وصل الخلاف المغربي الإماراتي إلى مستوى جديد بسحب الرباط لسفيرها من أبوظبي، وسط تساؤلات حول السبب الذي فاقم الأزمة المكتومة بين البلدين.
وجاء القرار المغربي بعد استمرار غياب سفير الإمارات بالمغرب، واستدعاء القائم بالأعمال في السفارة الإماراتية سعيد الكتبي، وإعلامه بتوقيف منصبه في وزارة الخارجية الإماراتية.
وقبل عام، غادر السفير الإماراتي بالرباط علي سالم الكعبي، فجأة، بناء على "طلب سيادي عاجل" من أبوظبي، وسط صمت رسمي من الجانبين.
ورغم عدم إعلان المغرب رسمياً عن قراره بسحب سفيره، فإن تقارير إعلامية أفادت باستدعاء الرباط لسفيرها من العاصمة الإماراتية أبوظبي خلال الأسبوع المنصرم، كما طال الاستدعاء أيضاً قنصلي المغرب بدبي وأبوظبي، بالإضافة إلى تخفيض الحضور الإداري للموظفين في سفارة المغرب بأبوظبي وقنصليته بدبي.
وفي وقت رفضت فيه مصادر من داخل وزارة الخارجية المغربية، تواصل معها "عربي بوست"، نفيَ أو تأكيد ما يروج، قال النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية خالد البوقرعي، عضو لجنة الخارجية والدفاع الوطني بالبرلمان، إن "المعلومة غير متوفرة بخصوص هذا الملف"، لافتاً إلى أنه طالع الخبر من الصحف المغربية مثل بقية الناس.
لا خلاف.. إن الهدف ضخ دماء جديدة
لكن مصدراً دبلوماسياً قال لـ"عربي بوست" إن ما يتم تداوله إعلامياً بخصوص توتر كبير بين المغرب والإمارات، غير دقيق، مؤكداً أن البلدين يعيشان على وقع انتعاش علاقاتهما الثنائية ورغبة في تطويرها والسير بها قدماً، حسب وصفه.
واستدل المتحدث، على الزيارة غير الرسمية التي قام بها ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان، يناير/كانون الثاني 2020 للمغرب، عقب مشاركته في مؤتمر برلين حول الأوضاع في ليبيا، حيث قام الملك محمد السادس بزيارته في مقر إقامته بالرباط.
وأكد المصدر أن البلدين راغبان في إجراء تغييرات شاملة للدبلوماسيين المعتمدين في كل من الرباط وأبوظبي، وتنقيح السفارات من موظفين قد يكونون أضروا بالعلاقات المغربية الإماراتية.
ولكن في المقابل فقد كان لافتاً استثناء وفد مغربي رفيع المستوى بقيادة المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة، الإمارات من جولة خليجية شملت السعودية وقطر، حيث سلم رسائل من العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى كل من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
الأمر الذي يعزز الفرضيات بأن الخلاف بين المغرب والإمارات يزداد سوءاً.
صفقة القرن.. مربط الخلاف المغربي الإماراتي والأمر مرتبط بمحورين عالميين كبيريين
"تصرف غير معلن قامت به الإمارات واجهته المملكة بهذا القرار"، هكذا علق المفكر والسياسي عبدالصمد بلكبير على قرار المغرب بسحب سفيره من الإمارات.
إذ يشير إلى أن هذا يمثل تطوراً لافتاً في الخلاف المغربي الإماراتي الذي بدأ قبل ثلاث سنوات وشهد أحداثاً متصاعدة، وصلت لذروتها بهذا القرار.
بلكبير قال لـ"عربي بوست": "إن توجهات المملكة المغربية والإمارات العربية المتحدة توجدان على طرفي النقيض، لافتاً إلى أن للبلدين سياستين استراتيجيين متناقضتين لها علاقة بصفقة القرن والقضية الفلسطينية".
وأردف قائلاً "المشكلة سياسية وليست شخصية"، وفق تعبيره.
وقال بلكبير، الذي شغل مستشاراً لدى الوزير الأول الأسبق عبدالرحمن اليوسفي، إن المملكة الأردنية هي محور التوتر بين البلدين "المغرب هو الداعم الوحيد للأردن في موقفه الرافض لصفقة القرن، فالمغرب والأردن ملكيتان عربيتان عريقتان، وتنحدران من نفس الأصول (في إشارة للأصول الهاشمية للبيتين الملكيين)، والمغرب يرفض أن يكون الأردن ثمناً يؤدَّى لصالح إسرائيل وتعويضاً لفلسطين".
