كشفت حكومة إلياس الفخفاخ، التي من المنتظر أن تعرض خلال الأيام المقبلة على البرلمان لمنح الثقة، عن صراع خفي بين حركة النهضة والرئيس التونسي قيس سعيد.
سقوط حكومة الحبيب الجملي التي تدعمها النهضة وتحول رئيس الجمهورية إلى لاعب رئيسي في تشكيل الحكومة وفق ما يقتضيه الدستور أشعل خلافاً بين الحركة وقيس سعيد، وفيما يلي نستعرض أسباب الصراع الخفي وتجلياته:
الغنوشي ينهي اجتماع الرئيس بعد 5 دقائق
علاقة حركة النهضة برئيس الجمهورية قيس سعيد شهدت تحولاً كبيراً منذ الدور الثاني للانتخابات الرئاسية.
فبعد أن دعمت الحركة أستاذ القانون الدستوري في هذا الدور أمام منافسه رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي، توترت العلاقة، واتّسمت بكثير من الجمود والتوتر، الذي يتكشف من خلال عدد من المحطات والتصريحات طيلة 4 أشهر تقريباً، منذ تسلم سعيد مقاليد الحكم رئيساً للجمهورية.
أول المواقف التي أظهرت فتور العلاقة بين سعيد ورئيس حركة النهضة، كان رفض راشد الغنوشي غير المباشر لوساطة رئيس الجمهورية، التي حاول من خلالها تجاوز خلافات تشكيل حكومة الحبيب الجملي، حيث أنهى رئيس الحركة الاجتماع الذي دعا له قيس سعيد بالإضافة إلى الغنوشي، رئيس حزب تحيا تونس يوسف الشاهد، ورئيس حزب التيار الديمقراطي محمد عبو، والأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي، بعد نحو 5 دقائق من بدايته، مؤكداً أن عرضه للتحالف مع هذه الأحزاب قد انتهى بسبب مواقفها المتقلبة.
ثم جاء مؤتمر برلين والتلويح بسحب الثقة
وبعد ذلك بدأت الخلافات تبرز أكثر بعد الانتقادات التي وجهها الغنوشي لرئيس الجمهورية، بسبب أداء الدبلوماسية التونسية الضعيف والمهتز، وفق تقديره، بعد إصرار قيس سعيد على رفض دعوة ألمانيا المتأخرة للمشاركة في مؤتمر برلين، وغيابه عن عدد من المؤتمرات الدولية الأخرى، قبل أن يُشعلها اختيار سعيد لإلياس الفخفاخ لتشكيل الحكومة، وهو اختيار أوضح رئيس حركة النهضة بصريح العبارة أنه لم يكن صائباً.
الهوة التي بدأت تتسع بين سعيد والغنوشي تكشّفت أكثر مع محاولة النهضة اللعب بورقة سحب الثقة من حكومة تصريف الاعمال (يوسف الشاهد) واختيار شخصية يتم التوافق حولها داخل البرلمان لتشكل الحكومة بدل الفخفاخ، وهو ما رفضه قيس سعيد بشدة، حين أكد لرئيس حركة النهضة أن هذا التحرك غير دستوري، وأنه هو الضامن لتطبيق الدستور واحترامه.
هل يحل الرئيس التونسي البرلمان؟
وفي سياق متصل، أكد القيادي والنائب عن حركة النهضة السيد الفرجاني لـ "عربي بوست": "لا توجد أي قوة في العالم قادرة على حل البرلمان حتى تاريخ الـ14 من مارس/آذار، وتأويل رئيس الجمهورية للفصل 89 من الدستور هو تأويل شخصي يتماشى مع مصالحه كطرف سياسي في المشهد، لكن الدستور التونسي لا يمنح رئيس الجمهورية الحق في فرض تأويله على جميع الأطراف".
