في الشهور الأخيرة، كثف النظام السوري هجومه على إدلب، المنطقة الأخيرة التي يسيطر عليها الثوار في البلاد. وقد نفذَّت كل من تركيا وروسيا وقفاً ضعيفاً لإطلاق النار، إلا أنه قد نجم عن الهجوم تشريد قرابة المليون سوري باتجاه الحدود مع تركيا. وما يصل إلى 3 ملايين شخص معرضين لخطر النزوح إن استمر العنف. وفي حين أن المعركة الأخيرة أوضحت أن الحرب أبعد ما تكون عن نهايتها، تطرح مكاسب النظام السوري سؤالاً ملحاً: ما مصير 5.6 مليون لاجئ سوري موجودين بالفعل في الدول المجاورة؟
البقاء في دول الجوار خيار غير مجدٍ
أصدرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين خططاً دورية لـ "حلول دائمة" لأزمة اللاجئين السوريين منذ عام 2017 على الأقل. تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية، تعتبر الأمم المتحدة الاختيارات الثلاثة التالية "حلولاً دائمة" للاجئين: إعادة التوطين في دولة أخرى، والعودة الطوعية، والاندماج المحلي.
غير أن المفوضية اعترفت بأن إبقاء اللاجئين حيث هم الآن لن يجدي نفعاً على الأرجح. فهناك عدد قليل فقط من الدول التي عرضت قبول لاجئين؛ وأُعيد توطين 23.625 لاجئاً سوريّاً فقط في عام 2019 – وهو عدد أقل من 0.005% من إجمالي النازحين إلى الدول المجاورة لسوريا. ومع تزايد أعداد اللاجئين الذين يعودون إلى سوريا، فإن نسبة 5.9% فقط من اللاجئين الذين خضعوا لاستبيان المفوضية بين عامي 2018 و2019 قالوا إنهم ينوون العودة إلى سوريا خلال العام القادم.
ولعل قرار تركيا الأخير بشأن السماح للاجئين بالهجرة إلى أوروبا، مع إبقاء حدودها مغلقة مع سوريا، يوضح هشاشة وضع اللاجئين السوريين في البلدان المجاورة لسوريا. وعلى الرغم من الجهود الدولية المبذولة لاحتواء اللاجئين لتظل في الشرق الأوسط، قدمت دول جوار سوريا للاجئين مستويات مختلفة تماماً من الحماية والحقوق الاجتماعية والاقتصادية. وهكذا، فإن اللاجئين السوريين معرضون لخطر التهميش بشكل أكبر، أو الأسوأ من ذلك، إعادتهم إلى سوريا مرة أخرى بحجة نهاية الصراع. وفي ما يلي أسباب عدم جدوى الإبقاء على اللاجئين السوريين في الدول المجاورة لسوريا.
ظروف مختلفة للغاية للاجئين
الأردن، ولبنان، وتركيا هي الدول الثلاث الأساسية التي تستضيف اللاجئين السوريين. وتختلف سياسات كل منها عن الأخرى إلى حد كبير، وقد تغيرت تلك السياسات على مدار السنوات التسع التي استمرت خلالها الحرب الأهلية السورية.
1- تركيا
بالنسبة لتركيا، فقد رحبت في البداية باللاجئين السوريين، وفتحت لهم أبوابها ومنحتهم خدمات الرعاية الصحية والتعليم. وقد أفضى الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في عام 2016 إلى احتواء اللاجئين في تركيا –من خلال تعزيز الإجراءات على الحدود والوعود بزيادة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للاجئين– في مقابل مليارات الدولارات في شكل مساعدات مالية لتركيا وسياسات اقتصادية في صالحها.
غير أنه مع استمرار الحرب وتغير الرأي العام حول اللاجئين، ذكر مراقبو حقوق الإنسان أن هناك ترحيلات جماعية قد وقعت. إضافة لذلك، فقد ناصرت أنقرة مراراً نقل اللاجئين إلى "منطقة آمنة" داخل سوريا، رغم ما خلصت إليه دراسات الباحثين مثل كايتي لونغ بأن المناطق الآمنة قد أثبتت فشلها تاريخيّاً في حماية المدنيين. وفي الأسبوع الماضي، علقت الحكومة التركية اتفاقها مع الاتحاد الأوروبي، وفتحت الحدود أمام اللاجئين باتجاه أوروبا، حيث استُقبِلوا بالعنف وقنابل الغاز المسيل للدموع، من حرس الحدود اليوناني.
2- الأردن
في الأردن، فقد أتاح مزيد من الخدمات العامة وفرص العمل للسوريين في عام 2016 من خلال اتفاقية الأردن عام 2016 مع الاتحاد الأوروبي، في مقابل مليارات الدولارات في صورة منح وقروض واتفاقيات تجارية تصب في مصلحة البلد. وقد اعتبرت الاتفاقية إنجازاً كبيراً بالنسبة لحقوق اللاجئين، إلا أن الحكومة تراجعت عن المعاشات الصحية المقدمة للسوريين في عام 2018 ورفضت استقبال مزيد من اللاجئين. ولم تتحسن ظروف اللاجئين، إذ إن 80% من السوريين لا يزالون تحت خط الفقر.
