تواجه البشرية أزمة صحية عامة قد تكون الأسوأ بالمعايير العالمية منذ قرن أو يزيد بقليل. لا عجب إذن أن جائحة فيروس كورونا أزاحت كثيراً من الموضوعات التي كانت عادةً ما تشكل وجبتنا الرئيسية من الأخبار العالمية لتصبح هامشية.
ومع ذلك، فإن كثيراً ما المحللين شرعوا بالفعل في خوض غمار التفكير في الكيفية التي قد تتغير أو لا تتغير بها الشؤون العالمية في أعقاب هذه الأحداث المأساوية. هذا، وإن كان الطريق ما يزال طويلاً حتى الآن للقول بإمكانية تجاوز ما يجري.
تقول شبكة BBC البريطانية إن السؤال الأكثر إلحاحاً هو ما إذا كان سلوك دول متنازعة مثل إيران والولايات المتحدة، في مثل هذه الحالة، وفي وقت يُصارع البلدان لمواجهة هذه الأزمة الطارئة، قد يعطي بصيص أمل لعلاقة أفضل في المستقبل؟
ويبرز هذا السؤال لأن إيران تضررت بشدة في أعقاب تفشي الفيروس بين مواطنيها. إذ يبلغ عدد الحالات المبلغ عنها بالفعل أكثر من 17 ألف حالة إصابة، وعدد الوفيات 1.192 حالة وفاة، ومع ذلك فإن كثيرين في إيران يعتقدون أن الأرقام الفعلية أعلى بكثير.
إيران تضطر للقروض من النقد الدولي
يعاني الاقتصاد الإيراني ضعفاً بالغاً بالفعل من جراء العقوبات الأمريكية، وعلى الرغم من أن واشنطن تؤكد أن المواد الإنسانية -ومنها الإمدادات الطبية، على سبيل المثال- ما تزال خارج شبكة العقوبات، فإن شبكة القيود المفروضة على البنك المركزي الإيراني وعلى قدرة البلاد على تبادل التجارة مع العالم الخارجي تفاقم وتبرز حجم المشاكل التي تعانيها البلاد.
وقد أخذت الأمور تزداد صعوبة بسبب تعطل شبكات النقل، وإغلاق الحدود، وما إلى ذلك من تأثيرات أوسع لانتشار الوباء. وفيما يعد علامةً على حجم الأزمة التي حلّت بإيران واحتياجها الشديد إلى المساعدة، اتخذت السلطات خطوة غير مسبوقة لطلب قرض عاجل بقيمة 5 مليارات دولار (4.25 مليار جنيه إسترليني) من صندوق النقد الدولي.
وهذه هي المرة الأولى التي تشهد سعي إيران للحصول على أموال من صندوق النقد الدولي منذ أكثر من 60 عاماً. وقال متحدث باسم المنظمة يوم الثلاثاء لبي بي سي، إن صندوق النقد الدولي "أجرى بالفعل محادثات مع السلطات الإيرانية لفهمٍ أفضل لطلبها الحصول على تمويل عاجل. وأن المناقشات ستستمر في الأيام والأسابيع المقبلة".
ماذا ستقول أمريكا؟
سيكون للولايات المتحدة، باعتبارها أحد أهم أعضاء المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، رأي مهم فيما إذا كانت إيران ستحصل على الأموال أم لا.
وهناك بالفعل دعوات من خبراء أمريكيين في الشؤون الإيرانية ليس فقط بتزويد إيران بما تحتاج إليه، وإنما أيضاً لإدارة ترامب باتباع نهجٍ أكثر تعاطفاً تجاه الأزمة الصحية في إيران بصورة عامة.
ويؤكد مارك فيتزباتريك، الخبير الأمريكي في شؤون التسلح والبرنامج النووي الإيراني، أن ثمة فرصة سانحة الآن يمكن اغتنامها لكسر الجمود القائم في العلاقات بين البلدين.
وقال على تويتر يوم الإثنين: "إن سياسة الولايات المتحدة حيال إيران سياسة عقيمة، وعاجزة عن تغيير سلوك إيران إلا للأسوأ".
وفي مقالها الذي نُشر في مجلة The American Conservative يوم الثلاثاء، تذهب الخبيرة في الشؤون الإيرانية، باربرا سلافين، إلى أن الفكرة التي اعتنقها بعض الجمهوريين الأمريكيين بأن الجائحة قد تساعد في الإطاحة بالنظام الإيراني كانت منذ بدايتها فكرة سخيفة.
وكتبت سلافين: "الاحتمالات التي تقول بإمكانية حدوث احتجاجات ضخمة… احتمالات ضعيفة، وذلك نظراً إلى توجيهات الحكومة بالبقاء في المنازل والمخاوف المنطقية من أن التجمعات الجماهيرية ستفضي إلى انتشار الفيروس فحسب".
وأشارت إلى أن وزارة الخزانة الأمريكية كانت قد اتخذت بعض الخطوات الصغيرة لتوضيح أن القنوات الإنسانية مع إيران لا تزال مفتوحة. لكنها أضافت أنه لا توجد مؤشرات على أن سياسة "الضغط القصوى" التي تتبعها إدارة ترامب يُعاد النظر فيها.
وقالت: "على ما يبدو فإن الأزمة ستدفع بإيران أكثر فأكثر إلى أحضان الصين وروسيا، وتدعم من سطوة أطراف النظام التي ترفض أي تسويات مع الغرب".
وشددت على أن "الحرس الثوري الذي يتولى الجزء الأكبر من الجهود الحكومية المتعلقة بالتعامل مع انتشار الفيروس وبناء المنشآت الطبية الطارئة، سيزداد قوة مع تحول إيران شيئاً فشيئاً عن نظامها الثيوقراطي ذي القشرة الجمهورية الرفيعة لتصبح أكثر شبهاً بدولة محكومة بدكتاتورية عسكرية".
