تُكثِّف السعودية دعمها لدجيش الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر، ودورها كمهندسة صفقاتٍ سياسية محتملة في أيِّ تسوية سياسية في ليبيا. إذ تشعر المملكة ودولة الإمارات العربية المتحدة بالقلق إزاء تدخُّل تركيا في ليبيا، والتي تدعم حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من الأمم المتحدة، يقول موقع Al-Monitor الأمريكي.
تدخل واضح ودون مواربة
وبدا التدخُّل السعودي المتزايد في ليبيا واضحاً على الصعيدين الدبلوماسي والعسكري. ففي 13 يناير/كانون الثاني الماضي، سافر وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم إلى الرياض لمناقشة عملية السلام في ليبيا، فيما التقى السفير الليبي لدى الأمم المتحدة طاهر السني بالممثل الدائم للسعودية لدى الأمم المتحدة عبدالله المعلمي يوم 18 يناير/كانون الثاني، لمناقشة عملية تسوية النزاع. وفي 24 يناير/كانون الثاني، ذكرت صحيفة Le Monde الفرنسية أنَّ المملكة العربية السعودية قدمت مساعدة مالية لمرتزقة "فاغنر" الروسية التي تنشر مُقاتلين مرتزقة لدعم قوات حفتر.
ولم تتطرَّق وزارة الخارجية السعودية مباشرةً إلى مزاعم الصحيفة الفرنسية، لكنَّ تصريحاتها الرسمية أكَّدت أن تدخُّل المملكة العربية السعودية في ليبيا يركز على "تحقيق حل سياسي". إذ يؤكِّد المسؤولون السعوديون أنَّ الرياض "تقف على مسافة متساوية من جميع الأطراف الليبية". وكذلك أشار وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير إلى أنَّ الرياض على اتصالٍ مع حفتر، ورئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني فايز السراج بشأن أهمية التوصُّل إلى تسويةٍ سلمية في ليبيا، حسب تعبيره.
دعم أوسع لحفتر
تجدر الإشارة هنا إلى أنَّ تدخُّل المملكة العربية السعودية المتزايد في ليبيا يُمثِّل انحرافاً واضحاً عن دعمها المتحفظ السابق لحفتر ونهجها غير المباشر في العملية الدبلوماسية. ومنذ بدء هجوم حفتر على طرابلس، تُقدِّم الإمارات معداتٍ عسكرية لجيش حفتر وتشارك بانتظام في المفاوضات الدبلوماسية معه. وصحيحٌ أنَّ المملكة العربية السعودية تضطلع بدورٍ أقل وضوحاً في ليبيا من دور الإمارات، ولكن يقال أنَّها تعهَّدت بتقديم مساعداتٍ مالية بعشرات الملايين من الدولارات لجيش حفتر قُبيل هجوم حفتر مباشرة.
ويمكن تفسير تدخُّل السعودية المتزايد في ليبيا برغبتها في مواجهة التدخل التركي الذي يدعم حكومة الوفاق الوطني وإنشاء موطئ قدم دبلوماسي طويل الأجل هناك. إذ تعتبر المملكة العربية السعودية مساعدة أنقرة العسكرية لحكومة الوفاق الوطني، التي تتزامن مع عمليات تنقيبٍ تركية مشتركة عن الغاز في شرق البحر المتوسط، تهديداً لها ولنفوذها في المنطقة. ولكي تُظهِر السعودية تضامنها مع مصر، التي تعد أحد أكبر حلفائها في العالم العربي، وتُبرِز معارضتها للسلوك التركي، عمَّقت تحالفها مع حفتر.
ولشرح أبعاد تعمُّق العلاقة السعودية بحفتر، قال سلمان الأنصاري -مؤسِّس لجنة العلاقات العامة السعودية الأمريكية- لموقع Al-Monitor الأمريكي إنَّ المملكة العربية السعودية "مهتمة للغاية بالتدخل التركي في شؤون الدول العربية بالتأكيد"، مضيفاً أنَّ جيش حفتر يسيطر على "أكثر من 90% من الأراضي الليبية ويحظى بدعم بعض أعضاء البرلمان المنتخب ديمقراطياً" حسب تعبيره.
