"منذ شهور ونحن نتوقع إعادة فتح معبر مدينة سبتة (مدينة مغربية خاضعة لإدارة إسبانيا)، واستئناف نشاطنا تدريجياً، إلا أن ذلك لم يتم"، هكذا تحدث مهرب بضائع متحسراً على ما آلت إليه أوضاعه المادية والأسرية بعد قرار المغرب منع التهريب من سبتة.
وقررت السلطات المغربية الإغلاق النهائي لمعبر باب سبتة (يفصل الأراضي المغربية والإسبانية) أمام تجار السلع المهربة، حيث تم إبلاغ السلطات الإسبانية بغلق المعبر أمام مَن تطلق عليهم "ممتهني التهريب المعيشي".
(ياسين.ع) مهرب بضائع يبلغ من العمر 45 عاماً، أمضى منها 15 عاماً في ممارسة التهريب المعيشي (سلع مهربة) قال: "لا أجيد أي حرفة أخرى، ولا دخل لي باستثناء عملي بالتهريب من معبر سبتة (أقصى شمال المغرب)".
"هذا هو مورد رزق أطفالي الأربعة، أصغرهم يبلغ 3 سنوات، ساءت أوضاعنا الاقتصادية جداً، وأطالب السلطات بإعادة فتح المعبر من جديد لأنه قرار غير صائب"، حسبما يقول ياسين بانفعال لـ"عربي بوست" .
ومن المعروف أن مدينتي سبتة ومليلية اللتين تقعان بأقصى شمالي المملكة المغربية، تخضعان لسلطة المملكة الإسبانية منذ مئات الأعوام، تعتبرهما الرباط محتلتين، وتحيط بهما أسلاك شائكة تمتد على طول 6 كيلومترات.
تجارة غير قانونية.. ولكن
طلب ياسين إلى جانب الآلاف ممن يمتهنون تهريب سلع أوروبية من داخل مدينة سبتة نحو المدن المغربية المجاورة، يأتي في وقت تُواصل فيه السلطات المغربية إغلاق المعبر في وجه عمليات التهريب.
المدير العام للجمارك المغربية، نبيل لخضر، كشف أن التهريب لن يكون ممكناً، باعتباره "تجارة غير قانونية".
وقال المسؤول الجمركي المغربي إن المغرب ينوي تحويل المعابر الفاصلة بين المغرب ومدينتي سبتة ومليلية الواقعتين تحت سلطة إسبانيا إلى ممرات شبيهة بالمطارات، موضحاً "حملة المغرب ضد التهريب بدأت في سبتة، لكن الخطوة التالية ستكون مليلية".
وكان المغرب قرر منذ يوليو/تموز المنصرم إغلاق الجمارك البرية مع مليلية ومنع الاستيراد والتصدير عبر المعبر البري.
موقف غريب للمسؤولين الإسبان.. غاضبون من منع التهريب
مسؤولون إسبان أعربوا عن غضبهم من الإجراءات المغربية، التي تسببت في خسائر سيتكبدها الاقتصاد المحلي في المدينتين الخاضعتين للسيطرة الإسبانية.
إذ قال خوان فيفاس، رئيس حكومة سبتة، إن ما تعيشه المدينة الخاضعة للحكم الإسباني "خطير جداً"، وهو ما يقتضي "تدخل الحكومة المركزية لمدريد من أجل تدارك الأمر".
خوان خوسي إمبرودا، رئيس الحكومة المحلية لمدينة مليلية، قال إنه "في حالة استمرار قرار إغلاق الجمارك البرية المفتوحة منذ 50 سنة بطلب مغربي، ستتكبد المدينة خسائر بالملايين".
واعتبر المسؤول الإسباني في تصريحات نقلتها وسائل الإعلام الإسبانية أن "المدينة لا يمكن أن تصمد أمام الوضع الذي تعيشه المنطقة على المستوى الحدودي".
تقارير إسبانية سبق وأن تحدثت عن أن قيمة المعاملات التجارية للتهريب المعيشي تبلغ بمدينة مليلية وحدها أكثر من ملياري يورو (2.2 مليار دولار).
وأعلنت حكومة سبتة أنها تعتبر معبر سبتة حدوداً أوروبية تخضع لاتفاقية "شينغن" للاتحاد الأوروبي، وبالتالي يجب منع كل من لا يمتلك تأشيرة المرور من خلال المعبر من الأراضي المغربية نحو سبتة.
التجار المغاربة يختنقون
أزمة خانقة تعيشها المدن المجاورة لمدينة سبتة كالفنيدق والمضيق وتطوان، إذ إن أغلب التجار كانوا يحصلون على بضائعهم من المهربين، فيما تتولى النساء والأطفال القصّر مهمة نقل البضائع على ظهورهم إلى خارج المعبر، مقابل مبلغ مالي زهيد، في مشاهد مهينة.
