“أفضّل التعايش مع القصف على العيش في ظل الأسد”.. حكايات أهل إدلب المتشبّثين بها رغم جنون الحرب

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/03/05 الساعة 10:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/03/05 الساعة 10:54 بتوقيت غرينتش

معركة إدلب هي آخر الصراعات الدموية في الحرب السورية على الأرجح. وقد فرّ اللاجئون من المدينة بأعداد كبيرة، لكن هدى خيطي عازمة على البقاء والقتال من أجل وطنها بوسائل سلمية، كما تقول لموقع Deutsche Welle الألماني.

تقول هدى على عجل وهي تقطع حديثنا عن الوضع في إدلب: "سأعاود الاتصال بكم لاحقاً". ثم أغلقت الخط، هكذا كنا نتواصل منذ أيام، في الوقت الذي كانت فيه القنابل التي تلقيها قوات النظام السوري تنهال على إدلب. ووعدتنا هدى، مديرة مركز دعم وتمكين المرأة في إدلب، بأن تتصل بنا من مكان جديد تأمل أن يكون أكثر أماناً.

"أفضل العيش تحت القصف على الأسد"

ويتكرر هذا الموقف عدة مرات في اليوم. وأخيراً، بعد ساعات، يرن الهاتف مرة أخرى وتخبرنا أنها بخير. تقول هدى التي تبلغ من العمر 40 عاماً: "هكذا هي الحياة في إدلب، في المدينة وفي المنطقة بأكملها أيضاً. لقد كان الحال هكذا منذ سنوات، ولا أحد يتمتع بالأمان هنا، ولكن لديّ شبكة جيدة، ولدينا نوع من نظام الإنذار المبكر للغارات الجوية، ويمكننا حرفياً أن نشم رائحة القنابل ويمكننا أن نعرف جيداً أين ستسقط".

تقول هدى إن السكان بمرور السنوات أصبحوا يتمتعون بحاسة سادسة يمكنهم من خلالها التنبؤ بالهجمات بمرور السنوات.

900 ألف لاجئ من إدلب

استقرت هدى في إدلب منذ ربيع عام 2018. وفي ذلك الوقت، أُرسل جميع المعارضين للنظام، سواء كانوا أعضاء في المعارضة المدنية أو المسلحة، إلى محافظة إدلب -التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام الإسلامية- بعيداً عن نظام الأسد.

تقول الناشطة في مجال حقوق المرأة: "لم يكن سبق لي الذهاب إلى إدلب، ولم تكن لديّ أي فكرة عما ينتظرني"، لكنها كانت تعلم أنها لم تكن سوى مسألة وقت قبل أن يحاول الأسد -بدعم من روسيا وإيران- السيطرة على آخر معقل للمعارضة في سوريا. وتركيا، من ناحية أخرى، ألقت بثقلها وراء خصوم الأسد.

ومنذ بدأت القوات السورية والروسية هجومها على إدلب، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، فرّ حوالي 900 ألف شخص من المحافظة، معظمهم من النساء والأطفال. واليوم، لا يزال الناس يهجرون منازلهم وقراهم، إذ تعج الطرق المؤدية إلى الشمال باتجاه تركيا المجاورة بالسيارات المليئة بالأشخاص الذين اضطروا إلى الفرار حفاظاً على سلامتهم، وهي المرة الثالثة أو الرابعة للبعض. ويبدو أن معركة إدلب هي آخر المعارك الدموية في الحرب السورية.

 هدى لا تحيد عن هدفها في معركة تمكين المرأة في إدلب
هدى لا تحيد عن هدفها في معركة تمكين المرأة في إدلب

وقد اكتسبت هدى حدساً حول ما قد تصل إليه بشاعة هذه المعارك في مسقط رأسها في دوما، ثم في الغوطة الشرقية في ضواحي دمشق. وتقول: "أنا من دوما، ونجوت من إحدى هجمات الغازات السامة التي أطلقها النظام. وأعرف ما يعنيه العيش تحت وابل من القنابل والشعور بالهلع، لكن كل قنبلة يلقونها علينا هنا في إدلب لا تزيدني إلا إصراراً، وتؤكد لي أنني كنت محقة عندما قررت البقاء هنا والقتال من أجل سوريا ومن أجل مركز دعم وتمكين المرأة".

قائمة النظام السوداء

نشأت هدى في دوما قبل أن تنتقل إلى دمشق لدراسة الأدب الفرنسي. وهي تقول إن ثورتها الشخصية بدأت عام 2011، عندما أدركت أن نظام الأسد يقيد حقوق المرأة ويرهب شعبها.

وبعد ذلك، أنشأت ثلاثة مراكز نسائية في الغوطة الشرقية، حيث كانت تُعقد ورش للنساء حول عدد من الموضوعات المختلفة، مثل العنف القائم على أساس نوع الجنس، والإسعافات الأولية، واللغة الإنجليزية، وحقوق المرأة.