فيما قال حمدان الشهري، المحلل الجيوسياسي الذي يقيم في الرياض، للموقع الأمريكي إنَّ المملكة العربية السعودية تعتبر قرار حفتر طلب المساعدة من بعض الدول العربية مثل السعودية ومصر والإمارات تناقضاً إيجابياً مع طلب السراج دعماً من تركيا، التي تعد دولةً غير عربية. وأضاف الشهري أنَّ المملكة العربية السعودية تريد الوقوف إلى جانب دولةٍ عربية شقيقة، وأن موقف الرياض بشأن ليبيا يشبه معارضتها السابقة لتدخُّل إيران في اليمن وسوريا، كما قال.
هجوم على تركيا وحكومة الوفاق
لم تكتفِ المملكة العربية السعودية بتأكيد أنَّها قدمت دعماً مالياً للجيش الوطني الليبي ومنظمة فاغنر، بل دَعَم بعض الدبلوماسيين السعوديين ووسائل الإعلام السعودية موقف حفتر بسعيهم الحثيث إلى نزع الشرعية عن التدخل العسكري التركي في ليبيا. ففي 4 يناير/كانون الثاني الماضي، أكَّدت وزارة الخارجية السعودية أنَّ سلوك تركيا في ليبيا "ينتهك المبادئ الدولية المتعلقة بالسيادة"، وفي 9 يناير/كانون الثاني، زعمت رابطة العالم الإسلامي أنَّ أنقرة تتعلَّل بدعمها لحكومة الوفاق الوطني من أجل احتلال أراضي ليبيا. وفي إشارةٍ ضمنية إلى تركيا، قال المعلمي أمام مجلس الأمن الدولي في 23 يناير/كانون الثاني إنَّ "التدخُّل الأجنبي في القضية الليبية أدى إلى نقل مقاتلين متطرفين إلى ليبيا"، وحثَّ الأمم المتحدة على دعم الحفاظ على وحدة الأراضي الليبية.
في السياق نفسه، عزَّزت التغطية الإعلامية السعودية للتدخُّل العسكري التركي في ليبيا هذه السرديات، وشدَّدت على الآثار التي أسفر عنها النهج التركي. إذ ربط أحد التقارير التي نشرتها صحيفة الشرق الأوسط السعودية في 4 فبراير/شباط الجاري بين انخفاض العائدات في الموانئ التجارية الواقعة في غرب ليبيا وزعم تهريب تركيا للأسلحة إلى داخل البلاد. بينما شبَّهت بعض وسائل الإعلام السعودية سلوك تركيا في ليبيا بتصرفات إيران في سوريا. وقال محمد السلمي، مدير المعهد الدولي للدراسات الإيرانية الذي يقع في الرياض، مؤخراً "إنَّ نشر تركيا مقاتلين جدداً في ليبيا يُشبه استعانة إيران بجنودٍ مُشاة شيعة متطرفين في سوريا". واتفق معه سلمان الدوسري، رئيس التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط، في هذا الرأي قائلاً إنَّ تركيا "تستنسخ الميليشيات الإيرانية"، وحذر من أنَّ الميليشيات المدعومة من تركيا، شأنها شأن الوكلاء الإيرانيين، ستأكل بعضها إن لم يعد لديها شيءٌ تأكله"، حسب وصفه.
دعم السلفيين والمتطرفين الموالين لحفتر
على الجانب الآخر، أثار بعض المحللين الأتراك والليبيين مخاوف بشأن الجهود السعودية الرامية إلى خلق مجال نفوذ في ليبيا. وينبع هذا الخوف من تحالف المملكة العربية السعودية مع حركة المدخلي السلفية التي شكَّلت ميليشياتٍ تؤيِّد حفتر وتتشبَّث بتفسيرٍ متزمت للإسلام. إذ ذكر تانكون أوزطاش، المحلل الأمني في مركز TRT World Research Center، أنَّ المملكة العربية السعودية تحاول إنشاء تحالف بين أنصار الحركة المدخلية والسلفيين في مصراتة، مما سيجعل المملكة العربية السعودية من أصحاب المصالح الجيوسياسية الرئيسيين في ليبيا.
ومع أنَّ الإمارات ما زالت حليفة حفتر الرئيسية في العالم العربي، فإنَّ أهمية المملكة العربية السعودية بصفتها راعيةً لجيش حفتر ومُعارضةً للتدخُّل التركي في ليبيا ازدادت في الأسابيع الأخيرة. وإذا واصلت تركيا تدخلها العسكري في ليبيا، فمن المحتمل أن تُكثِّف السعودية دعمها لقوات حفتر وتضغط على شركائها الغربيين لكبح جماح أنقرة. وما زالت فعالية استراتيجية الاحتواء السعودية المُناهضة للتدخُّل التركي غير واضحة.