الحل الوحيد للأزمة الليبية معروف، ولكن لماذا تتجاهله أوروبا والولايات المتحدة؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/02/24 الساعة 12:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/02/24 الساعة 17:36 بتوقيت غرينتش
قادة الدول الحاضرون في مؤتمر برلين

النهج الأوروبي في التعامل مع الأزمة الليبية هو أحد أسباب استمرارها عبر عقد المؤتمرات لمناقشة الوضع الليبي دون جدوى.

ففي كل مرةٍ يُعقد فيها مؤتمر أوروبي بخصوص ليبيا، يكون الشعور السائد هو ذاته: يبدو أن الأوروبيين مهتمون أكثر بالإجراء، أي مجرد جمع أصحاب المصلحة للحديث، أكثر من تحقيق نتيجة، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.

وبات من غير الواضح ما إذا كانت هذه المناقشات التي يطلقها الأوروبيون قد تفضي في الواقع إلى أي حل يمكن أن يوقف دوامة العنف في ليبيا، ولكن مازال هناك إصرار على النهج الأوروبي في التعامل مع الأزمة الليبية.

لماذا يحرص الأوروبيون على عقد المؤتمرات لمناقشة الأزمة الليبية دون جدوى؟ 

ربما تنبع أولوية الإجراء على النتائج من النزوع العالي إلى الدعائية (mediatized) في السياسة المعاصرة. 

إذ قد يكون الأمر أن الساسة الأوروبيين، كونهم حيوانات انتخابية مهووسة بالبقاء على قيد الحياة السياسية في المقام الأول، يعتقدون أن فرصة التقاط صورة جماعية دولية أو حتى مجرد ممارسة إجراءات من نوع ما تستحق كل هذا الجهد دائماً، بغض النظر عن النتائج وتحقيقها.

ومن المحتمل أن تكون هذه الديناميكية أيضاً ترجع إلى الحضور الواسع لثقافة بيروقراطية عالية المستوى في أوروبا، خاصة في المؤسسات التي تتخذ من بروكسل مقراً لها، والتي تشكل الإجراءات بالأساس سبب وجودها. على هذا النحو، كان تنظيم المؤتمر هو الهدف وليس وسيلةً لتحقيق أي شيء آخر.

النهج الأوروبي في التعامل مع الأزمة الليبية تاريخ طويل من الفشل وصل لذروته في برلين

عند النظر إليه من هذا المنظور، يبدو مؤتمر برلين الأخير دون اختلاف عن الاجتماعات الأخرى التي تقودها أوروبا في السنوات الأخيرة، مثل تلك التي نُظمت في باريس أو باليرمو. ومع ذلك، كان هناك اختلاف كبير واحد: في هذا المؤتمر، طرفا النزاع، أي رئيس حكومة الوفاق الوطني المدعومة أممياً فايز السراج وأمير الحرب القادم من الشرق الليبي خليفة حفتر، لم يجتمعا حتى. ولا عناق يسوق إعلامياً على نطاق واسع كما كان الحال في باليرمو، ولا مصافحة بمباركة ماكرون كما حدث في باريس.


محادثات ليبية سابقة/رويترز

قبل 4 أبريل/نيسان، ربما كانت هناك فرصة لإنتاج عملية مُدارة وأكثر شمولاً للأطراف ذات المصلحة. أمَّا بعد الهجوم العسكري الذي أطلقه حفتر في هذا التاريخ بهدف السيطرة على البلد بأكمله، أصبح منطق الوساطة بأي ثمن منطقاً عفا عليه الزمن، وتفاقم بعده الاستقطاب بين الجانبين.

يحتاج المراقبون إلى كثير من الخيال لاعتبار أن برلين كانت خطوة حقيقية إلى الأمام، على الأقل إذا كان الهدف هو تحقيق استقرارٍ ليس قصير النظر ولا هشاً في بنيته. والهدنة أمر جيد دائماً، إذ أي شيء يمكن فعله لتجنب مزيد من الفوضى والدمار في ليبيا اليوم ينبغي الترحيب به. 

