الانتخابات الرئاسية الأمريكية، في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، لن تكون حكراً على الملفات الداخلية؛ بل الأرجح ستلعب السياسة الخارجية -وتحديداً تجاه إيران- دوراً حاسماً في تحديد هوية الفائز بالرئاسة، والموقف من إيران تحديداً هو ما سيحدد موقف إسرائيل من المرشحين في تلك الانتخابات، فما القصة؟
صحيفة هآرتس الإسرائيلية نشرت تقريراً بعنوان: "كيف يمكن أن تدفع إيران، إسرائيل إلى اتخاذ موقف من المرشحين في الانتخابات الأمريكية لعام 2020"، ألقى الضوء على مواقف المنافسين المحتملين للرئيس الحالي دونالد ترامب من إيران، وكيف يمكن أن تتصرف إسرائيل علناً أو سراً.
ماذا تغير الآن؟
منذ عشرة أشهر، ألقى سفير إسرائيل في واشنطن، رون ديرمر، خطاباً في المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك)، لم تلتفت إليه كثير من الصحف، ولكن قد تثبت أهميته في حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية هذا العام. إذ ركز ديرمر في خطابه، على إيران، ووجَّه تحذيراً واضحاً وإن كان مهذباً إلى الساسة الأمريكيين حول الشأن الإيراني: إذا تبنَّيتم مواقف بعينها في أثناء الحملة الانتخابية، فسوف تخالفكم إسرائيل علناً.
وقال ديرمر إن الحكومة الإسرائيلية ترى أن فكرة عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 "غير مقبولة على الإطلاق". ويُذكر أنه في وقت قريب من خطابه، انتقد عديد من المرشحين الديمقراطيين للرئاسة الرئيس دونالد ترامب لانسحابه من الاتفاقية، ووعدوا بأنه في حال انتخابهم، فسيعودون إلى التزامهم الاتفاق النووي، الذي وقَّعته إدارة أوباما.
وقال ديرمر: "ثمة قادة يدعون للعودة إلى هذا الاتفاق. وهذا شيء يجب أن يُعتبر غير مقبول على الإطلاق. عام 2015، عندما كان هذا النقاش دائراً، برزت كثير من علامات الاستفهام. ما الذي قد يحدث؟ هل يؤدي هذا إلى اعتدال إيران؟ هل هو شيء جيد؟ هل يقلل من احتمالات الحرب؟".
وأضاف ديرمر: "والآن ونحن في عام 2019 ظهرت علامات تعجب. لقد زاد من خطورة إيران، وزاد من احتمالات الحرب. لذلك أي شخص يقول إنه سيعود إلى الاتفاق فهو يعني فعلياً أنه سيعطي مئات المليارات من الدولارات لأشخاص عازمين على تدمير إسرائيل وتدمير جيراننا العرب، وتمهيد الطريق أمامهم لامتلاك الأسلحة النووية".
هل يحدث صدام علني بين إسرائيل ومنافس ترامب؟
لقد أوضح السفير في خطابه، أن إسرائيل ستعارض علناً العودة إلى الاتفاق الإيراني، حتى لو كان ذلك يعني صداماً مباشراً مع مرشح الرئاسة الديمقراطي النهائي. ويُذكر أن الانتخابات التمهيدية كانت ما تزال على بُعد أشهر عندما تحدث ديرمر في "أيباك"، وهو أحد أسباب عدم التفات كثير من وسائل الإعلام إلى كلماته.
لكن الآن، وبعد التصويت في إيوا ونيو هامبشاير، تبدو إمكانية صدام إسرائيل مع أحد المرشحين الديمقراطيين للرئاسة أكثر واقعية من أي وقت مضى، خاصةً إذا كان هذا المرشح هو سيناتور ولاية فيرمونت بيرني ساندرز، الذي وعد بالعودة إلى الاتفاق، في اليوم الأول من رئاسته.