وكان تقرير مهمة استطلاعية برلمانية مغربية للوقوف على أوضاع النساء الممتهنات للتهريب المعيشي بباب سبتة، قد أماط اللثام عن معاناة النساء الممتهنات بالتهريب، حيث سجل تعرضهن لسوء المعاملة والتحرش والسرقة والأمراض وتعاطي المخدرات.
عبدالعالي، تاجر مواد غذائية بمدينة الفنيدق المحاذية لسبتة، أكد لـ "عربي بوست" أن "انتكاسة اقتصادية أصابت المدينة الصغيرة التي كان يتوجه إليها المغاربة لاقتناء المواد الغذائية المستوردة والملابس بأثمان منخفضة".
وأبرز المتحدث متحسراً أن أعداد الوافدين قلت بشكل كبير، فيما استعاض بمواد غذائية من إنتاج مغربي عوض تلك التي كان يشتريها من المهربين، "مشيراً إلى أن ثمن المنتجات زاد، وبات الإقبال أقل بكثير".
عبدالعالي أكد أنه يقاوم الركود التجاري، مشيراً إلى محلات تجارية مقفلة جوار بقالته، قائلاً "السوق شبه فارغ، هناك تجار صغار غادروا المدينة، لم يعد لديهم مورد لسداد إيجارات محلاتهم ومنازلهم بسبب إغلاق المعبر منذ شهور، اصطحبوا عائلاتهم ورحلوا".
قرار لا بد منه.. النساء يتعرضن للإهانة والتحرش
العمراني بوخبزة، عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية بمدينة تطوان، المتاخمة لمدينة سبتة المحتلة، أكد أنه كان من اللازم اتخاذ هذا القرار من قبل السلطات المغربية.
ولفت عضو لجنة النموذج التنموي لـ"عربي بوست"، إلى أن أسباباً كثيرة دفعت المغرب إلى اتخاذ القرار، على رأسها الممارسات المهينة لكرامة المغربيات اللواتي يتعرضن للإهانة عند معبر سبتة، زيادة على التعسف المُمارَس تجاه المواطنين من ممارسي التهريب المعيشي.
"معبر سبتة وتهريب البضائع عبره كان سبباً أيضاً في التأثير سلباً على الاقتصاد المغربي، ما كبده خسائر كبيرة، ذلك أن 70% من البضائع المستوردة من سبتة تدخل للأسواق المغربية، وتوزع على المحلات دون أن تستفيد منها الدولة شيئاً"، وفق المحلل السياسي.
وأوضح لـ"عربي بوست"، أن السلع المهربة غير مراقبة صحياً، وتتعرض لتزوير تواريخ الصلاحية، ولا تلائم معايير السلطات الصحية بالمغرب، ما يعرّض مقتنيها للخطر، خالصاً إلى أن كل ما يقع عند المعبر المغلق يجعل المنافسة غير متكافئة، ويهدد الاستثمار بالبلاد.
لم يُخفِ العمراني بوخبزة الانعكاسات السلبية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي على ممتهني التهريب المعيشي عبر المعبر، إلا أن القرار، وفق وجهة نظره، سيعيد التوازن ويصحح الوضعية.
هل من بديل؟
آلاف الأسر التي كانت تَعُول أطفالها من التهريب المعيشي باتت عرضة لأوضاع مزرية في غضون شهور قليلة، فيما تتعالى مطالب بضرورة إيجاد بدائل من أجل شباب وكُهول لا يجيدون أي عمل آخر سوى التهريب.
لطفي الجفوفي، شاب من مدينة تطوان، مدون وناشط على مواقع التواصل الاجتماعي قال لـ"عربي بوست" إن الكثير ممن كانوا يشتغلون بالتهريب المعيشي أميون، خاصة كبار السن منهم، أما الشباب فلا شهادات جامعية ولا خبرات.
ويرى الناشط أن قرار السلطات المغربية كان متسرعاً، في غياب إحصائيات دقيقة للمشتغلين في التهريب ممن يعولون أسرهم، وهو ما أدى إلى حالات طلاق وأوضاع اجتماعية مزرية، بسبب البطالة وعدم تمكن الأزواج من أداء واجبات الكراء واقتناء حاجيات البيت والأطفال.
من جانبه، قال الوزير الأسبق عبدالسلام بركة، إن الحكومة المغربية مطالبة بالإعلان عن "برنامج طارئ لصالح سكان المنطقة ذوي الدخل المحدود أو المنعدم، الموجودين في المدن المجاورة لمدينتي سبتة ومليلية".
ودعا العمدة السابق لمدينة تطوان إلى الشروع في إحصاء المتضررين المباشرين من الوضع الحالي، قائلاً: "ليس من المناسب غضّ المسؤولين الحكوميين والسياسيين الطرف عن مسألة حيوية وحساسة كهذه".
السلطات المغربية شرعت قبل أيام في الإجراءات الأولى لمشروع تهيئة منطقة اقتصادية بمدينة الفنيدق، حيث أعلنت وكالة "إنعاش وتنمية أقاليم الشمال" عن طلب عروض مفتوحة، وينتظر أن يتم فتح المظاريف في أبريل/نيسان المقبل.