غاندي يموت مرة ثانية.. كيف وصل قتلة المهاتما إلى الحكم في الهند؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/02/18 الساعة 14:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/02/18 الساعة 14:45 بتوقيت غرينتش
رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يحيي الذكرى 150 لميلاد غاندي في راجات في نيودلهي 2019 /رويترز

تتواصل الاحتجاجات في شوارع الهند بعد شهور من إصدار الحكومة قانون الجنسية الجديد. ندَّد المحجتون بهذا القانون باعتباره تمييزاً ضد المسلمين من خلال منح الجنسية للمهاجرين من جميع الديانات الرئيسية في جنوب آسيا ما عدا المسلمين. ودفاعاً عن العلمانية، لوَّح الآلاف بنسخ من الدستور الهندي، ورفعوا صور المهاتما غاندي وعدداً من الرموز الأخرى لنضال البلاد الناجح ضد القمع الاستعماري.

وبعد أسابيع من قمع الدولة للمتظاهرين، اختار رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، مواجهة الانتقادات على نحو مختلف الشهر الماضي يناير/كانون الثاني، حسبما ورد في تقرير لمجلة The Diplomat اليابانية.

إذ قال مودي: "لقد أنجزنا ما تمنى مقاتلو الحرية العظماء أن يفعلوه. لقد نفذنا تعليمات غاندي-جي"، مستخدماً لفظ "جي" وهو لقب تشريفي يُلحق باسم الشخص في اللغة الهندوستانية للدلالة على التقدير والاحترام.

كيف وصل قتلة غاندي إلى حكم الهند؟

احتفلت الهند في أكتوبر/تشرين الأول 2019، بالذكرى الـ150 لميلاد موهانداس كرمشاند غاندي، الملقب بـ "والد الأمة".

جاءت هذه الإشارة لغاندي من مودي قبل أيام فقط من 30 يناير/كانون الثاني، حيث قُتل رائد المقاومة اللاعنفية بالرصاص في وضح النهار في مثل هذا اليوم من عام 1948 على يد ناثورام جودسي، وهو متعصب هندوسي وعضو في المنظمة القومية الهندوسية "راشتريا سوايامسيفاك سانغ" –وهي جماعة يمينية متطرفة خرج من رحمها مودي فيما بعد و 38 من أصل 53 وزيراً في حكومته.

لطالما تاقت جماعة "راشتريا سوايامسيفاك سانغ" والجماعات المشابهة إلى دولة هندوسية منذ استقلال الهند، ويقول منتقدون إنَّ الحزب الحاكم الحالي يعمل على تحقيق هذا الهدف. 

بعد فوز كاسح في إعادة انتخابه عام 2019، سحق حزب مودي "بهاراتيا جاناتا" حقوق سكان منطقة كشمير -المنطقة ذات الأغلبية المسلمة المنعزلة منذ إلغاء حكمها الذاتي في أغسطس/آب الماضي- ودافع عن أمر قضائي يسمح ببناء معبد هندوسي في موقع مسجد يعود تاريخه لقرون دُمّر في عام 1992، على يد مجموعة من الغوغاء يُقال إنَّهم بقيادة جماعة "راشتريا سوايامسيفاك" وحزب "بهاراتيا جاناتا" ومعاونيهم.

يكرهون حرص غاندي على التعايش مع المسلمين

كان غاندي، المدافع عن الحقوق المدنية ومؤسس أول نضال جماهيري بالطرق السلمية في تاريخ العالم، مؤيداً قوياً أيضاً للتعددية الدينية العالمية. رفض غاندي طموحات تقسيم شبه القارة الهندية، التي سعى لتحقيقها المسلمون الهنود الحريصين على إنشاء دولتهم الخاصة بهم: باكستان. 

وعندما أعلنت الهند استقلالها عن الحكم البريطاني وتزامن ذلك مع تقسيم الهند إلى حكومة الهند وحكومة باكستان، كتب غاندي: "ما الذي يدعو للاحتفال؟"، واصفاً التقسيم بأنَّه أشبه بعملية تشريح الكائن الحي الأم. في الوقت نفسه، أثارت أيضاً معارضته لمفهوم الدولة على أساس الانتماء الديني عداء القوميين الهندوس له.