وأضاف الفرجاني: "في غياب المحكمة الدستورية يتم اللجوء في مثل هذه الحالات إلى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين، التي لها حق الفصل في تأويل فصول الدستور، وكلنا ننتظر موقف الهيئة من الاستشارة التي طلبها الشيخ راشد الغنوشي من رئيس الهيئة، حول تأويل الفصل 89، بعد اللقاء الذي جمعه به يوم أمس، حينها سيكون قرار الهيئة هو الحكم والفيصل بين جميع الأطراف، سواء رئيس الجمهورية أو الأحزاب وكذلك البرلمان".
وحول تأثير هذا الخلاف مع سعيد على مستقبل علاقة رئيس الجمهورية مع حركة النهضة والبرلمان أوضح الفرجاني: "أعتقد أننا نتجه الآن نحو حل أزمة حكومة الفخفاخ، وتجاوز هذا الخلاف في التأويل، وبعد منح الثقة للحكومة سنعمل في البرلمان على التركيز على المحكمة الدستورية، حتى نتفادى مثل هذه الأزمات مستقبلاً، وتكون كل الأطراف مسؤولة ومجبرة على احترام صلاحياتها التي يضبطها الدستور".
صراع خفي بين حركة النهضة والرئيس التونسي
من جهته، يعتقد المحلل السياسي بسام حمدي "أن محور الصراع بين حركة النهضة ورئيس الجمهورية هو فرض الخيارات، حيث سعى قيس سعيد إلى تشكيل حكومة إلياس الفخفاخ وفق رؤيته وخياراته السياسية، وهو ما تجلى في إعلان الفخفاخ إقصاء حزب قلب تونس من المشاورات، وتكوين حزام سياسي ثوري يدعم هذه الحكومة، وهو ما رفضته حركة النهضة؛ لأنها تعتبر أنه يجب الاستناد في تشكيل الحكومة لشرعية الانتخابات التشريعية التي فازت فيها، وهو ما يمنحها الحق في فرض خياراتها في تشكيل حكومة الفخفاخ، بعيداً عن خيار الاستناد إلى شرعية الانتخابات الرئاسية التي فاز بها سعيد".
محاولة رئيس الجمهورية فرض خياراته يبدو أنها تخفي مساراً يعمل الرئيس الذي كان أستاذاً للقانون الدستوري على تنفيذه.
ويقول المحلل السياسي أيمن الحرباوي لـ "عربي بوست": "إن سعيد يدفع في اتجاه حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة، رغم أن الوصول إلى هذه المرحلة سيكون له كلفة سياسية، سيدفعها رئيس الجمهورية، بما يتحمل جزءاً من فشل تكوين الحكومة لأنه اختار شخصية فشلت في تشكيل الحكومة، كما ستُوجه له انتقادات لفشله في تجميع الأطراف السياسية، وهو دوره كرئيس للجمهورية".
ويضيف الحرباوي: "رغم ذلك، قيس سعيد لم يخفِ رغبته في الوصول إلى هذه المرحلة، وهو ما أكده فيما يشبه التهديد، عند لقائه بالغنوشي، مشيراً إلى إمكانية العودة للشعب (إعادة الانتخابات)، في حالة عدم منح الثقة لحكومة الفخفاخ، رغم أنه يملك خيارات أخرى غير حل البرلمان".
خطة الرئيس لتغيير شكل الحكم
رأى الحرباوي أن حل البرلمان سيمنح قيس سعيد الفرصة لتنفيذ مشروعه السياسي، حيث يهدف للمشاركة في الانتخابات التشريعية القادمة، من خلال قوائم مستقلة تمنحه حزاماً برلمانياً ينهي عزلته في القصر، وتدعم مشروعه الذي يهدف لتكوين ما يشبه اللجان الشعبية كأساس للحكم.
وتابع الحرباوي: "النهضة ترى في قيس سعيد تهديداً؛ لأنه شعبوي، وفق تقديرها لا يمكن التعامل معه سياسياً، ولا يمكن التنبؤ بمواقفه وخياراته، كما لا يمكن جره لطاولة المفاوضات والمساومات كبقية الأحزاب والأطراف السياسية، كما أن مشروعه السياسي للحكم المحلي عبر لجان شعبية تعوض الأحزاب يهدد مستقبل الحركة، ويضرب خطتها الاستراتيجية في الحكم، تلك التي تستند إلى المركزية".