إذن ما هي فرص التقارب، ولو المتواضع بين الطرفين؟
الفرص ضعيفة إذا كانت التصريحات العلنية بين الأطراف الرئيسية ستؤخذ على ظاهرها. فقد سعت إدارة ترامب إلى تحقيق مكاسب دبلوماسية خلال تلك الأزمة.
وقال وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في وقت سابق من هذا الأسبوع، إن زعماء إيران أخذوا "يكذبون بشأن فيروس ووهان طيلة أسابيع"، وأنهم الآن "يحاولون التملص من المسؤولية… عن افتقارهم الفادح إلى الكفاءة".
لاحظ هنا استخدام مصطلح "فيروس ووهان"، والذي يفضله بومبيو على مصطلح "فيروس كورونا". تسعى واشنطن إلى توجيه الانتقادات إلى بكين أيضاً في ثنايا الكلام، ومع ذلك فإن بعض المسؤولين الصينيين اتجهوا كذلك إلى وصف جائحة كورونا بأنها نوع من المؤامرة التي أوجدها الجيش الأمريكي للإضرار بالصين.
غير أنه فيما يتعلق بإيران، ذهب بومبيو إلى أبعد من ذلك. وصرَّح بعنف بأن "فيروس ووهان قاتل، والنظام الإيراني شريك".
ومع ذلك، فقد قال وزير الخارجية الأمريكي إن الولايات المتحدة "تحاول تقديم المساعدة". "لدينا قناة مساعدة إنسانية مفتوحة… حتى في ظل استمرار حملة الضغط القصوى التي تقودها الولايات المتحدة لضمان عدم وصول الأموال للإرهابيين".
كورونا خفضت التصعيد
من جانبه، قال رئيس القيادة المركزية الأمريكية الجنرال فرانك ماكنزي، وهو الرجل المسؤول عن القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، للجنة القوات المُسلّحة في مجلس الشيوخ مؤخراً إنّ تفشّي فيروس كورونا ربما "يزيد خطورة" إيران المُنهكة.
ولن تُخاطر الولايات المتحدة بالتأكّيد، لذا تحتفظ بحاملتي طائرات في المنطقة على غير المُعتاد. وبالطبع، تظل المسؤولية غير المباشرة لإيران في تلك الهجمات محل نزاعٍ دائم -خاصةً بالنسبة للإيرانيين أنفسهم.
وهذا ليس مُجرّد صنبور تستطيع طهران فتحه أو إغلاقه حسب رغبتها. إذ إنّ العديد من وكلائها لهم مخاوفهم وأهدافهم المحلية. والميليشيات الشيعية في العراق حريصة على إجبار الأمريكيين على الخروج. ولكن إيران تستطيع على الأرجح فعل الكثير لتقليل الوقائع أو خفض حدتها.
ولاشكّ أنّ الجائحة تبدو وكأنّها قلّلت المواجهات العسكرية في المنطقة عموماً. فعلى الجبهة الإيرانية-الإسرائيلية في سوريا، تبدو الأمور أكثر هدوءاً بشكلٍ ملحوظ. كما أوضح الجنرال ماكنزي أيضاً أنّ الولايات المتحدة قد تضطر "في النهاية إلى التعايش مع انخفاض مستوى الهجمات بالوكالة"، وهو بيانٌ يخفض درامية الموقف.
وكانت القيادة الإيرانية تتحدّث بعبارات شديدة اللهجة أيضاً. إذ أشار الرئيس حسن روحاني، يوم الأربعاء، 18 مارس/آذار، إلى أنّ إيران ردّت على قتل الولايات المتحدة للواء الحرس الثوري الشهير قاسم سليماني في يناير/كانون الثاني. لكنّه أوضح كذلك أنّ هذا الرد سيتواصل.
وقال في خطابٍ مُتلفز: "اغتال الأمريكيون قائدنا العظيم. وقُمنا بالرد على هذا العمل الإرهابي، وسنُواصل الرد". لذا فليست هناك فرصةٌ كبيرة لتخفيف حدة العداء الأمريكي-الإيراني في الظاهر.
فضلاً عن أنّ موقف واشنطن من قرض صندوق النقد الدولي قد يُمثّل مؤشراً على الشكل الذي ستتطوّر به الأوضاع. علاوةً على أنّ الخطاب لا يجب أن يُؤخذ بظاهره في الضرورة.
ففي نهاية فبراير/شباط، تواصلت الولايات المتحدة مع إيران من خلال الحكومة السويسرية من إجل إعلامها بأنّ أمريكا "جاهزةٌ للمساعدة في جهود استجابة الشعب الإيراني للجائحة".
وفي يوم الثلاثاء، 17 مارس/آذار، تحدّث بومبيو في خطابه القاسي عن طهران وبكين حول آماله في أن تدرس طهران الإفراج عن بعض الأمريكيين المُحتجزين بالبلاد.
وخير دليلٍ على التحوّل في طهران هو الإفراج المؤقت عن البريطانية-الإيرانية نازنين زغاري راتكليف. وفي نهاية المطاف، قد تحتاج إيران إلى أن تكبح ضمنياً جماح بعض الجماعات التي تُركّز هجماتها على القوات الأمريكية والغربية.
في حين يجب على إدارة ترامب أن تُقرّر ما إذا كانت هذه فرصة لخلق خط تواصل مع طهران على خلفيةٍ إنسانية، أم أنّ الضغط المتزايد على النظام نتيجة العقوبات وفيروس كورونا يُمثّل اللحظة المناسبة للإجهاز عليه. وربما يكون هذا قراراً حاسماً في مجرى الأمور لاحقاً بعد مرور الجائحة.