3- لبنان
فيما يتعلق بالحكومة اللبنانية، فقد تبنت سياسات تزداد تقييداً تجاه السوريين. ففي عام 2014، قبلت لبنان تمويلاً دوليّاً لزيادة الخدمات التعليمية والصحية المقدمة للاجئين، لكنها حدَّت من وصول السوريين إلى سوق العمل. في الوقت نفسه، سمحت الحكومة الوطنية للحكومات المحلية باستهداف اللاجئين بسياسات مثل حظر التجول، وقد أجج المسؤولون الحكوميون رأيّاً عاماً معاديّاً للاجئين باستخدام خطابات قاسية، فيما شن الإعلام حملات منظمة ضد اللاجئين أججه الكثير من المسؤولين.
ما محرك السياسات إزاء اللاجئين؟
يفترض نهج الأمم المتحدة والمتبرعين الغربيين أن الحكومات ستتبنى سياسات داعمة للاجئين عندما تخدم المساعدات الإنسانية الأهداف الاقتصادية للدول المضيفة. ففي اتفاقية الأردن، واتفاق الاتحاد الأوروبي وتركيا في عام 2016، دفعت أوروبا مليارات اليوروهات على سبيل المساعدة في مقابل وعد بتحسين ظروف اللاجئين ومنع تدفق الهجرات إلى أوروبا.
هنا تكمن المشكلة، إذ إن سياسات التعامل مع اللاجئين في الدول المضيفة لا تتعلق بالأمور الاقتصادية فقط، هكذا أوضح علماء السياسة كريستوفر بلير، وغاي غروسمان، وجيرمي وينستين في ورقتهم البحثية حديثة. وحددت دراسة سابقة لعالمة السياسة كارين غاكوبسين عدة عوامل تؤثر أيضاً في تلك السياسات، بما في ذلك القدرات الاقتصادية وقدرات البنية التحتية، ومستوى الدعم الدولي، والعلاقات الدولية، والأمن، والهوية العرقية للاجئين. فمن شأن النظام السياسي الطائفي الحساس في لبنان أن يجعل البلد مهيأ ليكون عدائياً مع اللاجئين ذوي الأغلبية السنية. ووجدت الباحثة فيكتوريا كيلبرير أن استراتيجية الأردن توجهها بالأساس الأوضاع الاقتصادية للبلد. ووجد الباحثان غوك آلب، وزينب شاهين مينكوتك أن السياسات التركية محكومة بدرجة كبيرة بأهداف السياسة الخارجية للبلاد.
مستقبلٌ مجهول
تقول صحيفة واشنطن بوست إن تركيا أبقت حدودها مغلقة أمام الفارين من إدلب لعدم قدرتها على استيعاب المزيد منهم، وهي تنادي بإقامة منطقة آمنة لتجنب تقبّل مزيد من اللاجئين. والسوريون محتجزون في ظروف قاسية على الحدود، غير قادرين على طلب اللجوء أو العودة إلى منازلهم. حتى وإن استمر وقف إطلاق النار الأخير، فإن السوريين العالقين عند الحدود لا يزالون يتعرضون للتهديد.
لا يحمي القانون الدولي اللاجئين خارج الحدود السورية، وهكذا فإنهم عرضة لأهواء حكومات الدول المضيفة. وتفشل الجهود الدولية المبذولة لدعم اللاجئين في الدول المجاورة لسوريا، ويجري دفع اللاجئين بعيداً عند الحدود الأوروبية. ومع تأخر التمويل الدولي وتردي الأوضاع الاقتصادية في الدول المجاورة، من المتوقع أن تزداد ظروف اللاجئين سوءاً.
عودة اللاجئين لسوريا
في مارس/آذار 2019، أطلقت الأمم المتحدة إطار عمل محدث لإعادة اللاجئين إلى سوريا، حددت فيه عودة واسعة النطاق ميسرة ومخططة. وتعتمد مثل هذه العودة على ضمان حقوق العائدين وحصولهم على الدعم الدولي، والأمن المحلي، وأيضاً على رغبتهم في ذلك. أعرب نحو 75% من اللاجئين الذين خضعوا لاستبيان مفوضية اللاجئين عن رغبتهم في العودة إلى سوريا في مرحلة ما، لكن الإعلام أشار إلى أن العائدين يُحتجزون أو يجندون في الجيش. ولا يزال الوضع الأمني في المناطق التي استعادها النظام غير مستقر إلى حد كبير.
لن يعود كثير من اللاجئين السوريين طوعاً أبداً إلى بلد يحكمه بشار الأسد. وبعيداً عن التغير السياسي الكبير، تظل إعادة التوطين والإدماج المحلي الخيارين الوحيدين القابلين للتطبيق بالنسبة إليهم. وإن أراد المجتمع الدولي مساعدة اللاجئين على العيش في أمان، فربما عليه الانتباه إلى ما يكمن خلف السياسات الحكومية لكلٍّ من البلدان المضيفة، وهي ليست عوامل اقتصادية فحسب، بل سياسية واجتماعية أيضاً. ومن المرجح أن تفشل الجهود التي تركز على عامل واحد فقط. ومن دون التزام دولي حقيقي بزيادة إعادة التوطين في دول أخرى بنسبة كبيرة، فقد تستمر البلدان جارة سوريا في اتباع توجيه البلدان المتقدمة الراغبة في المخاطرة بسلامة اللاجئين بدلاً من استقبالهم.