أصبحت القوة الجوية الصينية أمراً يستحق المتابعة هذه الأيام. فخلال نحو ثلاثين عاماً، استحال رصيد بكين من القوة الجوية من متواضعٍ في أفضل الأحوال، ليصبح الآن ذا إمكانات هائلة، فمن ساعد الصين على امتلاك هذه القوة الجوية الضاربة؟.
وأصبح لدى الصين قوة جوية متنوعة تشمل إضافة إلى المقاتلات الصينية قوات صاروخية الضخمة إذا عملت على النحو المتوقع، فإنها يفترض مؤهلة لتدمّر مدارج العدو، ، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
وبدأ الصينيون يتخلون تدريجياً عن تحفظهم ويتباهون بقواتهم الجوية، ففي مقال في العدد رقم 20 من مجلة Modern Ships والصادر عام 2017، قال عنوان المقال في تبجحٍ إن "المقاتلة الصينية من طراز جيان 6 قادرة على توجيه ضربات يصل عمقها إلى جزيرة ألاسكا الأمريكية. فالصين التي كان لديها إلى وقت قريب قوة جوية متأخرة، أصبحت تتباهى بهذه القوة التي ساعدتها روسيا بالأساس في بنائها.
نشأة القوة الجوية الصينية الصين.. تقليد لروسيا منذ الخمسينيات
أحدث التعاون العسكري الروسي الصيني تغييرات جذرية بالفعل في التوازن العسكري المتعلق بمنطقة آسيا والمحيط الهادئ ولأكثر من مرة.
فقد باعت موسكو إلى بكين أربع غواصات متطورة تطوراً كبيراً واثنتي عشرة غواصة تعمل بالديزل ذات إمكانات هائلة ومزودة بتسليح كامل خلال التسعينيات.
وقد سّهل من عمليات بيع الأسلحة تلك العلاقةُ التي كانت قائمة بين البلدين في خمسينيات القرن الماضي، وهي الفترة ذاتها التي شهدت نقل مئات من السفن (والتصاميم) من روسيا إلى الصين. ويرجع إلى العلاقة ذاتها التحول الذي حدث في القوة الجوية الصينية، وربما فيما هو أكثر من مجرد تحول، بل إن هذه العلاقات بين موسكو وبكين أحدثت طفرة في القوة الجوية الصينية.
بدأ الأمر منذ تحول الصين إلى الشيوعية، وانضمت للمحور السوفيتي، حيث ساعدتها موسكو في استنساخ العديد من الطائرات السوفيتية الشهيرة.
ومن أبرز الطائرات التي استنسختها الصين من النماذج السوفيتية قاذفات القنابل "شيان إتش 6" الصينية الأساسية في القوة الجوية الصينية الآن (إلى جانب النماذج التي تم تطويرها حديثاً "شيان إتش 6- كيه" و"شيان إتش 6- إن") مشتقة من قاذفات "توبوليف تو 16" التي امتلكها سلاح الجو السوفيتي في الخمسينيات.
وأي شخص لديه أي شك في حجم الدور الذي كان للطائرات السوفيتية في تطوير القوة الجوية الصينية الحديثة، ليس عليه إلا أن يزور متحف بكين العسكري الذي جرى تجديده بالكامل مؤخراً [中国人民革命军事博物馆].
وكان أبرز مظاهر هذا التعاون تقليد الصين للطائرة السوفيتية الشهيرة ميغ 21 والتي عرفت نسختها الصينية بـ "جيه 7" (J 7) وهي نسخة نقل السوفيت تصميمها للصين مبدئياً في الستينيات، ثم زاد الخلاف بين البلدين فأكملت بكين عملية استنساخ وإنتاج الطائرة بدون مساعدة موسكو.
وأدى هذا الخلاف إضافة إلى الثورة الثقافية خلال الستينيات وعزلة الصين عن الشرق والغرب معاً إلى تأخر البرامج العسكرية الصينية، ولاسيما تلك المتعلقة بالطائرات.
ومن الجدير بالذكر أن تلك القائمة لا تضم القاذفات الثقيلة.
انهيار الاتحاد السوفيتي كان نعمة كبيرة بالنسبة لبكين
ولكن انهيار الاتحاد السوفيتي كان نعمة كبيرة بالنسبة للصين، انتهى الخلاف الإيديولوجي القديم بين الجارين الشيوعين، وبقي قلقهما من الغرب، والأهم أصبحت موسكو في حاجة للمال.
باعت روسيا أكثر من خمسمائة طائرة إلى الصين منذ عام 1990، وقد شمل ذلك طائرات النقل العسكرية الكبيرة، وطائرات الإنذار المبكر، وطائرات إعادة التزود بالوقود، والطائرات الهجومية، والمقاتلات الجوية.
