10 سنوات على الثورة ضد الأسد.. كيف أحكم بوتين سيطرته على سوريا بالكامل

عربي بوست
تم النشر: 2020/03/16 الساعة 11:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/03/16 الساعة 17:06 بتوقيت غرينتش
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين/رويترز

بدأت الثورة السورية في 15 مارس/آذار من عام 2011، على شكل حراك شعبي عفوي طالب بالحرية والكرامة، وأخذ طابعاً جماهيرياً، سرعان ما انتشر ليشمل الجغرافيا السورية بأكملها خلال فترة قصيرة. لكن نظام الأسد رفض التنازل عن أي جزء من سلطاته المطلقة التي سلبها من السوريين بقوة السلاح وهيمنة أجهزة مخابراته. فقابل مطالب السوريين بالإصلاح، بالتخوين والتهديد والوعيد، وبدأ بممارسة الاعتقالات على نطاق واسع، لم يسلم منها بيت سوري. بل ذهب الى أبعد من ذلك، فقابل الحراك المدني السلمي بالرصاص الحي، متعمداً قتل أكبر عدد من المتظاهرين، ولم يتردد في زج الجيش في عمليات المواجهة مع المدنيين السوريين الذين خرجوا بصورة سلمية حضارية.

اعتمد نظام الأسد سياسة القمع حتى الرمق الأخير، والاستماتة من أجل البقاء في السلطة، وتهيأ مع حليفه الإيراني مستفيداً من خبرات الأخير في مجال قمع المظاهرات الشعبية، لمواجهة الحراك الشعبي السوري باستخدام القوة المفرطة، منتهجاً لغة التحدي والتخوين والتهديد ضد الثائرين ضده، ومعتمداً على استراتيجية اتهام الثورة بالإرهاب منذ أيامها الأولى.

من السلمية إلى التسلح

استمرت الثورية السورية في نهجها السلمي الجماهيري ما يقارب العام، إلى حين قيام النظام بدفعها للعسكرة، من خلال إنزاله الجيش لمكافحة التظاهرات وحصار المدن، حيث رفض عدد كبير من ضباط الجيش وجنوده تصويب أسلحتهم على أهلهم وشعبهم، فبدأت الانشقاقات التي قادت إلى تأسيس الجيش الحر.

رفض نظام الأسد جميع النصائح العاقلة، التي دعته للاستجابة لمطالب شعبه ولو بشكل جزئي تدريجي، واختار السير في ركاب إيران، التي أشارت عليه ودفعته إلى إغراق الساحة بالمتطرفين، ليقدم الدليل على أن ما يحدث هو حركة تمرد إرهابية، فأطلق سراح أعضاء الحركة السلفية المعتقلين في سجن صيدنايا وغيره، ليقوم هؤلاء بتأسيس حركة مقاومة اتخذت طابعاً أيدلوجياً، معلنين رفضهم للديمقراطية والدولة المدنية.

ومما زاد الطين بلة والواقع تعقيداً، قيام القوى الدولية المتنافسة، بفتح المجال أمام الإرهاب العابر للحدود مثل "القاعدة" و "داعش" وأخواتها، بهدف حجز مكان لها على رقعة الشطرنج السورية، فأصبح حتماً على العالم أن يختار بين نظام حكم علماني دكتاتوري، وبين خلافة ذات طابع جهادي.

ولأن الثورات تأتي بشكل مفاجئ، على شكل انفجارات مجتمعية لا يمكن هندستها أو تنظيمها أو التحكم بتداعياتها أو مآلاتها، ولكون الثورة السورية أول تجربة سياسية للسوريين، وعدم صلتها بتجربة حزبية سابقة، بل إنها تكاد تكون الأولى من نوعها في تاريخ المنطقة، فقد كان سهلاً على نظام الأسد وحليفه الإيراني، حرفها عن مسارها السلمي، ودفعها نحو العنف والعسكرة.

استمرار الحرب بالوكالة يمزق الجغرافيا السورية

تدخل الثورة السورية عامها العاشر بمزيد من المعاناة الإنسانية، بعد أن فشل العالم في وقف المجازر المروّعة التي يرتكبها نظام الأسد والروس والإيرانيون والميليشيات الداعمة له بحق المدنيين السوريين، الذين تتواصل مأساتهم منذ 15 مارس/آذار2011، مخلفة وراءها مئات آلاف القتلى والجرحى والمعتقلين وملايين اللاجئين الذين فروا حفاظاً على حياتهم.

وأدت سيطرة التنظيمات التي تصنفها بعض الدول إرهابية على مساحة واسعة من البلاد، مثل تنظيم داعش، وتنظيم PKK/YPG المصنفين إرهابيين في تركيا، بالإضافة إلى عديد من التنظيمات التي اتخذت من التشدد عباءة لها باسم الثورة، إلى زيادة معاناة المدنيين السوريين.

