يبدو أن العراق يتجه بسرعة نحو مزيدٍ من الفوضى وسط إصرار الأحزاب السياسية على خدمة مصالحها وإثبات ولائها إما لإيران أو للولايات المتحدة، دون اعتبار للشعب الثائر منذ أكثر من خمسة أشهر طلباً لحياة أفضل، فماذا يحدث في بلاد الرافدين؟
موقع المونيتور الأمريكي نشر تقريراً بعنوان: "العراق يواجه المزيد من الفوضى بعد فشل رئيس الوزراء المُكلَّف في تشكيل الحكومة"، تناول فيه الأوضاع السياسية في بلاد الرافدين وسيناريوهات تشكيل الحكومة قبل الدخول في مرحلة الفوضى.
لماذا فشل علاوي في تشكيل الحكومة؟
لم يتمكن رئيس الوزراء العراقي المُكلَّف محمد توفيق علاوي من نيل موافقة البرلمان على حكومته في الأول من مارس/آذار، ما أدى إلى فراغ خطير في السلطة في العراق، وقد عيّن الرئيس العراقي برهم صالح، علاوي رئيساً للوزراء قبل شهر، بناءً على توصيات تحالفي سائرون وفتح.
ووفقاً للدستور، كان أمام علاوي 30 يوماً لتشكيل حكومة. وحدد البرلمان موعد انعقاد جلسة لمناقشة حكومة علاوي في الأول من مارس/آذار، لكنه لم يتمكن من بلوغ النصاب القانوني. إذ لم يشارك معظم أعضاء البرلمان في الجلسة اعتراضاً على عدم مناقشة علاوي تشكيل حكومته مع الأحزاب السياسية. وفشلت جلسة برلمانية أخرى انعقدت في 27 فبراير/شباط أيضاً في بلوغ النصاب القانوني.
وبعد ذلك، ظهر علاوي في مقطع فيديو مسجل مسبقاً على التلفاز للإعلان عن استقالته من رئاسة الوزراء، لكن المدة التي كانت متبقية أمامه والتي تبلغ 30 يوماً لتشكيل مجلس الوزراء كانت قد انتهت بالفعل، وكان ليرحل في كل الأحوال.
وقد بلغ عادل عبدالمهدي، رئيس الوزراء المؤقت، أيضاً الموعد النهائي الذي حدده الدستور للبقاء في منصبه في 2 مارس/آذار، ووفقاً للدستور، من المقرر أن يتولى الرئيس صالح الآن منصب رئيس حكومة تصريف الأعمال حتى يُرشح رئيساً جديداً للوزراء. وسيكون أمامه 15 يوماً لترشيح رئيس وزراء جديد، ثم سيتعين على رئيس الوزراء المُختار تشكيل حكومة في الوقت المخصص. وخلال هذا الوقت، سيتولى الرئيس مهام رئيس الحكومة.
وفي بيان صدر في 2 مارس/آذار، دعا صالح القوى النيابية إلى "العمل الجاد للتوصل إلى اتفاق وطني حول اختيار رئيس وزراء بديل يقبل به الشعب".
لماذا عيّن عبدالمهدي أحد نوابه؟
رغم التوجيهات الدستورية السابقة، قال عبدالمهدي في 2 مارس/آذار إنه سيعين أحد نوابه أو أحد الوزراء لرئاسة الحكومة المؤقتة، وسلّم بعض مهامه الأخرى إلى مدير مكتبه، أبوجهاد الهاشمي. إذ لا يريد عبدالمهدي وأنصاره في وحدات الحشد الشعبي تسليم هذا المنصب إلى الرئيس صالح في هذا الوقت الحسّاس، لأنهم يعتبرونه حليفاً للولايات المتحدة.
وتمشياً مع خطوة عبدالمهدي لمنع الرئيس من قيادة حكومة تصريف الأعمال، قال أبوعلي العسكري المتحدث باسم كتائب حزب الله يوم 2 مارس/آذار في تغريدة على تويتر إن عبدالمهدي يجب أن يظل في منصبه وإنه من الأفضل أن يتراجع آية الله علي السيستاني عن رأيه السابق الذي أدى إلى استقالة عبدالمهدي.
وحذر العسكري من تعيين أي مرشح مقرَّب من الولايات المتحدة، زاعماً أن كتائب حزب الله ستعتبر ذلك إعلاناً للحرب عليهم، ويشير ذلك إلى أن وحدات الحشد الشعبي المدعومة من إيران -التي تنتمي إليها كتائب حزب الله- تخشى فقدان نفوذها السياسي، ما يدفعها إلى تهديد أي مرشح لا ينتسب إليها.