وعلى الرغم من أن الصين أخذت تتحول في فخرٍ إلى الاعتماد على مقاتلاتها المصممة محلياً، "جيان 20" الشبحية، فإن الأمر يستحق مراجعة مختصرة للتراث الهائل من الدعم الذي قدمته تكنولوجيا الطيران الروسية للصين على امتداد تاريخها.
وفقاً لإحدى افتتاحيات مجلة Modern Ships [现代舰船] الصينية في العدد رقم 16 الصادر عام 2018 والتي تتناول هذا الموضوع، وصلت أول مقاتلتين روسيتين حديثتين، من طراز "سوخوي 27 يو بي ك"، إلى الصين في 30 مايو/أيار 1992، لتصبح هذه الطائرة "الفاتحةَ لعصر المقاتلات ذات الأوزان الثقيلة في القوات الجوية الصينية"، كان ذلك بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث كانت روسيا في حاجة ماسة للمال الصيني.
فاقت قدرات هذه الطائرات إلى حد بعيد ترسانة القوات الجوية لجيش التحرير الشعبي الصيني (PLAAF) من مقاتلات "جيان 6″ و"جيان 7" خفيفة الوزن.
وقد صح هذا بالخصوص فيما يتعلق بنطاق تلك المقاتلات وتسليحها. ثم أخذت الطائرات المقاتلة المستوردة من روسيا خلال العقدين التاليين، وعلى رأسها "سوخوي 27" و"سوخوي 30″، "تعمل مباشرة على بناء وصقل المنظومة القتالية للقوات الجوية الصينية.
وقد دُشّنت حقبة مقاتلات "الفلانكر" [لقب تعريف الناتو للسوخوي 27 ومشتقاتها] في الطيران العسكري الصيني مع تسليم الدفعة الثانية المكونة من 24 مقاتلة من طراز "سوخوي 27 إس" في ديسمبر/كانون الأول 1996، وفقاً لهذه الدراسة الصينية.
ولكن الصينيين قرروا أن ينتجوا نسختهم الخاصة من السوخوي 27
في هذا الوقت، تعهد مهندسو القوات الجوية الصينية بإنتاج نسختهم الخاصة من مقاتلات "فلانكر"، أي "جيان 11″، بموجب اتفاقية ترخيص بالإنتاج عقدتها الصين مع موسكو.
ومع ذلك فإن النسخة المحلية الصينية من مقاتلات "سوخوي 27" كان لها أن تستورد بعد ذلك الرادار والمحرك والأسلحة من روسيا أيضاً. غير أنه وبعد إنتاج نحو مائة طائرة على هذا النحو، اشتكى الصينيون من أن "ذلك الرادار القديم ومعدات الطيران التي بلي عليها الزمن… بالتأكيد لا يمكنها تلبية الاحتياجات المستقبلية للقوات الجوية الصينية.
ويعترف المؤلف بأن بعض التوتر قد نشأ على إثر تلك الانتقادات في ظل رغبة المتعهدين الروس في الإبقاء على سيطرتهم على برنامج تطوير المقاتلات في الصين.
الصين تطور الطائرة ولكن مازالت غير راضية عنها
ومع ذلك، مضت الصين قدماً في تصميمها لمقاتلات الفانكر المطوّرة المسماة، "جيان 11 بي"، والتي دخلت سلسلة الإنتاج في عام 2007.
وفي حين يُزعم هنا أن هذه المقاتلة كانت، في بعض النواحي، متفوقة على النماذج الروسية في ذلك الوقت، فإن الكاتب الصيني يعترف بصراحة أن مقاتلات "جيان 11 بي" كانت مع ذلك تعاني عديداً من "العيوب التقنية"، وليس أقلها تلك المشاكل المتعلقة بمحركات "تايهانغ" صينية الصنع.
في الواقع، يبدو شراء الصين للمقاتلات الروسية "سوخوي 30 إم كيه 2" ذات المقعدين، التي دخلت الخدمة في القوات الجوية الصينية في عام 2004، بمثابة دليل يبرز استمرار الاهتمام الصيني بالمقاتلة الروسية واعتماده عليها.
من ناحية أخرى، سيمضي عقد آخر قبل أن تدخل الصين في عملية شراء كبيرة أخرى لمقاتلات روسية.
فبحلول نهاية عام 2014، وقعت الصين عقداً لشراء 24 مقاتلة من طراز "سوخوي 35 إس" بقيمة 2.5 مليار دولار أمريكي.
وفقاً للدراسة الصينية التي نحن بصددها، كان تقييم الصين أن مقاتلاتها من طراز "شنيانغ جيه 11" و "شنيانغ جيه 10" (وهي طائرة أصغر أقرب للطائرة إف 16 الأمريكية) كانت ببساطة غير كافية، وتوصلت كل من القوات البحرية والقوات الجوية الصينية إلى استنتاج بأن وتيرة التحول العسكري بطيئة للغاية.