الحزب الهندوسي الحاكم ألغى الحكم الذاتي لكشمير/رويترز

يقول المؤرخ الهندي الشهير، راماشاندرا جها، الذي نشر سيرة ذاتية لغاندي وأُلقي القبض عليه أثناء احتجاجه ضد قانون الجنسية، إنَّ "مودي يستحضر كل شيء يخص غاندي باستثناء التناغم والانسجام الاجتماعي بين الهندوس والمسلمين رغم أنَّ هذا أهم مبدأ دافع عنه طوال سنوات حياته". 

وأضاف: "لا يمكنك الحديث عن آينشتاين بدون النظرية النسبية. لا يمكنك الحديث عن داروين بدون نظرية التطور. كذلك، لا يمكنك الحديث عن غاندي بدون التناغم الاجتماعي بين الهندوس والمسلمين".

يقول النقاد إنَّ إساءة استغلال غاندي من جانب المؤسسة السياسية الحالية في الهند ما هي إلا المرحلة الأخيرة من استراتيجية إيديولوجية بدأت بتشويه صورته وتهدف في نهاية المطاف إلى إعادة كتابة تاريخ الهند.

إيديولوجية "الهندوتفا" تعيد كتابة تاريخ الهند

بعد مرور عام على اغتيال غاندي، نٌفّذ حكم الإعدام بحق المتآمرين المتورطين في الجريمة من أعضاء جماعة "راشتريا سوايامسيفاك سانغ"، ناثورام جودسي ونارايان أبتي. أدَّى الافراج عن بقية الجناة إلى فتح تحقيق جديد. وفي عام 1969، قررت "لجنة كابور" المنوطة بالتحقيق في الجريمة أنَّ فيناياك دامودار سافاركار، زعيم منظمة "هندو ماهاسابا" هو العقل المُدبّر لعملية الاغتيال.

 لكن عندما بُرّئ في المحاكمة الأولى على الرغم من صلاته بالفريق المنفذ لعملية الاغتيال، وجّهت بعد وفاته أصابع الاتهام بإدانة إيديولوجية (الهندوتفا) القومية الهندوسية المتطرفة، التي تنادي بتفوق الهندوس، وذلك وفقاً لشهادة اثنين من مساعدي سافاركار المقربين.                                                                               

حزب مودي وريث أجندة المنظمة التي اغتالت غاندي، وها هو يريد تكريم قتلته

يُعتبر حزب مودي "بهاراتيا جاناتا" الوريث السياسي لأجندة "الهندوتفا"، وقد حاول بالفعل تبرئة ساحة سافاركار في مقتل غاندي. 

وكان وزير الداخلية الحالي والعضو السابق في جماعة "راشتريا سوايامسيفاك سانغ"، أميت شاه، قد طلب من المؤرخين في العام الماضي إعادة كتابة التاريخ بما يسند الفضل لسافاركار لدوره في نضال البلاد من أجل الاستقلال. وقبل أيام من طلب شاه، أعلن مكتب حزب "بهاراتيا جاناتا" في ولاية ماهاراشترا أنَّه سيقترح منح سافاركار أرفع جائزة مدنية في الهند.

دعمت تلك المساعي الرسمية لتحريف التاريخ تمادي المتطرفين الهندوس إلى حد تمجيد الرجل الذي ضغط على الزناد ليغتال غاندي. منذ وصول حزب "بهاراتيا جاناتا" إلى السلطة في عام 2014، طلبت قيادات منظمة "هندو ماهاسابا" بناء تمثال نصفي لجودسي ومعبد لمتطرفي "هندوتفا" لتمجيد قاتل غاندي في احتفالهم بيوم القتل 30 يناير/كانون الثاني المُسمّى " Bravery Day- يوم الشجاعة". وقد انتشر مقطع فيديو في نفس هذا اليوم من العام الماضي ظهرت فيه الأمينة الوطنية للمنظمة تُطلق الرصاص على صورة لغاندي وسط هتافات عالية. 