أي هدنة لا تعاقب المنتهكين مصيرها الفشل، وهكذا استغل حفتر المؤتمر لصالحه

ومع ذلك، وكما يتضح من الاستئناف الفوري للأعمال العسكرية في أعقاب المؤتمر، فإن أي هدنة بدون آليات واضحة ومنتظمة لمعاقبة المتهورين والمفسدين مصيرها الفشل. إن أحداث الأيام القليلة الماضية، بما حملته من رحلات للطائرات الإماراتية إلى ليبيا والهجمات التي شنتها قوات حفتر والردود التركية، تُظهر كيف أن هذا الواقع المحزن لم يستغرق وقتاً طويلاً ليتحقق مرة أخرى.

لا يمكن اعتبار برلين خطوة للأمام إلا إذا نُظر إليه من وجهة نظر حفتر وداعميه: فقد كانت برلين الخطوة الأخيرة في رحلته سعياً وراء اعتراف دولي كامل به. علاوة على ذلك، فإن فكرة تعيين "حكومة جديدة تمثيلية وموحدة" على النحو المتضمن في استنتاجات المؤتمر تعطي لحفتر حق النقض الفعلي لأي حل سياسي. 

فحفتر سيرفض أي ترتيبات تتضمن أعضاء حاليين في حكومة الوفاق. ومن ثم، فإن أي حكومة وحدة وطنية جديدة تنبثق عن هذا المفاوضات ستكون أقل تمثيلاً من حكومة الوفاق الوطني اليوم.

أخيراً، هناك مشكلة ظلت غير مطروحة على الطاولة في برلين: وهي أن حفتر أظهر بأفعاله وكلماته أن هدفه هو تحقيق نصر كامل، وأنه سيواصل عملياته العسكرية في الغرب حتى تحقيق هذا الهدف. أي إن لديه طموحاً للسيطرة على ليبيا بأكملها، ولن يتوقف نهائياً عند أي نقطة قبل أن يصل إلى هدفه. إنه يتعامل مع وجود اتفاق لتقاسم السلطة بوصفه المرحلة النهائية من العملية السياسية، وفي المقام الأول بوصفه خطوة وسيطة له للحصول على السيطرة المطلقة على الدولة الليبية ومواردها. 

إذا سُمح له بالوصول إلى ذلك سياسياً وبسرعة، فالأمر في النهاية في مصلحته، أمَّا إذا لم يتح له لك، فسيستمر في عملياته العسكرية على الأقل ما دام أن مؤيدييه الخارجيين يقدمون له المساعدة العسكرية، ولا سيما الدعم الجوي.

إما الوقوف بجانب حكومة طرابلس عبر حظر جوي شامل أو تجاهل عنف حفتر وفساده

بالنظر إلى هذا الوضع، تواجه الولايات المتحدة والدول الأوروبية معضلةً مقلقة: إمَّا الاستمرار في تجاهل حقيقة العنف الذي يمارسه حفتر وطموحه وفساد دائرته الداخلية والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان على أيدي الميليشيات التابعة له (خاصة المداخلة السلفيين المتشددين) ومواصلة دعمه، وإمَّا إمكانية الدخول على نحو حاسم إلى جانب حكومة طرابلس الوطنية. ولا يمكن للخيار الأخير أن يكون قابلاً للتطبيق وفعالاً إلا إذا كانت الدول الغربية مستعدة لتبني نهج أكثر صرامة، وهو نهج يشمل منطقة حظر للطيران، على الأقل فوق الجزء الغربي من ليبيا، أي ألا يقتصر الأمر على تصريحات مبهمة عن المبادئ.

تعتمد قابلية الحل السياسي في ليبيا على النتيجة العسكرية للمعارك في طرابلس. بمعنى آخر، يمكن التوصل إلى حل سياسي حقيقي للأزمة الليبية، لكن فقط بعد التوصل إلى حل عسكري على الأرض.

والحل الآخر الوحيد هو أن يجد المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، طريقةً للضغط على داعمي حفتر الخارجيين لوقف دعمهم لمنهجه العنيف، وإجباره على سحب قواته، وقبول التوصل إلى شروط تضمن حلاً تفاوضياً للحرب.

تحميل المزيد