وأعجب الاستراتيجيون الصينيون على نحو خاص بالنطاق القتالي الذي تتمتع به المقاتلات الروسية، وهو ما دعم بشدة وجود المقاتلات الروسية التي يطلق عليها "ذات الأرجل الطويلة" في الترسانة العسكرية الصينية. وبالتالي، نظرت الصين إلى الإضافات في المقاتلات الروسية على أنها "تكميل لمنظومة كانت متميزة بالفعل.
الصين تشتري الطائرة سوخوي 35
في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2016، وصلت الدفعة الأولى من المقاتلات الجوية طراز "سوخوي 35 إس" إلى الصين (نسخة أكثر تطوراً من سوخوي 27 وسوخوي 30).
وتشير الدراسة الصينية إلى أن هذه المقاتلات حلقت في دوريات فوق البحر الصين الجنوبي لأول مرة في فبراير/شباط 2018.
بعدها ببضعة أشهر، وبالتحديد في 11 مايو/أيار، انضمت إلى مقاتلات صينية أخرى في "مناورات مزدوجة الاتجاه لتطويق جزيرة تايوان التي تتمتع بالحكم الذاتي. وتظهر مثل هذه المهام الموسعة رفيعة المستوى بلا شك الدرجة العالية من الثقة التي وضعتها القوات الجوية الصينية في تلك المقاتلات الجديدة الواردة من روسيا.
ومع ذلك، يبدو أن الجولة الأخيرة من شراء مقاتلات روسية قد أثارت حماس بعض الخبراء الاستراتيجيين الصينيين. فالصين الآن لم يعد لديها فحسب مقاتلات شبحية من الجيل الخامس، "جيان 20″، بل باتت تمتلك أيضاً مقاتلات " J 11D" الجديدة نسبياً، ناهيك عن مقاتلات "j 16" ذات الإمكانات المبشرة الكبيرة (نسخة أكثر تطوراً من J 11).
ومع ذلك، فقد ظهر تقييم مشكك في دورية Ordnance Science and Technology العسكرية الصينية، العدد رقم 19 في عام 2018.
فقد أعرب كاتب المقال عن حزنه لاستمرار الصين في "تناول بقايا الطعام العائد إلى الحقبة السوفيتية، واعتبر صفقة الشراء الأخيرة شكلاً مبتذلاً من "إعلان الصداقة من خلال الترويج للأسلحة الروسية".
ومع ذلك، فإن المقال يُقرّ بأن المستوى الإلكتروني قد تحسن كثيراً، في حين أشاد التقييم الآخر بالتعديلات التي أدخلت على الهيكل المعدني لمقاتلات السوخوي 35، والتي تتيح قدرة أكبر على المناورة، فضلاً عن الموثوقية العالية التي تجعلها أقرب إلى المعايير الغربية.
مما لا شك فيه أن الصين وروسيا تقفان الآن عند نقطة انعطاف مثيرة للاهتمام فيما يتعلق بالعلاقات العسكرية الصناعية المشتركة بينهما. إذ لعقودٍ من الزمان، ذهب تدفق الخبرة والمعدات عامةً في اتجاه واحد.
فهل ثمة ترتيب أكثر توازناً يمكن التأسيس له الآن؟ هل تستطيع هاتان القوتان اللتان تتلاقيان في آسيا الوسطى أن تنحيّا الكبرياء الوطني جانباً وتشرعا في اكتشاف كفاءات جديدة كبيرة من خلال دعم التعاون بينهما على نطاق واسع، والتكامل المعزز لكليهما، والتخصص الذي يأخذ في اعتباره كل من نقاط القوة والضعف في القوى العظمى المزدوجة؟ هذا أمر صعب، بالتأكيد، وقد يتجاوز ما ترغب قيادة أي من الدولتين في التفكير فيه فيما يتعلق بالتحالف الظاهري القائم بينهما حالياً.
ومع ذلك، لا يمكن لأحد أن يشك حقاً في الطفرة الضخمة للقوات الجوية الصينية، والتي أتاحتها الإضافات الهائلة التي قدمتها المقاتلات الروسية خلال العقود الثلاثة الماضية، علاوة على ما قدمته في الخمسينيات. ودعونا لا ننسى أن صفقات الخمسينيات مثلت أول تدشين أو بالأحرى أول تدشين ناجح للقوة والمعرفة الجوية العسكرية في الصين.
أما الآن، ففي المستقبل القريب قد تكون القوات الجوية الصينية على مشارف الكشف عن اثنتين من قاذفاتها الجديدة، كما أن الصين لديها برنامجان للطائرات الشبحية، صحيح أنهما في مراحل أكثر تأخراً من روسيا، ويعتقد أن إمكانات الطائرتين أقل من نظيرتيهما الروسيتين، ولكن هذه النتيجة تؤكد أن بكين قلصت الفجوة بينها وبين روسيا، وقد تصبح الطائرات الصينية مع استمرار تقدمها ومع ميزتها السعرية المحتلة منافساً للروسية في الأسواق الدولية.