لكن النظام السوري وداعميه كانوا الأكثر قتلاً وفتكاً، فقد قام الروس، بعد تدخُّلهم العسكري عام 2015 ، بقصف المدنيين واستهدافهم في المخيمات والمدارس والمشافي والمساجد ودور العبادة، وكذلك فعل الإيرانيون بواسطة الميليشيات الطائفية التي جاؤوا بها من أقطار شتى، بالإضافة لعناصر حزب الله اللبناني، ليكون لكل من تلك الجهات مجزرة خاصة بها، بحق المدنيين السوريين.

كما أصبح المجال الجوي السوري ساحة لتصفية الحسابات الإسرائيلية مع إيران وبعض الفصائل الفلسطينية، إذ تجوب الطائرات الحربية الإسرائيلية في الأجواء السورية دون رقيب أو حسيب.

تفاقم مأساة المدنيين ضحايا الصراع

قالت الأمم المتحدة إن "الفئة الكبرى من السوريين تحت خط الفقر، في وقت يحتاج فيه ملايين الأشخاص إلى الدعم لإعادة بناء حياتهم وموارد رزقهم وخلق وظائف ومصادر دخل والحفاظ عليها".

ولا يتوقف الأمر عند الخسائر الاقتصادية، بل أدّت الأحداث المروّعة إلى فقد التوازن النفسي لدى عديد من السوريين، إذ أوردت في تقرير لها أن "الناس بحاجة إلى المساعدة للتعامل مع التداعيات النفسية والعقلية التي نجمت عمَّا مروا به خلال سنوات الحرب".

وقدّر "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" (أوتشا) أن 11.7 مليون شخص في سوريا سوف يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية والحماية.

وقد أدّت العمليات العسكرية الأخيرة إلى نزوح أكثر من 600 ألف شخص في إدلب وحماة، و180 ألفاً على الأقلّ في شمال شرق سوريا، وفْقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

ويضمّ شمال غرب سوريا 3 ملايين مدني، نصفهم على الأقل مهجَّر مرة واحدة في أدنى حد، وتقول مصادر الأمم المتحدة إن أكثر من ستة ملايين سوري نزحوا داخل البلاد، يقيم عدد كبير منهم في مخيمات عشوائية فيما بات أكثر من 5.6 مليون سوري لاجئين أو طالبي لجوء في دول أخرى، مثل تركيا ولبنان والأردن.

وقد نشر الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش" الجمعة 13 مارس/آذار 2020، بياناً بمناسبة دخول الثورة السورية عامها العاشر، ذكر فيه أن عدد القتلى والجرحى في سوريا غير معروف.

ودعا الأمين العام إلى ضرورة عدم السماح بارتكاب مجازر جديدة في سوريا، وأن آلاف المدنيين الذين هم في عداد المفـقودين يتعرضون لمعاملات سيئة وللتعـذيب في الاعتـقال".

ولفت إلى أن "الجـرائم الرهيبة" في سوريا لا يجب أن تمر دون عقـاب، مضيفاً أنه لا يمكن السماح بارتكـاب ذات المجـازر، وتجاهل حقوق الإنسان، خلال العام العاشر.

غني عن القول، أن المسؤولين في الأمم المتحدة، وعلى مختلف مسمياتهم، بالإضافة إلى مجلس الأمن الدولي، فشــلوا منذ بداية الثورة السورية بوقـف المجازر التي يرتكـبها نظام الأسد بحق المدنيين السوريين المناهـضين له.

تقلبات المشهد السياسي في سوريا

شهدت الساحة السورية خلال الأعوام التسعة الماضية سلسلة من التحولات السياسية والمتغيرات الميدانية، بتأثير العوامل الخارجية والفواعل الدولية والإقليمية، جعلت طرفي الصراع، نظام الأسد والشعب السوري الثائر، الحلقة الأضعف في عملية /آلية القرار السوري، فتحول السوريون إلى مجرد عامل ثانوي مكمل للمشهد لا أكثر.

عودة أمريكية تدريجية للساحة السورية

تحاول واشنطن تلافي تبعات قرار الرئيس ترامب المفاجئ سحب قوات بلاده من سوريا، والذي تسبب في خلط الأوراق واختلال الموازين، ليس في الساحة السورية وحدها بل في المنطقة عموماً، لذلك تركت الإدارة الأمريكية عملية الانسحاب من سوريا ضبابية لفترة طويلة نسبياً، ثم حولتها لإعادة تموضع من جديد بحجة حماية آبار النفط، بعد عملية "نبع السلام" التي قامت بها تركيا ضد تنظيمات PKK/YPG المنصفة إرهابية في تركيا.

في الوقت ذاته، تستمر إدارة ترامب في سياسة إضعاف إيران في سورية والعراق، سواء من خلال استهداف الطيران الاسرائيلي المتكرر للمواقع الاستراتيجية الحساسة التابعة لإيران وحزب الله اللبناني في سوريا، أو من خلال إحكام الحصار الاقتصادي على دمشق.

