أخذ تفشي مرض فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، الذي أعلنته منظمة الصحة العالمية جائحة مؤخراً، العالمَ على حين غرة. لكن الخبر السار هو أن التطورات العلمية والتكنولوجية الهائلة مكّنت العلماء من معرفة الكثير عن هذا الفيروس في فترة زمنية قصيرة.
ففي غضون شهرين فقط من الحالة الأولى، تعرَّف العلماء على الفيروس المسبب للمرض، وحددوا تكوينه الجيني، وتحسنت طرق الكشف عنه. وقد اكتشف العلماء أيضاً تفشي أكثر من سلالة منه.
تقول مجلة National Interest الأمريكية، رغم هذه التطورات السريعة لا يزال هناك عدد كبير من الأمور المبهمة، إذ لا يفهم العلماء بعد مسار انتقاله بالكامل، رغم أن انتقاله من شخص لآخر، من خلال استنشاق الرذاذ الذي يحمله الهواء، هو الحالة الأكثر شيوعاً. ومن الأمور المبهمة أيضاً المعدل المنخفض لاكتشاف الفيروس، خاصة مع الحالات الخفيفة أو التي لا تظهر عليها أعراض. أما الأمر الثالث فهو الطريقة التي يؤثر بها الطقس على انتقال الفيروس.
ما المختلف في إفريقيا؟
يوجد في إفريقيا حالياً عدد محدود من حالات كوفيد-19، مقارنة بمعظم المناطق الأخرى في العالم. وسُجل أكبر عدد من الحالات في مصر (126 حالة حالياً). وما يزال السبب وراء ذلك غامضاً، لكن هذه الظاهرة ولَّدت ردود فعل مختلفة، مثل الشكوك حول بطء انتشار الفيروس رغم ضعف النظم الصحية في معظم هذه البلدان، فيما عزا بعضها هذا الانتشار المحدود إلى انخفاض مستوى التوسع الحضري.
ومن ضمن العوامل الأخرى التي يُعزى إليها هذا الانتشار المحدود حقيقة أن الحالات ظهرت في وقت متأخر، ما منح البلدان المزيد من الوقت للاستعداد، فضلاً عن نقص إمكانيات الفحص.
وثمة تكهنات أيضاً بأن الفيروس لم ينتشر في إفريقيا لأنه لا ينشط في المناطق الحارة، مثل معظم بلدان إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
البيئة وانتقال فيروسات الجهاز التنفسي
ومن بين العوامل البيئية العديدة التي تؤثر على بقاء وانتشار الأمراض الفيروسية التنفسية، تؤدي درجة حرارة الجو دوراً حاسماً، إذ إن الطقس البارد يزيد من حساسية الجهاز التنفسي للإصابة بالمرض. وهذا هو السبب في أن الناس عادة ما يصابون بالتهابات الجهاز التنفسي خلال أشهر الشتاء الباردة. وفي الأجواء المدارية، تنتقل فيروسات الإنفلونزا والجهاز التنفسي بدرجة أكبر خلال مواسم الأمطار الباردة.
ورغم الغموض المحيط بانتشار فيروس SARS-CoV-2 المسبب لمرض كوفيد-19، فمن الجائز أنه يتبع هذا النمط.
إذ أظهرت أنواع أخرى من عائلة فيروسات كورونا درجة محددة من الحساسية تجاه أنماط الطقس. على سبيل المثال كانت حالات متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (SARS) أعلى بعشر مرات في درجات الحرارة المنخفضة عنها في المرتفعة.
غير أن تأثير درجة حرارة الجو مرتبط بعوامل أخرى أيضاً، مثل الرطوبة النسبية لأن هذه الفيروسات تفضل الرطوبة المنخفضة.
كما أن فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS) كان مستقراً في الجو في درجات الحرارة المنخفضة وهو ما يحتمل أنه ساعد على انتشاره. ورغم ذلك، لم يتبع الفيروس نمطاً موسمياً، لكنه انتشر بشكل متقطع. وأسهمت عوامل أخرى، مثل انتقال الفيروس من الحيوانات (من الجِمال إلى الإنسان) وضعف أجهزة المناعة، في انتشاره أيضاً.