تقول هدى إن جميع المراكز في الغوطة الشرقية تعرضت للقصف، وأودت إحدى هذه الضربات بحياة إحدى زميلاتها وطفلها. وقُتل شقيق هدى أيضاً، ما تركها هي وعائلتها في حالة انهيار. وتتسلل إلى صوتها نبرة حزينة عندما تتحدث عن أسرتها: "لقد فعلنا الكثير معاً، أكلنا معاً، وساعدنا بعضنا بعضاً، كنا جميعاً قريبين جداً من بعضنا".

تقول إن عائلتها المكونة من والديها وست شقيقات وشقيق واحد تفرقت في أماكن مختلفة من العالم، حيث يعيش بعضهم في تركيا، والبعض الآخر في كندا. وهناك عدد من أقاربها ما زالوا يعيشون في دمشق. 

تضيف: "لا يمكنني العودة إلى دمشق. أنا واثقة من أنني في قائمة النظام السوداء".

وذلك لأنها كانت تؤيد الثورة منذ البداية، فهي ضد الأسد ومع تغيير النظام، لبناء سوريا ديمقراطية. وتقول إن الثورة عمقت فهمها للحقوق المدنية واستقلال المرأة. وقالت: "أؤمن أنه كان من الصواب أن نعترض ونحتج".

وحيدة في إدلب لكنها لم تفقد عزيمتها

كانت هدى وحدها عندما أتت إلى إدلب مع آخرين من الغوطة الشرقية ودوما عام 2018. أما والداها وشقيقها فقد فروا بالفعل إلى تركيا. ويرتعد صوتها كلما تحدثت عنهم، لكن ثقتها تعود إليها مجدداً: "أردت أن أبقى في سوريا، وأن أذهب إلى إدلب، هناك شرائح متنوعة من المجتمع السوري تعيش هنا. ثمة لاجئين من حمص، وحلب، والغوطة الشرقية، هناك أيضاً أشخاص هنا من إدلب نفسها. وقد أمضيت ثلاثة أشهر وأنا أحاول اسكتشاف المجتمع هنا قدر استطاعتي، وما يحتاجه الناس، وسرعان ما نجحت في اكتساب ثقتهم".

وهدى لا تحيد عن هدفها، فبدعم من منظمة الإغاثة Medico International، شيدت مركز دعم وتمكين المرأة في إدلب سريعاً، وعادت مجدداً إلى تقديم دورات حول مجموعة متنوعة من الموضوعات المتعلقة بالمرأة. وتقول إن المسلحين المعارضين في إدلب يتركنها هي ومجموعة النساء المحليات اللاتي يعملن معها على حريتهن.

وعلى الهاتف، قالت هدى إن المركز يقع في قلب المدينة، بالقرب من السوق. وتقول إن موقعه يسهّل على الجميع الوصول إليه وإنها تستقبل في بعض الأحيان ما يصل إلى 25 زائراً يومياً، لكنها تقول إن هذا العدد قد ينخفض إلى ثلاثة، تبعاً لقوة القصف.

في مركز تمكين النساء، تستضيف خيطي أحيانًا 25 زائرًا يوميًا
في مركز تمكين النساء، تستضيف خيطي أحيانًا 25 زائرًا يوميًا

وتزداد الحياة صعوبة على النساء بوجه خاص أثناء الحرب. فالوضع الاقتصادي كارثي، ويعانى العديد منهن من العنف، فيما يعانى البعض الآخر من صدمات نفسية. كما تنعدم البنية التحتية مثل الرعاية الطبية والمدارس بالكامل، ما يجبر العديد من الأمهات على تعليم أطفالهن في المنزل. ويوفر المركز للأمهات دراسة بعض المواد مثل اللغة الإنجليزية.

ومع ذلك، تقول هدى إنهم لا يستطيعون التخطيط للمستقبل. تقول: "علينا أن نتكيف مع الوضع كما يأتي كل يوم، سواء في المنزل أو في المركز. لا يوجد ما يسمى بحياة يومية طبيعية، إذ يمكن أن يبدأ القصف في أي وقت".

تشتاق لوالديها

ترى هدى، رغم وضعها، أن ثورتها مستمرة، إذ تقول إن قتالها للمساعدة في تحسين وضع المرأة لا علاقة له بالمكان أو الزمان: "أنا هنا لأنني أعلم أن هذا هو الصواب. أريد أن أدعم سوريا التي أريد أن أعيش بها".

وهدى تعيش وحدها، فلم يسبق لها الزواج، وليس لديها أبناء. وتقول: "أنا مسؤولة عن حياتي فقط، لكنني أفتقد والديّ كثيراً". وعندما قررت الانتقال إلى إدلب كان عليها أن تقدم وعداً لأبيها. فعندما تفرقا، ناشدها قائلاً: "رجاء لا تفطري قلبي. لا أريدك أن تلقي نفس مصير أخيك". وتقول هدى إنها كثيراً ما تفكر في كلمات والدها.

وتقول: "إذا نجحت قوات الأسد في الاستيلاء على إدلب في نهاية المطاف، فسيتعيّن عليَّ الفرار إلى مخيم للاجئين في الشمال، ومحاولة عبور الحدود التركية. أستطيع التعايش مع القصف، لكن لا يمكنني قبول فكرة أن يصبح الأسد مسؤولاً عن إدلب وسوريا بأكملها".

تحميل المزيد