزمة الحالية. وذلك في حين أن المناقشات حول التطور التكنولوجي غالباً ما تميل إلى التركيز على المنافسين البارزين في السباق من أجل الصدارة عالمياً، مختزلةً الأمر في مواجهة بين الدولة الصينية التكنوقراطية وسلطويتها القائمة على المراقبة من جهة وبين النهج الرأسمالي المهيمن على الشركات في الولايات المتحدة على الجهة الأخرى. 

ومع ذلك، فإن تايوان تقدم مساراً آخر، وهو مسار من المفترض أن يحظى بالقبول بين الأطياف الأيديولوجية المختلفة في المجتمعات الديمقراطية، بما في ذلك الولايات المتحدة. 

وفي الختام، تقدم تايوان بديلاً لكل من نموذج المراقبة التي تفرضه الدولة الصينية على مواطنيها، ونموذج عمالقة التكنولوجيا الغربيين الذي تحركه الإعلانات والدعاية بالأساس. وقد استخدمت في نموذجها التكنولوجيا كأداة للإبداع الديمقراطي (بدلاً من التركيز، مثل أوروبا، على الحد من الأضرار المخيفة للمراقبة). وبذلك، خلقت تايوان نموذجاً يحمل وعوداً وبشريات كبيرة في المعركة الدائرة، ليس فقط في مواجهة فيروس كورونا، وإنما أيضاً في مواجهة نُذر التهديد بمستقبل مظلم من الهيمنة التكنولوجية السلطوية.

تحميل المزيد