الصبي الذي حمل مسدس القذافي الذهبي يريد التخلص منه بعدما رفض الرصاص مغادرة صدره

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/02/24 الساعة 09:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/02/25 الساعة 11:04 بتوقيت غرينتش

كان ذات يوم ثائراً شاباً، واشتهر يوماً بأنَّه الشاب الذي حمل المسدس الذهبي للقذافي.

التُقِطَت صورة لمحمد البيبي قبل تسع سنوات على الطريق خارج سرت، رافعاً المسدس المطلي بالذهب الخاص بديكتاتور ليبيا القتيل معمر القذافي. كانت الصورة ترمز لانتقال مزلزل للسلطة، وكذلك لنهاية الثورة، مثلما ظنَّ البيبي آنذاك.

لكنَّ الحرب لم تنته أبداً؛ إذ يعاني البيبي الآن من إصاباتٍ جديدة في ساقه اليسرى واستقرت كتلة من الشظايا مؤخراً قرب رئته اليمنى. ويتساءل ما إذا كان سيرى السلام يتحقق على الإطلاق، حسبما ورد في تقرير لمراسل صحيفة The Times البريطانية. 

كيف وصل البيبي إلى مسدس القذافي؟

قبل ذلك بدقائق، كان البيبي واحداً من أوائل الثوار في مسرح قصف قافلة الديكتاتور القذافي، التي تعرَّضت للقصف في غارة جوية لحلف شمال الأطلسي (الناتو) بينما كان يحاول القذافي الفرار من سرت. وبينما جرَّ الثوار الآخرون القذافي إلى خارج ملجئه في أحد مجاري الصرف، كان البيبي يُفتِّش في حطام مركبته.

ويتذكَّر قائلاً: "كان مسدس القذافي مُلقى على الرمال بجانب الباب عند قدمي". وبهذه الطريقة انتقل المسدس، الذي نُقِشَت عليه عبارة من "الكتاب الأخضر" الذي يُمثِّل العمل السياسي للقذافي، من ديكتاتور إلى شاب. 

الشاب الذي حمل المسدس الذهبي للقذافي يخشى الشيطان الذي هجم على بلاده

روى البيبي في منزله بمصراتة، مُمسِكاً بالمسدس المذهب من طراز براونينغ 9 مم في يديه: "في ذلك اليوم خارج سرت، اعتقدتُ أنَّ الحرب انتهت، وأنَّ كل شيء سيتغيَّر للأفضل. اعتقدتُ أنَّني بعد ذلك اليوم سأصبح قادراً على التجول في بلادي باحترامٍ متبادل ويُرحَّب بي وأُرحِّب أنا برفاقي الليبيين. لكن الآن، يبدو أنَّ الشيطان قد جاء إلى بلادنا".

وقبل أن يضع بندقية كلاشنيكوف في صندوق سيارته ويقود جنوباً باتجاه الجبهة مجدداً، قال: "نَمَت الكراهية بيننا بعد تسع سنوات من القتال. ونَمَت في قلبي أنا أيضاً. من الصعب تصور كيف سينتهي هذا".

البيبي يحمل مسدس القذافي المذهب/رويترز

وبدل أن يصبح رمز التغيير الذي بدا عليه في اليوم الذي انتزع فيه مسدس القذافي، بات البيبي (25 عاماً) سئماً من الحرب، في مثالٍ مُصغَّر لجيل من الليبيين الذين تلتهم حربٌ قديمة، تزداد سوءاً، مستقبلهم.

فَقَدَ الثوار الشباب الذين قاتلوا إلى جانب البيبي لإزاحة القذافي قدرتهم على إبصار السلام، بعدما ظلوا مرتبطين بالصراع بحكم التعود، وغياب الخيارات، والولاء القَبَلي، وإخفاق القوى العالمية في فرض حظر السلاح الذي فرضته الأمم المتحدة. ويقاتلون فوق نفس ساحات المعركة التي ترددت فيها أصداء القتال لنحو عقدٍ من الزمن، غير عابئين بالحياة أو التعرُّض لإصابات خطيرة.

صراع تحول إلى فضيحة دولية

ولا توجد نهاية بادية في الأفق. ففي حين تفقد معظم الحروب زخمها بمرور الوقت، يزداد التوتر والتعقيد والمرارة في ليبيا في ظل عمل القوى الكبرى والجيران الإقليميين على تدفق المرتزقة والأسلحة فائقة التقنية إلى صراعٍ وصفه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش هذا الأسبوع بأنَّه "فضيحة". كان القصد من هذا الوصف أن يُمثِّل توبيخاً للدول المستمرة في تغذية الصراع على الرغم من الالتزامات التي نتجت عن مؤتمر برلين الشهر الماضي، يناير/كانون الثاني، والمتمثلة في دعم حظر السلاح.