درجة الحرارة وفيروس SARS-CoV-2
تُبين نظرة فاحصة لبيانات درجات الحرارة في الدول الأكثر تضرراً خارج الصين -كوريا الجنوبية وإيطاليا وإيران وإسبانيا- أن متوسط درجات الحرارة الشهرية بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار عام 2020 في هذه البلدان يتراوح بين 6 و12 درجة مئوية.
وفي إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، كان متوسط درجة الحرارة شهرياً في معظم البلدان التي سجلت حالات إصابة بكوفيد-19 -مثل جنوب إفريقيا ونيجيريا والسنغال وتوغو والكاميرون وبنين- بين 20 و32 درجة مئوية في الفترة نفسها. وفي الوقت نفسه سجلت الجزائر ومصر -الدولتان الواقعتان في شمال إفريقيا اللتان شهدتا حالات إصابة بالفيروس- درجات حرارة شهرية تتراوح بين 11 و17 درجة مئوية.
وعلى ذلك، كانت فيروسات كورونا السابقة أكثر انتشاراً خلال أشهر الشتاء الباردة. وهناك أيضاً اختلافات ملحوظة في درجات الحرارة بين البلدان الأكثر تأثراً (الباردة)، والبلدان الأقل تضرراً (الحارة)، في جائحة كوفيد-19.
هذا التفسير لا يكفي وحده لتفسير حالة إفريقيا
لكن هذا النمط وحده لا يمكن أن يفسر بشكل كامل انخفاض حالات كوفيد-19 في البلدان الإفريقية المتضررة في الوقت الحالي.
والسبب الأول لذلك هو أنه بعد بداية تفشي المرض، في ديسمبر/كانون الأول، في الصين، فُرضت تدابير لمنع انتقال الفيروس إلى أماكن أخرى خارج الصين. وقد مكّن ذلك العديد من البلدان من الاستعداد لأي حالات جديدة.
ثانياً، الحالات التي ظهرت في البلدان الإفريقية حديثة، ووُضع أوائل الأشخاص المتضررين في الحجر الصحي.
ثالثاً، لا تمتلك العديد من البلدان الإمكانات الكافية لفحص الإصابة بالفيروس.
ومن الممكن أن هذه العوامل، إلى جانب درجات الحرارة المرتفعة، أسهمت في محدودية الانتشار الظاهرة.
لكن على البلدان الإفريقية زيادة استعدادها
والآن بعد أن شقّ الفيروس طريقه إلى إفريقيا، يتعيّن على دول القارة أن تكون أكثر استعداداً لزيادة إجراءاتها لاحتواء الفيروس، خاصة إذا كان يتبع نمطاً موسمياً.
على سبيل المثال، يصل انتشار الإنفلونزا إلى ذروته في جنوب إفريقيا في فصل الشتاء، بين أبريل/نيسان ويوليو/تموز. وفي السنغال يأتي موسم الذروة في موسم الأمطار، من يوليو/تموز إلى أكتوبر/تشرين الأول. وتشهد العديد من البلدان الإفريقية الأخرى هذه الذروة خلال موسم الأمطار الباردة. وقد يعني هذا أن استعداد معظم البلدان الإفريقية قد يصبح محل اختبار عند حلول هذه المواسم، خاصة أن العديد من البلدان تؤكد ورود حالات إلى القارة.
يتعين على البلدان الإفريقية تعزيز قدراتها في تعرُّف الحالات الجديدة. ومن الضروري أن تُجهّز مرافق الرعاية الصحية والعاملين بها تجهيزاً جيداً للتعامل مع الحالات المصابة. ومن الضروري توعية الجمهور حول كيفية الحصول على الرعاية الطبية إذا اشتبهوا في أي علامات أو أعراض. ويجب أيضاً حث الناس على اتباع ممارسات النظافة الشخصية والمنزلية باستخدام المنظفات، مثل الكلور، لمنع انتشاره المحتمل.