تسعى الإمارات العربية المتحدة مرة أخرى لممارسة دور إقليمي ربما يكون أكبر مما يتصوره البعض، ويأتي فيروس كورونا الذي يعصف بإيران على رأس تحركات أبوظبي هذا المرة، من خلال خطة طموحة للتعامل مع إيران، فما قصة خارطة الطريق الإماراتية هذه المرة.
موقع المونيتور الأمريكي نشر تقريراً بعنوان: "الإمارات تطرح خريطة طريق إقليمية للتعامل مع إيران"، ألقى الضوء على ما تسعى الإمارات لتحقيقه، مستفيدة من الظروف المستجدة التي فرضها الوباء العالمي.
كانت إيران عالقة في أزمة عميقة بالفعل من قبل موجة تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) التي عصفت بها، إذ انكمش الاقتصاد الإيراني بنحو 10% في 2019، في الغالب نتيجةً للعقوبات الاقتصادية الأمريكية، التي لا يُتوَقع رفعها خلال العام الحالي. إلى جانب ذلك، اندلعت مظاهرات عقب نشر معلومات مضللة، والخداع بشأن حادثة إسقاط طائرة الركاب الأوكرانية في 6 يناير/كانون الثاني، ثم جاء فيروس "كوفيد-19″، وما صاحبه من إشارات أولية مربكة من القيادة الإيرانية؛ وهو ما فاقم أزمة غياب ثقة العامة فيها وعرقلة الاقتصاد.
ثم خلال الأسبوع الجاري، أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنَّ إيران زادت من مخزونها من اليورانيوم المُخصَّب؛ وهو ما يختصر المدة الزمنية التي وضعتها لقدرتها على تطوير سلاح نووي. كل هذا منح إيران المزيد من الأولوية على أجندة إدارة ترامب وأصدقائها في المنطقة، باعتبارها تشكل تحدياً عالمياً وإقليمياً.
ورداً على انتشار الفيروس التاجي في إيران، وبرنامجها النووي السلمي، تقترح دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي خصم قديم لإيران وشريك وثيق للولايات المتحدة، "خريطة طريق لتعزيز الاستقرار في المنطقة"، ويأتي نهج الإمارات مكملاً لسياسات الولايات المتحدة في التعامل مع كل من المخاطر الصحية والأمنية الواردة من إيران، التي تتزايد، على ما يبدو، يوماً بعد يوم.
تفشي "كوفيد-19" في إيران "ليس له سياسة"
أعلنت وزارة الصحة الإيرانية، هذا الأسبوع، عن استراتيجية وطنية لمكافحة فيروس "كوفيد-19″، الذي أصاب 3710 إيرانيين وقتل 124 حتى الآن. لكن إيران لا تملك إمكانات ولا بنى تحتية مماثلة للصين، حيث نشأ الفيروس، لإجراء اختبارات موسعة وفرض حجر صحي على سكان مدن بأكملها. والأسوأ من ذلك أنَّ العديد من حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد في المنطقة بدأت من إيران.

وهذا وضع قيوداً غير عادية على شركاء الولايات المتحدة في منطقة الخليج؛ ما أتاح الفرصة بدوره لفاعلين إقليميين لاستعراض مناهجهم.
وعلَّقت كارين يونغ قائلة: "إنَّ الخوف من انتقال العدوى الذي من المحتمل أن يقتل عدداً قليلاً جداً على نطاق عالمي أصبح الآن يشكل خطراً على الاقتصاد أكبر مما يشكله اندلاع حرب مباشرة بين إيران والولايات المتحدة. هذا هو الدرس المؤسف والمفارقة القاسية الذي نتعلمه من العام الماضي في الخليج. إذ تحولت المواجهة المتوقعة مع إيران التي تقودها الإدارة الأمريكية إلى كارثة، مع ترك دول الخليج العربية معرضة لمزيد من المخاطر، وفي الوقت نفسه خفض ضمانات الحماية الأمريكية. أصبحت إيران الآن مسؤولية على عاتق جيرانها أكثر منها اهتماماً عالمياً".
وفي هذا السياق، هبّت دولة الإمارات للعمل، وأشادت منظمة الصحة العالمية بأبوظبي، معربة عن "خالص امتنانها" لتزويدها بالطائرة المؤجرة التي سمحت لفريق المنظمة والإمدادات الطبية بالسفر إلى إيران من المدينة العالمية للخدمات الإنسانية في دبي، وهي أحد أكبر المراكز الإنسانية في العالم.