قاد البيبي السيارة جنوباً باتجاه الخروج من مصراتة هذا الأسبوع، واجتاز الصحراء وصولاً إلى الجبهة في قرية أبوقرين كي يعاود الالتحاق بوحدته المكونة من شباب ذوي إصابات شبيهة. نادى المقاتلون بعاطفةٍ مشوبة بغيظ: "أنت يا شيرا! أين كنت كل هذا الوقت؟"، مُستخدمين كُنية البيبي.

الشظايا اخترقت صدره

كان البيبي غائباً منذ اخترقت الشظايا صدره أثناء القتال في طرابلس الخريف الماضي. وبعد تلقي العلاج في تونس، عاد إلى ليبيا قبل أسبوعين. لم يستطع الأطباء إخراج الشظايا، وهو بانتظار الحصول على تأشيرة سفر إلى ألمانيا حيث يأمل أن يتمكَّن الجراحون من إزالتها.

خطب البيبي حديثاً، لكنَّه غير متأكد مما ينبغي أن يفعله بشأن مستقبله. وأخبر مراسل صحيفة The Timesعند تقاطع الطريق السريع المليء بالحفر مع الرمال الحمراء المنبسطة والمستوطنات الصحراوية المُهدَّمة: "بذلتُ الكثير للغاية من أجل ليبيا"، وسَرَدَ المعارك التي خاضها ضد القذافي، والميليشيات المنافسة، وتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، واللواء المتمرد خليفة حفتر.

هو وزملاؤه غير مكترثين بالموت

كان رفاقه، بلا استثناء تقريباً، مصابين أيضاً، وأُصيب العديد منهم عدة مرات. وعلى خط الجبهة الواقع على بُعد 75 ميلاً (121 كيلومتراً تقريباً) جنوبي مصراتة، يصطف هؤلاء إلى جانب القوات الموالية لحكومة طرابلس في مواجهة قوات حفتر.

الحرب أمرٌ مألوف للغاية هنا لدرجة أنَّ الرجال يبدون غير مكترثين بمصائرهم تقريباً. فعندما قصفت دبابة من طراز T-55 الجهة الأخرى من المنطقة الواقعة بين الطرفين، صاح بعض المقاتلين وهلَّلوا، فيما جلس آخرون في الجوار يشربون الشاي ويأكلون البسكويت، متناسين على ما يبدو أنَّ اثنين من رفاقهم قُتِلا في هذه البقعة في اليوم السابق نتيجة صاروخٍ وارد. (قُتِل اثنان آخران من جرَّاء قذائف مساء اليوم التالي).

ولكن ما يخشونه فقط هو ما يأتي من السماء وبعضهم يقاتل بساق مبتورة

ولم يسترعِ انتباههم إلا طائرة كانت تحوم في الأجواء، جعلتهم يحدِّقون باتجاه السماء منزعجين، بعدما تسبَّبت الطائرة في إثارة سحب من الغبار من مجموعة من الأشجار الجافة خلفهم.

قال أحدهم: "فقدنا 8 من رجالنا بسبب الطائرات دون طيار حين كنا نقاتل في طرابلس مؤخراً، وفقدنا عدداً أكبر بسبب الغارات الجوية. اعتدنا على معظم الأمور، لكنَّنا تعلَّمنا أن نكون خائفين من السماء".

يبلغ متوسط عمر المقاتلين في وحدة البيبي، المعروفة باسم الكتيبة 266، 25 عاماً، وكان بعض المقاتلين ممشوقي القوم بميلٍ إلى النحافة في الوحدة يعانون إصاباتٍ خطيرة للغاية كانت ستجعلهم غير صالحين للخدمة في جيش أي بلدٍ غربي منذ زمنٍ طويل. 

فكان من المفترض أن تُبتَر الساق اليسرى لطارق الدبايبة (25 عاماً)، والذي كان يتولى تشغيل سلاح مضاد للطيران محمول على سيارة، في المستشفى العام الماضي بعد تعرُّضه لانفجار قنبلة زرعها داعش على جانب إحدى الطرقات عام 2016.

أخرج طارق نفسه من المستشفى، بعدما ركَّب دعامة ساق أبقت ساقه في وضع مستقيم –والتي أزالها ليريني طرفه الضامر للغاية- كي يعاود الالتحاق بوحدته حين سمع أنّ القتال مع حفتر بدأ قبل فترة قصيرة من عملية بتر ساقه المقررة.