وأوضح المحلل السياسي المغربي، أن المغرب بدوره تدعمه قوة عالمية رافضة لصفقة القرن، وهي دول الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، موضحاً أن للمغرب موقفاً قوياً علاقة بالقانون الدولي ومواقف الشعوب العربية.
"المغرب قرر ألا ينحاز للطرف الداعم للصفقة رغم الضغوط الممارَسة عليه"، حسبما يقول بلكبير، خالصاً إلى أن "ما يحدث خلال السنوات الأخيرة بين البلدين مظاهر للصراع فقط، لأن الأمر ليس ثنائياً بقدر ما هو عالمي".
حصار قطر بداية الأزمة
كانت بداية الخلاف المغربي والإماراتي، وبصورة أقل المغربي السعودي هو موقف الرباط من الحصار الرباعي الذي فرضته السعودية والإمارات والبحرين ومصر على قطر منتصف عام 2017.
وفي ذلك الوقت قام المغرب بإرسال طائرات محملة بالمواد الغذائية إلى الدوحة، قبل أن يصل العاهل المغربي بنفسه إلى الدوحة بعد شهور قليلة من الحصار.
وفي 27 مارس/آذار الماضي، تحدث وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الأردني أيمن الصفدي، بالعاصمة الرباط، عما فُهم بأنها "أربعة ضوابط لاستمرار التنسيق مع الإمارات والسعودية".
أولها أن السياسة الخارجية مسألة سيادية بالنسبة للمغرب، وثانيها أن التنسيق مع دول الخليج، خاصةً السعودية والإمارات، يجب أن يكون وفق رغبة من الجانبين، وثالثها أن التنسيق بين الطرفين يجب ألا يكون حسب الطلب، ورابعها أن التنسيق يجب أن يشمل جميع القضايا المهمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مثل الأزمة الليبية.
حفتر أو حكومة الوفاق؟
زاد تمويل الإمارات الكبير للجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر من توتر العلاقة بين الجانبين.
فبينما تدعم الإمارات والسعودية حفتر تتمتع حكومة الوفاق المعترف بها من قبل الأمم المتحدة بدعم المغرب الذي يعتبر أن أي فوضى في البلد المغاربي تعني دخول المنطقة الأكثر استقراراً نسبياً في شمال إفريقيا والمنطقة العربية إلى المجهول.
وفق أستاذ العلوم السياسية خالد يايموت، فإن "تحركات الإمارات في دول شمال إفريقيا، ومن بينها ليبيا، أغضبت المغرب، بسبب عمل الإمارات على عرقلة اتفاق "الصخيرات"، وإفساد جميع مجهودات المغرب الدبلوماسية"
إذ لطالما أسهم المغرب في إيجاد حل أممي، من خلال عمله على إدارة الحل الأمني والتقسيم السياسي بليبيا، إلا أن الإمارات أدت دوراً كبيراً في إفشال هذا المخطط المتفق عليه دولياً.
ويفسر المحلل السياسي المغربي لـ"عربي بوست"، كيف أن النخبة العسكرية الموالية لفكر معمر القذافي كانت تدعم أطروحة جبهة البوليساريو الراغبة في انفصال الصحراء، وهي نخبة مؤيدة لحفتر حالياً.
لذا فإن عودة سلطة تسير وفق سياسة القذافي، يمثلها على الأرض حفتر وقواته العسكرية، لن تكون في مصلحة الوحدة الترابية للمغرب.
تأييد الإسلاميين والتخلص من رجال الشرطة المغاربة
في يناير/كانون الثاني 2020، قررت أبوظبي تخفيض عدد المغاربة العاملين في سلك الشرطة الإماراتية واستبدالهم ببنغاليين بحسب موقع "Middle East Monitor" البريطاني.
وقال الموقع إن نائب رئيس الوزراء الإماراتي منصور بن زايد، أمر بتخفيض المغاربة ممن يعملون في قوة الشرطة الإماراتية من 916 إلى 600.
"ميدل إيست مونيتور" يعتقد أن السبب وراء تخفيض عدد الشرطة المغربية في الإمارات هو الموقف المؤيد للإسلاميين من قبل أعلى سلطات البلاد بالمغرب، إذ يقود حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية الحكومات المتعاقبة منذ عام 2011 ، بينما الإمارات تتزعم الحرب ضد الإسلاميين في المنطقة.
أما الأستاذ الجامعي السابق، عبدالصمد بلكبير، فيقول "إن ملك المغرب كان حازماً بخصوص ضرورة تماسك جميع مكونات الشعب المغربي، وفي مقدمتهم الحركة الإسلامية التي تملك الشارع"، على حد قوله..