وقد يشهد المركز الإنساني خلال الأسابيع والأشهر قادماً مزيداً من النشاط؛ ما يعكس الدور الإقليمي المهم الذي توشك الإمارات على الاضطلاع به، في الوقت الذي تجاهد فيه لمواجهة "كوفيد-19" داخل حدودها بعد انتشار تقارير عن 27 حالة إصابة إلى الآن، من جانبها، ألغت السعودية رحلات العمرة والحج في محاولة لاحتواء الفيروس.
وخلُصَت كارين إلى أنَّ "تأثير الفيروس التاجي في إيران مروع، ويؤكد تقييم السعودية والإمارات بأنَّ وجود نظام إيراني ينهار ومواطنين يائسين وقيادة عسكرية وحشية هي نتيجة غير مرغوبة. لا يوجد مفر من الأزمة الحالية، وهي ليست لديها أي سياسة. يجب أن يكون انتشار هذا الفيروس والاستجابات المؤسسية الوطنية والعالمية درساً لنا. إنَّ سياسة حسن الجوار هي فهم للمخاطر المشتركة، ونضج لا يسمح للغرور بمكان حين يواجه الخصوم محنة".
وأفاد موقع Al-Monitor في وقت سابق من الأسبوع الجاري، بأنَّ إيران يجب أن تقبل عرض الولايات المتحدة بمساعدتها في مواجهة الفيروس، من خلال البرنامج التجاري الإنساني السويسري وتجدد المفاوضات حول تبادل محتمل للسجناء بين البلدين.
أسئلة جديدة حول حظر الأسلحة وتخصيب اليورانيوم
في الوقت الذي يحظى فيه فيروس كورونا المستجد باهتمام الرأي العام، هناك تحركات حول القضية العالمية الأخرى المتعلقة بإيران: برنامجها النووي. وتقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنَّ إيران زادت مخزونها النووي، حتى في الوقت الذي يبحث فيه الدبلوماسيون عن سبل للوصول إلى ترتيبات جديدة مع طهران. وإذا وُضِع اتفاق نووي جديد مع إيران، فلن يكون مثل الصفقة السابقة، خطة العمل الشاملة المشتركة التي تفاوضت عليها إدارة أوباما.

أولاً وقبل كل شيء، هناك حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على إيران، والذي سينتهي في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، بموجب خطة العمل المشتركة الشاملة. وقال براين هوك، المبعوث الأمريكي الخاص لإيران، في تصريح للورا روزن مراسلة موقع Al-Monitor الأسبوع الماضي، إنَّ السماح بحدوث ذلك سيكون "خطأً دبلوماسياً". وقدَّم السيناتور الجمهوري بات تومي، من ولاية بنسلفانيا، مشروع قانون من الحزبين من شأنه إقرار جهود إدارة ترامب لتمديد فترة سريان حظر الأسلحة في الأمم المتحدة. وفي حالة انتهاء الحظر، تستطيع إيران شراء الأسلحة التقليدية من روسيا والصين وغيرها وبيعها أيضاً.
ويحظى مشروع القانون بدعم لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك)، مثلما ذكر مراسل موقع Al-Monitor براينت هاريس، وحتى بعض المؤيدين السابقين لخطة العمل الشاملة المشتركة أصبحوا يدعون لإعادة التفكير في انتهاء سريان الحظر الأممي على الأسلحة.
وقال السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي، من ولاية كونيتيكت، وعضو لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، في تصريح لموقع Al-Monitor: "الحقيقة هي أنَّ الصفقة النووية لم تعد موجودة اليوم. عليك أن تعيش في هذا الواقع. لا أعتقد أنها ستكون سياسة جيدة أن ندع الحظر يختفي ما دمنا لسنا طرفاً في [الصفقة]. لذا، فأنا متعاطف بشكل عام مع فكرة أننا سنحتاج إلى تجديده، وأن نعود إلى وضع يسمح لنا بالتفاوض مع الإيرانيين تحت حكم الإدارة القادمة".
