نشأت مواجهةٌ جديدة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان تختبر "التحالف الهش" الذي يسمح لروسيا وتركيا بالعمل معاً في الشرق الأوسط. ولكنْ هناك سببٌ رئيسي آخر يجعلنا نعتقد أنَّ الأمور بينهما لن تخرج عن السيطرة بدرجةٍ كبيرة، وهو أنَّ الدولتين بينهما علاقاتٌ اقتصادية راسخة بعمق، كما تقول وكالة Bloomberg الأمريكية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ احتمالية اندلاع اضطرابٍ اقتصادي شديد اختُبِرَت بالفعل في عام 2016 حين فرضت موسكو قيوداً شاملة على التجارة مع تركيا بعد سقوط طائرة حربية روسية في سوريا بصواريخ طائراتٍ مقاتلة تركية. إذ أسفرت الخلافات التي منعت تبادل المنتجات الغذائية بين البلدين إلى فقدان العديد من الوظائف وتفاقم العجز التجاري في تركيا، مع ارتفاع معدل التضخم في روسيا، قبل أن يُسقِط بوتين آخر هذه القيود في عام 2018 في ظل تحسُّن العلاقات بين الجانبين.
تبادُل تجاري ضخم
غير أنَّ المخاطر قد تكون أكبر هذه المرة، لأنَّ التحالف الأخير عمَّق العلاقات الاقتصادية بين البلدين؛ إذ استعادت روسيا المركز الثاني في قائمة أكبر الشركاء الأجانب لتركيا، في ظل وصول حجم التبادل التجاري بينهما إلى حوالي 26 مليار دولار، بينما يسترد قطاع الأعمال عافيته منذ آخر خلاف.
وبينما يجتمع الرئيسان لإجراء محادثات اليوم الخميس 5 مارس/آذار سعياً لتهدئة التوترات الأخيرة، نستعرض خمس نقاط توضِّح الجوانب الاقتصادية المُعرَّضة للخطر إذا تدهورت العلاقات.
1- عودة العلاقات الاقتصادية إلى طبيعتها
صحيحٌ أنَّ تركيا تحتل المرتبة السابعة بين أكبر شركاء روسيا التجاريين، لكنَّ موسكو تبني محطةً نووية بقيمة 20 مليار دولار لجارتها الجنوبية، بالإضافة إلى أنَّها فتحت خط أنابيب ثانياً للغاز تحت البحر الأسود في يناير/كانون الثاني الماضي. وكذلك اشترت تركيا منظومة دفاع جوي بقيمة 2.5 مليار دولار من روسيا في العام الماضي 2019، وقد أعربت عن رغبتها في شراء المزيد.
وفضلاً عن ذلك، يعتمد قطاع السياحة التركي، الذي يعد مصدراً رئيسياً لإيرادات العملات الأجنبية التي تُعد البلاد في أمسِّ الحاجة إليها، على روسيا في جلب حوالي 16% من الزوار الأجانب سنوياً، لذا كان حظر تسيير رحلات جوية من روسيا إلى تركيا في عام 2016 بمثابة ضربة كبيرة. ولذلك، اضطر أردوغان إلى بذل جهود لإعادة التقارب مع بوتين من أجل رفع العقوبات المفروضة على السياحة بعد انخفاض إيرادات قطاع السياحة التركي.
2- استخدام المنتجات الغذائية في الصراع
كان المزارعون الأتراك أكبر الخاسرين في الخلاف التجاري الأخير، إذ فرض بوتين حظراً على استيراد الفاكهة والخضراوات من تركيا لمساعدة الشركات المحلية على الاستثمار في إنتاج الغذاء. وقد بثَّ التلفزيون الحكومي الروسي تجريفاً احتفالياً لمخزون الطماطم التركية في ذروة الأزمة. ثم رُفِع الحظر المفروض على استيراد الفاكهة في مايو/أيار من عام 2018. وقد تعافت مبيعات الفاكهة والخضراوات التركية إلى روسيا نسبياً منذ ذلك الحين، لكنَّها لم تعُد إلى مستوياتها التي كانت عليها قبل عام 2016.
3- القمح والدقيق
تعد تركيا أكبر سوق للقمح الروسي، وقد ارتفعت صادرات القمح الروسي إلى تركيا إلى مستوى قياسي في العامين الماضيين، مما قد يجعل موسكو أكثر عرضة للمخاطر التي قد تنشأ عن نشوب خلافٍ هذه المرة. ففي عام 2016، ردَّ أردوغان على القيود التي فرضها بوتين على استيراد المواد الغذائية التركية بمنع شراء القمح من روسيا، لكنَّ تلك الاستراتيجية كانت محفوفة بالمخاطر بالنسبة لتركيا، التي تُعَد أكبر مُصدِّرة للدقيق في العالم، وواحدة من الدول ذات أكبر معدلات استهلاك الفرد للخبز.
4- مُشترٍ كبير
ومن المجالات الأخرى التي بذلت فيها روسيا استثماراتٍ كبيرة في العلاقات التجارية مع تركيا سوق الغاز؛ إذ افتتحت شركة غازبروم الروسية العملاقة للغاز خط الغاز الطبيعي "ترك ستريم" تحت البحر الأسود في يناير/كانون الثاني الماضي لزيادة حصتها السوقية في تركيا، وتقليل اعتماد روسيا على نقل الغاز عبر أوكرانيا.
5- توقيت سيئ
وأخيراً، فالعجز الكبير في ميزان تركيا التجاري وارتفاع معدل البطالة فيها يجعلانها في موقفٍ أضعف من روسيا إذا واجهتا أزمةً تجارية بينهما. فهناك أكثر من 13% من الأتراك عاطلين عن العمل الآن، مقارنةً بما يزيد قليلاً على 10% قبل الخلاف الأخير. وعلى النقيض من ذلك، أمضى بوتين السنوات القليلة الماضية في بناء بعضٍ من أكبر احتياطيات العملات الأجنبية في العالم، وخفض الإنفاق لجعل روسيا أكثر مرونة تجاه التهديدات الخارجية والعقوبات الغربية والأمريكية.