سياسية بالحزب تمجد الرجل الذي اغتال المهاتما

في حين يدعم كبار مسؤولي الحزب الحاكم في الهند "بهاراتيا جاناتا" قاتل غاندي علانيةً، يغض الحزب الطرف عن أعمال تُمجّد الإرهاب. ولطالما وصفت السياسية الهندية، براجيا سينغ ثاكور، جودسي بأنَّه شخص وطني. وعلى الرغم من اعتقال براجيا سينغ ثاكور على خلفية صلتها بتفجير أحد المساجد في عام 2008، قررت حكومة مودي إسقاط التهم الإرهابية الموجهة ضدها، بل اُنتخبت أيضاً لعضوية البرلمان في عام 2019. 

وفي السياق ذاته، زعم العضو البرلماني أنانت كومار هيغدي هذا الشهر أنَّ النضال من أجل الحرية بقيادة حركة "ساتياغراها"، التي أطلقها غاندي وتعنى "قوة الحق"، قد نُظّم بمباركة بريطانية. تعتمد فلسفة "حركة ساتياغراها" على مبدأ المقاومة السلمية وسيلة لتحقيق الإصلاح الاجتماعي.

وبينما يشوه السياسيون القوميون الهندوس إرث غاندي، يحاول آخرون تغيير التاريخ بالوسائل القانونية. 

تزييف تاريخ غاندي.. لقد انتحر ولم يقتل

في عام 2018، سعى أحد المتعصبين الهندوس إلى إعادة فتح قضية قتل بالمحكمة العليا في الهند، مدّعياً وجود مؤامرة ضد سافاركار. ومن جانبه، يجادل حفيد المهاتما غاندي، توشار غاندي، مؤلف كتاب بعنوان "Let's Kill Gandhi" إنَّ "الإيديولوجية الكامنة وراء اغتيال غاندي تُنظّم حملات ممنهجة لتبرير جريمة القتل".

ومع ذلك، قد تنجح الأكاذيب في طمس الحقيقة في نهاية المطاف إذ تواصل تلقينها بشكل منهجي للأجيال الجديدة في الهند. 

في أواخر العام الماضي، نشرت وزارة التعليم الهندية كتيباً في ولاية أوديشا الشرقية ورد فيه أنَّ "غاندي توفي بسبب سلسلة من الأحداث العرضية". قبل ذلك بشهر، كشفت وسائل الإعلام أيضاً أنَّ مدرسة في ولاية كغرات شمالي غرب الهند أوردت سؤالاً مفاده "كيف انتحر غاندي" ضمن أسئلة ورقة اختبار لأطفال أعمارهم 15 عاماً.

وكما ندَّدت صحيفة "Hindustan Times" الهندية في عام 2001، بدأ إضفاء "النزعة الظلامية لطالبان" منذ فترة طويلة. 

يُبيّن مقتل المهاتما غاندي، بالإضافة إلى كتاب عن منظمة "راشتريا سوايامسيفاك سانغ" بعنوان "RSS"، أنَّ إيديلوجية "هندوتفا" أصبحت متغلغلة ليس فقط في المدارس اللاهوتية الهندوسية، لكن أيضاً في مناهج المدارس العامة على الرغم من شكاوى هيئات مستقلة مثل المجلس الوطني للبحوث التربوية والتدريب ( NCERT) أو المجلس الهندي للبحوث التاريخية (ICHR) ومجلس أبحاث العلوم الاجتماعية (ICSSR) 

على غرار ما فعله هتلر بالجامعات

يقول أديتيا موخرجي، أستاذ التاريخ الهندي المعاصر بجامعة "جواهرلال نهرو" إنَّ قادة حزب "بهاراتيا جاناتا" ومنظمة "راشتريا سوايامسيفاك سانغ" يعملون على تفكيك التعليم الليبرالي العام بنفس الطريقة الفاشية التي فعلها الألمان النازيون مع جامعة فرانكفورت والأكاديميات التابعة لها في الثلاثينيات. 