ومن شبه المؤكد أن إسرائيل -خاصة إذا ظل بنيامين نتنياهو رئيساً للوزراء- ستخوض مواجهة مع ساندرز فيما يتعلق بوعده بالعودة إلى الاتفاق الإيراني في "اليوم الأول"، ولكن الطريقة التي ستستجيب بها إسرائيل لمواقف المتنافسين الديمقراطيين الآخرين ليست بالوضوح نفسه. إذ قال عديد منهم إنهم سيعودون إلى الاتفاق الإيراني، لكنهم سيطالبون بإضافة تغييرات؛ لمعالجة القضايا الرئيسية التي لم يحلها اتفاق عام 2015.
وعندما عارضت الحكومة الإسرائيلية برئاسة نتنياهو، الاتفاق الإيراني عام 2015، لم يكن موقفها الرسمي معارضة لأي اتفاق وإنما مطالبة بـ "اتفاق أفضل" من ذلك الذي تم التوقيع عليه في النهاية. ماذا ستفعل إسرائيل إذن، إذا قدَّم مرشح ديمقراطي نسخة جديدة من هذا المطلب، من خلال الدعوة إلى إجراء تغييرات على الاتفاقية تتناول المخاوف التي أثارتها إسرائيل قبل خمس سنوات؟ هل يُعتبر ذلك "غير مقبول" أيضاً؟
يقول مسؤول إسرائيلي كبير لصحيفة Haaretz، إن فكرة العودة إلى الاتفاق النووي ثم محاولة التفاوض مع إيران حول القضايا التي لا تتناولها الاتفاقية الحالية -مثل الصواريخ الباليستية الإيرانية ودعم الإرهاب- "مهزلة". وقال المسؤول إنه فور عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق ورفع العقوبات، لن تعود إيران تحت الضغط الذي سيجبرها على تقديم مزيد من التنازلات.
المرشحون المحتملون
لكن هذا لا يعني بالضرورة أن إسرائيل سوف تعبّر عن مثل هذا الموقف علناً، ما دامت الانتخابات التمهيدية للديمقراطيين ما تزال جارية بالتأكيد.
يضم السباق الديمقراطي حالياً ستة مرشحين لديهم فرصة للفوز بالترشح بدرجات متفاوتة، وهم: ساندرز، ونائب الرئيس السابق جو بايدن، والسيناتورة إيمي كلوبوشار، والسيناتورة إليزابيث وارن، وعمدة نيويورك السابق مايك بلومبيرغ وبيت بوتيجيج عمدة ساوث بند السابق بولاية إنديانا، التي لديها أكبر عدد من المندوبين بعد إيوا ونيو هامبشاير.
وعبَّر معظم هؤلاء المرشحين الستة عن موقف محدد: العودة إلى الاتفاق، ولكن التفاوض على بنود جديدة بشأن قضايا مثل صواريخ إيران الباليستية ونشاطها العسكري في الشرق الأوسط. وانتقد جميع المرشحين ترامب؛ لانسحابه من اتفاق 2015، انتقاداً حاداً.
إذ قالت إيمي كلوبوشار خلال مناظرة بين الديمقراطيين في أوائل شهر يناير/كانون الثاني، إنه "بسبب دونالد ترامب"، عادت إيران مجدداً لتخصيب اليورانيوم وأصبح الشرق الأوسط يشهد "تصعيداً خطيراً". وأضافت أنها "ستبدأ المفاوضات مرة أخرى" مع إيران، بهدف تغيير الاتفاق النووي بشأن قضايا مثل تاريخ انتهائه ومستويات التفتيش في المواقع النووية الإيرانية. وتتوافق التحسينات التي اقترحها إيمي كثيراً مع بعض الانتقادات التي وجهتها "أيباك" إلى الاتفاق عام 2015.
في حين عبَّر بوتيجيج عن وجهة نظر مماثلة، العام الماضي، في بيان مكتوب إلى مجلس العلاقات الخارجية، قال فيه: "إذا استأنفت إيران تنفيذ التزاماتها، فعندئذ سأعود إلى الاتفاق. لكنني سأعتبر أن الاتفاق بداية وليس نهاية". وأضاف بوتيجيج أنه "يرغب في التوصل إلى اتفاقات ملحقة تمدد الإطار الزمني لبعض القيود النووية، وتتناول برنامج الصواريخ الإيراني، ودورها في النزاعات الإقليمية، وكل ذلك مقابل تخفيف العقوبات".
