وجِه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، أمس الأحد 15 مارس/آذار 2020، بتخصيص 100 مليار جنيه (نحو 6.4 مليار دولار) لتمويل الخطة الشاملة للتعامل مع تداعيات فيروس كورونا المستجد، فما هي هذه التداعيات؟ ومن أين ستوفر مصر هذا المبلغ الكبير لمواجهة فيروس كورونا؟
وتسود الأوساط الاقتصادية مخاوف كبيرة من أن مصر ستعاني خلال الأشهر القليلة القادمة أكثر مما تعانيه الآن بسبب تفشي وباء "كورونا" على مستوى العالم.
ويؤكد المسؤولون بمصر أن مخزون السلع الاستراتيجية يكفي لعدة أشهر قادمة، ولا مخاوف من ذلك، لكن الأزمة أبعد من مجرد توفير سلع استراتيجية.
مكافآت لتشجيع العاملين بالقطاع الصحي
الدكتور محمد معيط، وزير المالية المصري، أكد الأحد 15 مارس/آذار 2020 أن "هناك تكليفات رئاسية بتوفير الاعتمادات المالية اللازمة لتنفيذ خطة الدولة الشاملة في التعامل مع أي تداعيات لفيروس كورونا المستجد، وأن يتم تخصيص مبلغ مئة مليار جنيه للتعامل مع الآثار المترتبة على انتشار الفيروس، وما تتضمنه من إجراءات احترازية".
وأوضح أن "وزارة المالية تستجيب لطلبات وزارة الصحة بما يمكنها من توفير كل الأدوية والمستلزمات الطبية لجميع الوحدات والمراكز الصحية والمستشفيات بالقطاع الصحى على مستوى الجمهورية، وقد تمت إتاحة ١٨٧,٦ مليون جنيه فوراً بصفة مبدئية لوزارة الصحة من الاعتمادات المالية المقررة، منها ١٥٣,٥ مليون جنيه لشراء مواد خام ومستلزمات لمواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد، و٣٤,١ مليون جنيه مكافآت تشجيعية للعاملين بالحجر الصحي ومستشفيات العزل، وستقوم وزارة المالية بالإتاحة الفورية لأية مبالغ تطلب من وزارة الصحة أو أي جهات أخرى ذات اختصاص لمواجهة هذا الفيروس".
كم يبلغ حجم ميزانية الطوارئ في مصر؟
كانت هذه تصريحات الوزير المعني في مصر بتنفيذ توجيهات الرئيس السيسي لتوفير 100 مليار، ويلاحظ أنه لم يتحدث عن تفاصيل، ولم يجب عن تساؤلات المصريين هل هذه المئة مليار جنيه موجودة بالفعل، أو حتى يمكن تدبيرها.. الأمر الذي أثار مخاوف من يكون الأمر كله مجرد "تصريحات للاستهلاك الإعلامي" أو مغازلة الجهات الدولية المانحة.
يقول الخبير والمستشار الاقتصادي في عدة بنوك مصرية "م .ج" لـ "عربي بوست": "إن هذا الإعلان عن توفير هذا المبلغ ليس إلا لمخاطبة الجهات الدولية المانحة مثل منظمة الصحة العالمية وصندوق النقد والبنك الدوليين، فالحكومة تريد أن تحصل على جزء من كعكة المنح الدولية بسبب الفيروس، فهي تقول إنها لديها وباء، وتحتاج إلى إغاثة، وإنها تحتاج مثل هذا المبلغ الكبير لمواجهته، فلو حصلت حتى على 10 مليارات دولار من هذه الجهات فهذا مكسب بالنسبة لها، أما أن توفر 100 مليار جنيه من ميزانية الدولة أو أي جهة في الحكومة، فهذا مستحيل".
وقال المصدر الذي يحتفظ "عربي بوست" باسمه، إنه "في ميزانية الدولة يوجد بند ثابت للطوارئ والأزمات مثل حدوث زلزال، أو أي كارثة طبيعية مثل عاصفة التنين، هذا البند لا يتعدى 6 مليارات جنيه مصري، فهذا هو الموجود فعلياً في الميزانية لاستخدامه في أي لحظة، وهذا ما يتم الصرف من خلاله على فيروس كورونا، والأرقام التي أعلن وزير المالية أنه أعطاها لوزارة الصحة من خلاله".
