ترى السيدة السورية م.س، التي فرَّت إلى ألمانيا منذ خمسة أعوام أنَّ اللاجئين العالقين حالياً على الحدود اليونانية-التركية هُم بلا شك ضحية سياساتٍ تهزأ بمحنتهم. وتقول م.س التي فضلت عدم الكشف عن اسمها، لموقع Deutsche Welle الألماني، إنَّ اللاجئين لا يُرَون على أنَّهم بشر، بل كتلة يجب التحايل للتخلُّص منها. وتقول إنَّ البشر المشرَّدين على الحدود بحاجةٍ للحماية، ما لن يجدوه إلَّا في أوروبا. مضيفة إنَّه لهذا السبب يجب على الدول الأوروبية قبول اللاجئين إلى أراضيها.
وفي المقابل، يرى حسن المصري الأمر بزاويةٍ مختلفة بعض الشيء. يقول المصري إنَّه على السلطات الأوروبية أن تنظر بعنايةٍ في أوضاع هؤلاء المتكدّسين على الحدود اليونانية، مفسراً: "على الدول أن تفتح حدودها لهؤلاء القادمين إليها مباشرةً من مدينة إدلب. لكن لماذا يريد هؤلاء الذين كانوا يعيشون في تركيا لأعوام، ويعملون فيها، أن يأتوا الآن إلى أوروبا؟"
فرَّ المصري أيضاً من سوريا إلى ألمانيا عام 2015، وهو وقت استقبلت فيه البلاد الكثير من اللاجئين. كانت حياته في تقلُّباتٍ بين الأحسن والأسوأ منذ ذلك الوقت. والآن يشوب ارتياحه لحصوله على وضع اللجوء في البلاد مخاوف من الحراك الاجتماعي العام في ألمانيا، الذي يزداد قسوةً على أمثاله. ويضيف: "العنصرية في ازدياد. وصعود الحزب اليميني "البديل من أجل ألمانيا" ليس مبشّراً".
ليس اللاجئون سواسية
هذان مثالان يُبينان بوضوحٍ أنَّ السوريين ممَّن لجأوا إلى أوروبا لهم آراءٌ مغايرة فيمَن يريدون أن يحذوا حذوهم الآن. توضّح مقابلاتٌ أخرى أجرتها الإذاعة الألمانية مع لاجئين مدى التبايُن بين مواقفهم.
على سبيل المثال، يقول أحمد محمود، وهو لاجئ فرَّ إلى ألمانيا في 2015، إنَّه يجب مَنح اللجوء لهؤلاء المعرَّضين لخطر حقيقي. ومع أنَّه مؤمنٌ بأنَّه تجب مساعدة هؤلاء مَن يحتاجون العون، فإنه يرى أنَّ هذا العون يجب أن يكون بموجب القانون. ويعارض محمود فكرة اجتياز الحدود بشكلٍ غير شرعي، قائلاً: "وإلَّا سيكون المقيمون هنا أقل تقبُّلاً للاجئين".
لكن مصطفى (اسم مستعار) يقول إنَّه لم يتعرَّض لرفضٍ جماعيّ لوجوده لأنه لاجئ. ويضيف أنَّه بالطبع يوجد في ألمانيا أشخاصٌ متعجرفون يُعادون المعوزين. لكنَّه يوضح أنَّ أغلب الناس في ألمانيا لا عداوة بينهم وبين القادمين الجدد إلى البلاد. ويقول: "ألمانيا بها عنصرية أقل من غيرها". لهذا السبب، يطالب مصطفى ألمانيا بضمّ المزيد من اللاجئين. ويتابع قائلاً: "هؤلاء أناسٌ عاشوا بين القصف والدمار، في خوفٍ مستمر. وهُم بحاجةٍ للمساعدة".
قصص ناجحة إجمالاً
يقول كارل كوب، وهو متحدثٌ باسم الفرع الأوروبي للمنظَّمة الداعمة للهجرة Pro Asyl، إنَّ السوريين المقيميين في ألمانيا لا يتبنّون آراءً مغايرة عن اللاجئين الجدد فحسب، بل إنَّ لهم وجهات نظر مختلفة عن حياتهم الخاصة منذ وصولهم ألمانيا.
يوضح كوب: "واجه هؤلاء ممَّن مُنِحوا حقَّ اللجوء صعوباتٍ كثيرة، لكنَّنا لاحظنا أنَّهم يحاولون الاندماج في المجتمع بأسرع وقتٍ ممكن. ويقول معظمهم إنَّهم مسرورون لقدرتهم على العيش في أمان. وقد وجد نحو 50% ممَّن فروا إلى ألمانيا وظائف. سواء كانوا يعملون في دوامٍ مقابل راتب، أو كانوا يمارسون عملاً مستقلاً، أو كانوا يدرسون في ألمانيا. وكثيرون لديهم قصص نجاحٍ في ألمانيا".
ومع ذلك، يضيف كوب أنَّه يوجد أيضاً في ألمانيا لاجئون لا تسير أمورهم جيداً. وقال: "نعرف أيضاً أنَّ هناك حالاتٍ لأفرادٍ كثر يحملون وضع حمايةٍ فرعية. بهذا يصبح من المستحيل لهم أن يجلبوا عائلاتهم للعيش معهم ويجبرهم على عيش حياةٍ معلَّقة". ويقول كوب إنَّ هذا الوضع له أثرٌ مدمّر على كثير من الأشخاص؛ " لأنَّ العديد من أقربائهم ما زالوا يحاولون الهرب من بلادهم أو أنهم محاصرون في مناطق حربٍ دائرة".
ويوضح كوب أنَّ أغلب اللاجئين ستكون لهم آراءٌ مختلفة، لكنَّ "هؤلاء ممَّن مُنِحوا وضع اللجوء ممتنّون وراغبون في أن يكونوا جزءاً من المجتمع الألماني".
مدركون لحظّهم الجيّد
ثمة شيء اتَّفق عليه جميع من أُجرَيت معهم مقابلات، وهو عن مدى صعوبة الفرار من الحرب بعد عام 2015. تذكر أحمد محمود قصته وقال: "في عام 2014، استولى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على المنطقة التي كنتُ أعيش فيها. لذلك هربت. عبرتُ المناطق الكردية في سوريا ودخلتُ تركيا. بقيتُ في تركيا ثلاثة أيام، ثم أكملت رحلتي إلى اليونان، حيث كانت تنتظرني عدة منظمات معنية بمساعدة اللاجئين على استكمال مسيرتهم". ويوضح محمود أنَّ الوضع اختلف كثيراً الآن، مشيراً إلى أنَّ حدود العديد من الدول أُغلِقَت في وجوه اللاجئين وأنَّ أوروبا تستقبل الآن أعداداً أقل كثيراً منهم.
ويقول كارل كوب إنَّه يوجد قاسمٌ مشترك بين مَن هربوا في عام 2015 وهؤلاء الساعين للهرب من سوريا اليوم. ويضيف: "معظمهم على درايةٍ بالوضع الدائر حالياً على الحدود التركية-اليونانية. قطعوا هم أيضاً هذه الرحلة. ويعرفون أيضاً جزيرة ليسبوس، والبحر، وجمال الطبيعة هُناك، والمخاطر المروّعة التي تحفُّ هذا الطريق". ويوضح كوب أنَّ الوضع الحالي يجعل هؤلاء ممَّن نجحوا بالفرار في 2015 يدركون أمراً آخر: "يعرفون أنَّهم كانوا محظوظين، لا لسببٍ سوى أنَّهم قدموا أبكر كثيراً".