ويجادل موخرجي إنَّ تلويث تراث غاندي كان حجر الزاوية في إيديولوجية "الهندوتفا"، مشيراً إلى أنَّ علمانية غاندي "كانت العقبة الرئيسية أمام تحقيق هدفهم المُتمثّل في تحويل الهند إلى قومية هندوسية خالصة من خلال إعادة كتابة تاريخنا".

وتسعى إيديولوجية "هندوتفا" إلى تأكيد السيادة والتفوق الثقافي للعرق الهندوسي على بقية الهويات الثقافية المتنوعة في البلاد. إذ كشف تقرير استقصائي صدر في عام 2018، أنَّ حكومة الهند قد عيّنت لجنة للبرهنة على أنَّ الهندوس ينحدرون من سلالة السكان الأوائل لشبه القارة الهندية، ويثبت في نهاية المطاف أنَّ النصوص الهندوسية المقدسة القديمة هي حقيقة وليست خرافات.

تمّهد تلك السياسات، حتى هذا الحين، الطريق لإعادة تشكيل تراث الهند، بحيث تقضي الهوية الهندوسية على تنوع شبه القارة الهندية وتطمسه. 

تغيير لأسماء الشوارع وحذف لتاج محل من قائمة التراث الهندي

منذ عام 2014،  أعاد الحزب الحاكم "بهاراتيا جاناتا" تسمية العديد من الساحات والأماكن العامة في البلاد بأسماء تعود إلى إيديولوجيات "الهندوتفا" أو شخصيات من الأساطير الهندوسية، لتحل محل الأسماء الأصلية المستمدة من اللغة الأردية، إحدى اللغات الرسمية في الهند. 

وتُعد الأردية اللغة الأم، التي يتحدث بها العديد من المسلمين الهنود البالغ عددهم حوالي 200 مليون نسمة، والذين يحتجون ضد سياسات الحكومة التمييزية.

بينما يُمحى التراث المغولي لمدن وشوارع ومطارات الهند، تتواصل الجهود أيضاً لطمس تراثها الثقافي. إذ لم يُدرج مسجد وضريح "تاج محل" قبل عامين في الدليل السياحي، الذي يضم أهم المعالم السياحية في ولاية أوتار براديش الهندية، حيث يقع المسجد، الذي أصبح أحد مواقع التراث العالمي التابعة لليونسكو. 

ويُعد مسجد وضريح "تاج محل" من أروع الأمثلة على العمارة المغولية ويجذب أكثر من 6 مليون سائح سنوياً. ومع ذلك، لم يبد رئيس وزراء ولاية أوتار براديش، يوغي أديتياناث، اكتراثاً بـ "تاج محل" واعتبره دخيلاً على الثقافة الهندية.

إنه كان في الأصل معبداً هندوسياً

يُجسّد يوغي أديتياناث، الهندوسي المعروف بتعصبه ضد المسلمين وأحد قادة حزب "بهاراتيا جاناتا"، جوهر إيديولوجية "الهندوتفا". بعد تدمير مسجد "بابري" عام 1992، ادَّعى أديانتاناث أنَّ "تاج محل" كان معبداً هندوسياً، بالإضافة إلى أنَّ ولاية أوتار براديش خلال فترة إدارته تصدرت المساعي الرامية إلى إعادة تسمية الأماكن العامة والتخلّص من تركة الهند المتنوعة المتعددة الثقافات في متابعة لاتجاه إعادة كتابة تاريخ الهند.

وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، تلقّت الولاية اقتراحاً بإعادة تسمية إحدى مقاطعاتها باسم ناثورام جودسي، الإرهابي الهندوسي قاتل المهاتما غاندي، أول زعيم هندي ضحّى بحياته في سبيل الوئام الديني في الهند الحديثة.

علامات:
تحميل المزيد