من جانبه، طرح النائب الديمقراطي إدوارد ماركي من ولاية ماساتشوستس مشروع قانون يدعو جميع الأطراف للعودة إلى الامتثال الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة، ويسعى لإعادة التفاوض بشأن الأحكام المُحدَّدة بفترة سريان معينة؛ مثل القيود المفروضة على تخصيب اليورانيوم، التي من المقرر أن تنتهي في عام 2026.
لكن قد يكون تحقيق ذلك صعباً بالنظر إلى تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخير، بحسب لورا روزن مراسلة موقع Al-Monitor. ولفت تقرير آخر منفصل للوكالة الدولية إلى أنَّ إيران تمنع مفتشي الوكالة من الدخول إلى بعض مواقعها النووية.
وتتجاوز إيران النسبة المسموح بها لتخصيب اليورانيوم، بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة منذ انسحاب إدارة ترامب من الاتفاقية في 2018.
قد يثير تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أسئلة حول ما تسميه إيران "حقها في تخصيب" اليورانيوم. وتتمسك إيران بمادة في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، تشير إلى حق الدول في تطوير برامج سلمية للطاقة النووية، لكنها لا تشير إلى التخصيب.
وفي هذا السياق، يقول مارك فيتزباتريك، زميل مساعد في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومتخصص في مجال منع الانتشار النووي: "على الرغم من قلة الإيرانيين الذين لا يفهمون معنى ذلك، أصبح الحق في التخصيب مسألة تتعلق بالسيادة. ولم يتحقق التقدم في مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة إلا بتخلي إدارة أوباما، بدعم من الأطراف الأخرى، عن الموقف السابق بمعارضة التخصيب تماماً".
لكن المبعوث الأمريكي لإيران قال، في تصريح لموقع Al-Monitor، إنَّ هذا التنازل لطهران، الذي قوَّض قرارات سابقة للأمم المتحدة التي طالبت إيران بوقف جميع أنشطة التخصيب، كان خطأً من المتفاوضين على خطة العمل الشاملة المشتركة.
من جانبه، كتب يوسف العتيبة، سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة، في صحيفة The Wall Street Journal هذا الأسبوع، عن كيف يمكن أن يصبح البرنامج النووي لدولته بمثابة "القاعدة الذهبية" لمزيد من المقاربات مع إيران.
وكتب العتيبة: "لا يمكن لإيران أن ترسل إشارة تعبر عن نواياها السلمية أوضح من التوقيع على نفس الالتزامات الطوعية مثل الإمارات"، في إشارة إلى قرار التخلي عن تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجته. "يجب على المجتمع الدولي أن يصرّ على ذلك بوصفه شرطاً مسبقاً لإبرام معاهدة نووية مع إيران، الأمر الذي من شأنه أن يخلق مساراً نووياً فاضلاً. ومن هنا يمكن لإيران بعدها تحديث برنامجها للطاقة النووية وتعزيز ازدهارها الاقتصادي".
قرقاش: خريطة طريق إقليمية هي الخيار القابل للتطبيق
نظراً للحالة الطارئة التي يفرضها انتشار فيروس كورونا المستجد، والأسئلة حول شروط انقضاء أحكام خطة العمل الشاملة المشتركة، هناك انفتاح على ما وصفه وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش بـ"الدبلوماسية الدينامية"، لدعم "تعددية إقليمية قوية، يمكن أن تعزز التسوية السلمية المنازعات".
وقال قرقاش، في 24 فبراير/شباط، إنه بالنظر إلى أنَّ التسوية العسكرية والعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني هما خياران غير صالحين، يوجد مجال "لتسوية سياسية تكون جزءاً من خريطة طريق واضحة لتعزيز استقرار المنطقة، وتكون معيار تحقيق الرخاء. ويظل ذلك الخيار القابل للتطبيق".

ويمثل جهد الإمارات تتمة إقليمية ملائمة لسياسة الولايات المتحدة على جميع الجبهات، إذ تقف واشنطن وأبوظبي نفس الموقف من إيران. وسيستغرق إجراء المفاوضات الجديدة بقيادة الولايات المتحدة حول البرنامج النووي لإيران وسلوكها الإقليمي وبرنامجها الصاروخي، بعض الوقت، هذا إن كانت ستُجرى على الإطلاق. وفي الوقت نفسه، يمكن أن تمثل المناقشات حول الأمن الصحي الإقليمي، والاستخدامات السلمية للطاقة النووية، ومنع الحوادث النووية، مسارات تكميلية أو منفصلة.