مَن الذين رفضوا علاوي؟
اتهم علاوي الأحزاب السياسية بعرقلة جهوده لتشكيل حكومة مستقلة. إلا أن حكومة علاوي كانت مؤلفة من أفراد ضعفاء وغير متمرسين ممن يفتقرون إلى الدعم السياسي، فضلاً عن دعم المحتجين العراقيين. وقد غاب عن علاوي، باعتباره مرشح وسط، أن مهمته الأولى هي الجمع بين كل الأطراف وإشراكهم في تشكيل حكومة قوية لإخراج العراق من هذه الأزمة. ولكنه أهمل الأحزاب السياسية وشكل حكومته منفرداً.
وقد رفض الأكراد والسُّنة حكومة علاوي، لكن بعض الأحزاب الشيعية شعرت بالخوف أيضاً من الطريقة التي شكل بها علاوي حكومته. وإلى جانب أعضاء البرلمان الأكراد وأغلبية الأعضاء السنة، رفضت بعض الكتل الشيعية، لا سيما كتلتي دولة القانون والصادقون، التي تنتمي إلى حركة عصائب أهل الحق، حضور الجلسة البرلمانية في الأول من مارس/آذار للإخلال بالنصاب القانوني اللازم للتصويت على حكومة علاوي.
وقد وضع لقاء أجراه مؤخراً رجل الدين الشيعي المثير للجدل مقتدى الصدر على قناة الشرقية في 24 فبراير/شباط، نهايةً لحكومة علاوي، حيث يُنظر إلى علاوي على أنه مرشح الصدر، أو أداة يمكن للصدر من خلالها السيطرة على السياسة العراقية.
ما دور مقتدى الصدر؟
كان الصدر يتحدث بغطرسة، معتبراً نفسه الأب الروحي للسياسة العراقية. وقال إن الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني لا يباليان إلا بالمصالح الكردية. ودعاهما الصدر إلى إنهاء تحالفهما مع الولايات المتحدة، وأعرب عن دعمه للاحتجاجات في إقليم كردستان العراق على الحكومة المحلية، التي تعتبرها حكومة الإقليم تهديداً للاستقرار.
كما هدد الصدر بإعادة جيش المهدي- الذي روع الطوائف السنية بين عامي 2005 و2006- للعمل إذا عاد أهل السنة إلى استخدام السيارات المفخخة، وهو ما يُفهم أنه اتهام للساسة السُّنة بالعمل مع الإرهاب.
وأعلن الصدر نفسه الزعيم الحقيقي للاحتجاجات، متجاهلاً هتاف العديد من المتظاهرين في المدن الجنوبية بشعارات ضده وضد أتباعه، "أصحاب القبعات الزرقاء"، الذين أخرجوا المتظاهرين بالقوة من مبنى المطعم التركي في بغداد، أحد مراكز الاحتجاجات، وقتلوا عشرات المتظاهرين في النجف، ودفعت تعليقات الصدر الأحزاب المذكورة أعلاه إلى الانصراف عن علاوي.
وبينما كان علاوي ينتظر انعقاد البرلمان في الأول من مارس/آذار، تجمع المتظاهرون من المدن الجنوبية في بغداد للتعبير عن رفضهم لحكومة علاوي والطريقة التي تعاملت بها الأحزاب السياسية مع الأزمة الحالية في العراق.
يُذكر أن صاروخين من طراز كاتيوشا سقطا على المنطقة الخضراء ببغداد في وقت مبكر من الإثنين 2 مارس/آذار، بعد فترة قصيرة من فشل علاوي في تشكيل حكومة. لكن الصاروخين لم ينجحا في إصابة هدفهما، السفارة الأمريكية، ولم يسفر إطلاقهما عن سقوط ضحايا. وأعلنت كتائب وعد الله غير المعروفة كثيراً، وهي إحدى فصائل وحدات الحشد الشعبي التي يشرف عليها رجل الدين الشيعي ميثم العلاق، مسؤوليتها عن الهجوم. ثم أصدرت بياناً تتراجع فيه عن مسؤوليتها.
فيما أصدرت كتائب حزب الله بياناً تحذر فيه جميع الأطراف العاملة مع القوات الأمريكية من استهدافهم قريباً، غير أن فصائل الحشد الشعبي المدعومة من إيران تخشى فقدان السلطة. إذ فشلت في تشكيل حكومة جديدة في هذه الجولة، تماماً كما فشلت في إبقاء عبد المهدي في منصب رئيس الوزراء. والآن، لم تعد السلطة في أيديهم. ومن المقرر أن يشكل الرئيس، بدعم من الأكراد والسنة والشيعة غير المنتمين إلى وحدات الحشد الشعبي، حكومة لا تتمتع وحدات الحشد الشعبي بنفوذ عليها.
وفي ظل هذه الظروف، سيشهد العراق مزيداً من الفوضى ما لم يتمكن الرئيس من الإشراف على تشكيل حكومة قوية تدعمها غالبية القوى السياسية العراقية والمحتجون، الذين لا يمكن تجاهل قوتهم في المشهد السياسي العراقي.