وأكد المصدر: "إذا كان الوزير يتعهد أمام الرئيس بقدرة الدولة على توفير هذا المبلغ فلماذا يعلن أسبوعياً عن أذون خزانة بـ18 مليار جنيه لسد عجز الميزانية؟".
وتساءل المصدر: "كيف ستدبر مصر 100 مليار لمكافحة كورونا وهي تسدد 360 مليار جنيه سنوياً خدمة دين عام؟ إن إيرادات الدولة 1.3 تريليون جنيه، لها أوجه صرف وبنود مخصصات تذهب إليها ولا تستطيع الدولة تغيير هذه البنود، لذا فإن المئة مليار جنيه التي أعلن السيسي عن تدبيرها لمواجهة كورونا ليست سوى لمغازلة الجهات المانحة، ومخاطبة الرأي العام في مصر، إضافة إلى أن المبلغ في حد ذاته كبير جداً، ومواجهة الفيروس لا تصل إلى هذه الكلفة العالية حتى بالنسبة للدول التي تشهد معدل إصابات عالياً"، حسب قوله.
المبلغ لن يكون دفعة واحدة، والرهان على صندوق النقد
أما الخبير الاقتصادي د. هاني جنينة، رئيس بحوث "برايم القابضة"، فقال لـ "عربي بوست" إن وزارة المالية المصرية سوف تخصص جزءاً من موازنة العام المالي الجديد 2020/2021 لمواجهة أزمة كورونا".
ولكنه أوضح أنه "ليس شرطا أن يتم تدبير هذا المبلغ كله مرة واحدة، فقد يتم تدبير جزء منه في الثلاثة أشهر الأولى للعام المالي الجديد، والباقي على مدار العام".
وأضاف: "سيتم تدبير جزء آخر من صندوق النقد الدولي الذي خصص 50 مليار دولار لتوزيعها على الدول الأكثر فقراَ لمواجهة تداعيات كورونا، وسيخصص الصندوق 10 مليارات دولار للدول الأشد فقراَ بدون فوائد، والباقي بفوائد ميسرة".
ومصر استفادت من تراجع الدولار
ورأى هاني جنينة أنه بالفعل نتيجة انخفاض سعر النفط عالمياً فقد حققت مصر مكاسب من هذا الأمر، نظراً لأنها تستورد مواد بترولية بمبالغ ضخمة، فنتيجة هذا التراجع في أسعار النفط أصبح لدينا وفرة يمكن الاستعانة بها للمواجهة.
أما عن كيفية صرف هذا المبلغ، فقال: "سيتم توزيع هذه المبالغ الموفرة بين دعم القطاعات المتضررة من أزمة كورونا كالسياحة التي فقدت جزءاً كبيراً من مدخلاتها لمصر، علماً أن قطاع السياحة خلال العامين الماضيين ساهم بشكل كبير في تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية المصرية التي تعاني منها منذ 2008، وليس كما هو متداول منذ 2011".
وتابع: "سيتم تخصيص جزء من الـ100 مليار جنيه لمواجهة كورونا في دعم الجهود الطبية لمكافحة الفيروس، ودعم الشركات والقطاعات الصناعية التي تضررت نتيجة كورونا".
الأزمة أكبر حتى من 100 مليار جنيه
وإذا كان الأمر يتعلق بالمواجهة الطبية وتوفير ما تطلبه وزارة الصحة المصرية من مستلزمات فالأمر هين، ولكن الأزمة أكبر على جانب آخر.
فبحسب ما قالته أوما راماكريشنان، رئيسة بعثة مصر لدى صندوق النقد الدولى، إن "انتشار فيروس كورونا بالتزامن مع انخفاض أسعار النفط والسلع وتردي الطلب واضطرابات سلاسل الإمداد العالمية، سيؤثر على الاقتصاد المصري واقتصادات منطقة الشرق الأوسط بشكل أوسع".
وأضافت في تصريحات لموقع "البورصة"، أن مدى تفشي الوباء العالمي في مصر ودول الجوار لايزال غير معلوم، إلا أنها توقعت هبوط مؤشرات السياحة والنقل فى منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة المقبلة.