وقال ببساطة: "لم أرد أن أُفوِّت القتال ضد حفتر"، خالعاً قميصه ليريني كتلة شظايا أخرى لا تزال بمكانها وتورَّمت لتأخذ صورة شبيهة بالبيضة في معدته.

كان يجلس بجانبه عزيز السرتي (29 عاماً)، وهو لاعب كرة قدم سابق كان يلعب لصالح فريق المدينة الليبي الشهير. وقال، بينما اتسعت حدقة عينه ولمعت: "لن ألعب كرة القدم مجدداً بكل تأكيد".

أُصيب السرتي 13 مرة على مدار تسع سنوات، وتضمَّنت إصاباته كسراً في الركبة ثُبِّتَت بمسامير جراحية، وتجويف غائر في الجمجمة نتج عن محاولة مقاتل خصم الإجهاز عليه لإنهاء آلامه بينما كان طريحاً مصاباً على الأرض. وأضاف متجهِّماً: "لا مزيد من كرة القدم، ولم يتبق مستقبل طويل كذلك".

يرفضون أن تصبح ليبيا كعكة لهذه الدول

وعدَّدوا الدول التي يتهمونها بدعم عدوهم حفتر: روسيا، والإمارات، ومصر، وفرنسا، والأردن. وهزأوا بقوة من الأمم المتحدة مع شعورهم بإحساس التخلي عنهم، وشبَّهوا ليبيا، البلد الغني بالغاز الطبيعي والنفط، مراراً بـ "الكعكة التي ستُقسَّم".

قال حمزة خريص (26 عاماً)، وهو مقاتل درس العلاقات العامة والتسويق في مدينة هدرسفيلد البريطانية: "تأسست الأمم المتحدة لخدمة مصالح القوى الكبرى، ولا تزال تخدم تلك المصالح. إنَّها لا تقوم بأي شيء من أجل وقف مجيء الأسلحة والمرتزقة الأجانب إلى هنا، لأنَّه لا توجد مصلحة في إرساء السلام لدينا".

اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر خلال استقبال الملك سلمان عبد العزيز له/رويترز

وبالفعل، جرى انتهاك حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على ليبيا منذ 9 سنوات بصورة متكررة جداً لدرجة أنَّ مبعوث المنظمة إلى ليبيا، غسان سلامة، قال العام الماضي إنَّ الانتهاكات تُهدِّد بتحويل الحظر إلى "نكتة سمجة".

منحت غزارة الأسلحة التي تدخل إلى ليبيا الحرب هناك بُعداً جديداً، وتتنافس الآن المقاتلات الحديثة، والطائرات دون طيار، والعربات المدرعة، والصواريخ المضادة للطائرات، والمدفعية المُوجَّهة بالليزر على حصد الأرواح. ويحظى حفتر بمساعدة مئات الجنود من مجموعة فاغنر الروسية، في حين تحظى حكومة طرابلس بمساعدة ما يصل إلى ألفين من المقاتلين السوريين وفرق من المستشارين الأتراك.

ووسط هذا العنف المترسخ، كان المشهد في أبوقرين، بمجموعة الشباب المُحطًّمين اليائسين هناك، مختلفاً كل الاختلاف عن مشهد 20 أكتوبر/تشرين الأول 2011، حين حُمِل البيبي (17 عاماً آنذاك) على أعناق الثوار المحتفلين وهو يرفع مسدس القذافي عالياً في إشارة إلى النصر، وكان لقبه الشاب الذي حمل مسدس القذافي.

والآن يريد التخلص من مسدس القذافي بعدما رفض عروضاً ضخمة

كانت هناك عروض لشراء المسدس من البيبي. 

وتضمَّنت تلك العروض عرضاً بخمسة ملايين دينار ليبي (3.56 مليون دولار تقريباً) من طرف مجهول طلب مقابلة البيبي في طرابلس، ثُمَّ 10 ملايين دينار ليبي (7.11 مليون دولار تقريباً) من رجل أراد مقابلته في تونس. وجاء عرضان ضخمان آخران من شخص قطري، وآخر ليبي في أمريكا.

وحتى الآن، رفض البيبي كل العروض، لأنَّه يشك بأنَّ المشترين ربما يكونون موالين للقذافي يريدون إيذاءه. 

وقال: "لم أثق في أي منهم. لذا احتفظتُ بالمسدس. إنَّه يبدو كذكرى تاريخ أكثر منه سلاحاً. لكنَّني الآن أفكر في بيعه إلى الأبد حتى يمكنني استثمار المال في حياةٍ أخرى غير الحرب. أحتاج فقط أن أجد مشترياً يمكنني الوثوق به، وليس شخصاً يعد لي كميناً ليقتلني".

علامات:
تحميل المزيد