استماتة روسيا للاستفراد بالمشهد السوري

حشد الكرملين كلّ إمكاناته السياسية والعسكرية والأمنية والإعلامية، من أجل الإمساك بجميع خيوط المسألة السورية. فقبل الروس في البداية مفاوضات جنيف، التي ساوت المعارضة السورية بالنظام برعاية الأمم المتحدة، من أجل استغلال الظروف الدولية، وسياسة التردد والانكفاء لدى الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، لفرض وصايةٍ روسية كاملة على سورية.

بدلاً عن تقديم التنازلات السياسية، ذهب الروس لجهة التنسيق مع الأطراف الإقليمية المؤثرة في الساحة السورية، فأطلقوا عملية أستانا كبديل لعملية جنيف. ولتفادي الفيتو الأمريكي، زعموا بأن الهدف من عملية أستانا هو مراقبة عمليات وقف إطلاق النار في مناطق خفض التصعيد التي حددوها بمشاركة تركيا، محتفظين لأنفسهم بحق خرق جميع الاتفاقات تحت ذريعة الحرب على الإرهاب، مستفيدين من وجود هيئة تحرير الشام المصنفة كمنظمة إرهابية على قوائم الأمم المتحدة في إدلب.

يعلم الكرملين أن الانتصارات العسكرية والدبلوماسية الروسية، ليست كافية للوصول إلى حلٍّ سياسي شامل يحظى بقبول السوريين والأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة، وأن الحل النهائي يتطلب تنازلاتٍ روسية كبيرة لقوى إقليمية تتناقض رؤيتها حول مستقبل سورية، ولعل الأهم من ذلك أن موسكو مجبرةٌ على الاستعانة ببلدان الخليج وأوروبا والولايات المتحدة وغيرها، من أجل إعادة إعمار سورية، التي فقدت أكثر من 90% من اقتصادها وبنيتها التحتية، وهذا يفوق قدرة روسيا وحلفائها بأضعاف مضاعفة، خصوصاً بعد الانخفاض الحاد في أسعار النفط.

يجيد الرئيس الروسي بوتين سياسة حافة الهاوية، فهو يصعّد عسكرياً إلى أقصى حد، مجبراً خصمه على التنازل، للحصول على أعلى المكاسب.

تكمن معضلة السياسة الروسية في جمودها، وعدم امتلاكها سوى سيناريو الحسم العسكري المدمر على نموذج غروزني، مما وضع موسكو وأنقرة على شفير الحرب في إدلب مؤخراً، وهذا يجعل موسكو شريكاً غير موثوق في أي عملية سياسية مستقبلاً.

تركيا.. وحدة سوريا صمام الأمان لأمنها الاستراتيجي

لا تبدو التطمينات التي تقدمها واشنطن لأنقرة كافية لبناء الثقة بين الطرفين، حيث لم يقدم الطرف الأمريكي أي سيناريو من شأنه إزالة مخاوف أنقرة حول "قسد". وفيما يتلاشى الدور التوافقي لأستانا على وقع خلافات الضامنين، يسود القلق لدى أنقرة من إمكانية توافق واشنطن وموسكو على خطة مشتركة لشرقي الفرات وغربيه في معزل عنها.

في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2019، أطلق الجيش التركي بمشاركة الجيش الوطني السوري عملية "نبع السلام" في منطقة شرق نهر الفرات شمال شرقي سوريا؛ لتطهيرها من إرهابيي "ي ب ك/بي كا كا" و "داعش"، وإنشاء منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم.

وفي الـ17 من الشهر نفسه، علق الجيش التركي العملية بعد توصل أنقرة وواشنطن إلى اتفاق يقضي بانسحاب الإرهابيين من المنطقة، وأعقب ذلك اتفاق مع روسيا في سوتشي في الـ22 من الشهر ذاته.

 لا سلام في سوريا إلا عبر الانتقال السياسي

انحسار العمليات القتالية، وتراجع قوى الثورة ميدانياً، لا يعني أبداً انتهاء الثورة السورية، ولا يعني هزيمة مؤسساتها أو انتصار النظام عليها، بل تشير إلى الانتقال من مرحلة لها طبيعتها وأدواتها، إلى مرحلة أخرى مختلفة عنها، لها معطياتها وأدواتها، حيث يتحول المشهد السياسي للثورة من مرحلة "الهدم" إلى مرحلة "البناء"، في حين يواجه نظام الأسد تحديات سياسية واقتصادية ودبلوماسية لم يشهدها من قبل.

رغم كل شيء، فإن المعطيات تشير إلى أن الصراع في سورية لن يتوقف دون تحقيق نوع من الانتقال السياسي، الذي يضمن تغيير طبيعة نظام الحكم، ويفتح الباب أمام عودة السوريين في الداخل والخارج لوطنهم وبيوتهم، ويضمن لهم العودة من جديد إلى الحياة الطبيعية، ووقف الحرب التي فجرها النظام.

تحميل المزيد