وقفزت تكلفة مبادلة المخاطر الائتمانية لمصر أجل 5 سنوات إلى 512 نقطة أساس في تداولات الجمعة الماضي مقابل 260 نقطة أساس منتصف فبراير/شباط الماضي، وهو ما يعني أن هناك احتمالية نسبتها 8.53% لمصر بالتخلف عن السداد مع معدل استرداد 40%.
ساويرس يقترح التركيز على قطاع السياحة
من جانبه، قال رجل الأعمال المهندس سميح ساويرس، رئيس مجلس إدارة شركة أوراسكوم القابضة للتنمية، إنه يتوجب على الحكومة العمل على إيجاد آلية لتعويض العمالة التي قد تتضرر نتيجة لأي تداعيات محتملة لتفشي فيروس كورونا.
وأضاف ساويرس، في تصريحات نقلتها عنه صحيفة "حابي" الإلكترونية، الأحد: "قد تضطر بعض الشركات لتسريح العمالة الزائدة في أوقات الركود، ولذلك يستدعي الأمر الدعم الحكومي، خاصة في ظل تأثر أعمال الشركات بالأزمة، وهو ما سينعكس على قدرتها على تحمل رواتب الموظفين".
وأوضح ساويرس أن القطاع الخاص بحاجة ملحة لصدور تعليمات للبنوك بتأجيل مستحقاتها لدى الشركات خلال التسعة أشهر المقبلة لحين انتهاء المدة المحددة لسداد القرض أو التسهيلات.
وتابع: "هذا ما يتم اتباعه في دول العالم المتقدم، حيث تلتزم الدولة بسداد 80% من آخر مرتب عند فقدان أي مواطن لوظيفته".
وحول القطاعات أو المجالات الأولى بالاستفادة من الحزمة التي أعلن السيسي عن تخصيصها للخطة الشاملة لمواجهة تداعيات كورونا والبالغة 100 مليار جنيه، أكد ساويرس أن "حماية الوظائف أهم شيء حالياً"، مشدداً على ضرورة ضخ سيولة للبنوك لتعويم الشركات المتضررة بقروض طويلة الأمد.
وتوقع رئيس شركة أوراسكوم القابضة للتنمية أن تصل نسبة تأثر الوظائف بتداعيات كورونا في قطاع السياحة والفنادق إلى نحو 50%، أي أن نصف العمالة ستكون زائدة عن احتياجات الشركات، كما ستنخفض دخول ورواتب النسبة الباقية إلى النصف تقريباً.
وأكد ساويرس أن قطاع السياحة والفنادق هو الأكثر تضرراً بين الأنشطة الاقتصادية، وبفارق كبير.
وأضاف: "التدخل السريع لحماية الوظائف هو الأمر الأهم حالياً، خاصة أن تأثر الوظائف وتوقف رواتب بعض الموظفين سينعكس بالتبعية على باقي الدورة الاقتصادية، وأقصد هنا أنها ستنعكس سريعاً على أصحاب المهن الحرة والحرف أيضاً".
في سياق متصل، قال مصدر مسؤول في وزارة المالية لـ "عربي بوست" إن أزمة "كورونا" وتداعياتها على الاقتصاد المصري وضعت لها وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية دراسة تامة بالتنسيق مع البنك المركزي لصياغة تدخلات حكومية للتعامل مع تلك الأزمة على جانب السياسة المالية والنقدية والتجارية.
وقال المصدر إن "السيناريو المرجح في الدراسة هو انحسار فيروس كورونا وانتهاء آثاره خلال شهر مايو/أيار المقبل، وسوف تكون قصيرة المدى ومحدودة خلال الربعين الثالث والرابع من السنة المالية".
وتابع المصدر: "وضعنا في الاعتبار تقديم محفزات للقطاع السياحي عبر مجموعة من التيسيرات غير النقدية، فضلاً عن مد فترة سداد الأقساط أو تأجيلها، وهو ما يواجه بمرونة لدى البنك المركزي، فضلاً عن إجراء إصلاحات هيكلية للقطاعات الأكثر تأثيراً على النمو، وهي السياحة والصناعة".