غير أن بوتيجيج حرص على انتقاد ترامب، واصفاً انسحاب الرئيس من الاتفاق الحالي بأنه "خطأ استراتيجي"، وقال "إننا لم نعقد الاتفاق لمصلحة إيران؛ وإنما عقدناه لأنه كان في مصلحة أمننا القومي".
وقد عارض بلومبيرغ الاتفاق الإيراني عام 2015 عندما كان عمدةً سابقاً مستقلاً، وكانت مشاركته السياسية الرئيسية تتمثل في تقديم التشريعات للحد من العنف المسلح. أما موقفه الحالي فهو أن الولايات المتحدة يجب أن تفرض بعض التغييرات الرئيسية في الاتفاق.
وقد عبَّر عن ذلك، العام الماضي، بقوله: "بعد العودة إلى الاتفاق مرة أخرى، وللحفاظ على دوام أي ترتيب جديد، يتعين علينا أيضاً أن نكون مستعدين لمعالجة أوجه القصور الأخرى في الصفقة، مثل الحاجة إلى تمديد بنود انقضاء الاتفاق سريعة الاقتراب، والحد من الصواريخ الباليستية الإيرانية، ووضع حد للأنشطة الإقليمية المُزعزِعة للاستقرار، وتكثيف إجراءات المراقبة".
وأضاف بلومبيرغ أن "الاتفاق لم يكن مثالياً؛ فهو لم يتناول برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، وأعطى النظام غطاءً سياسياً لتكثيف عُدوانه في المنطقة، لكن الولايات المتحدة كانت ملزمة بالحفاظ على كلمتها فور سريان الاتفاق".
في حين قالت إليزابيث وارن لمجلس العلاقات الخارجية، العام الماضي: "إذا عادت إيران إلى الامتثال لالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي، فينبغي للولايات المتحدة أن تعود كذلك". لكنها أضافت أن اتفاقية عام 2015 "ليست سوى البداية. فسنحتاج التفاوض على اتفاق لاحق يواصل تقييد برنامج إيران النووي بعد (انقضاء) بعض شروطه الأصلية. ويتعين علينا أيضاً معالجة المخاوف الخطيرة من سياسات إيران في غير برنامجها النووي، مثل برنامج الصواريخ الباليستية ودعم وكلائها الإقليميين المزعزعين للاستقرار".
وقال بايدن، الذي كان جزءاً من إدارة أوباما التي تفاوضت على الاتفاق الأصلي: "إذا عادت إيران مجدداً إلى الامتثال لالتزاماتها النووية، فسأعاود الدخول في الاتفاق، الذي سأعتبره نقطة انطلاق للتعاون مع حلفائنا في أوروبا وقوى العالم الأخرى لتمديد القيود النووية للاتفاق… وسأعمل أيضاً على تجديد الإجماع الدولي على سياسة أمريكا تجاه إيران -والتزام مضاعف بالدبلوماسية- للتصدي بشكل أكثر فاعليةً لسلوك طهران الخبيث الآخر في المنطقة".
بيرني، وإيمي وكل ما هو مشمول بينهما
ساندرز هو المرشح الوحيد الذي قال صراحةً: "سأعود إلى الاتفاق في اليوم الأول من رئاستي". لكنه أضاف أنه "سيتعاون بعد ذلك مع الحلفاء، لمزيد من التدابير الإضافية المستندة إلى الاتفاق؛ لسد أي طريق لامتلاك سلاح نووي، وكبح الأعمال الهجومية الإيرانية في المنطقة، وإقامة توازن استراتيجي جديد في الشرق الأوسط".
ربما يكون موقف ساندرز هو أكثر ما قد يثير استنكار إسرائيل، على الأغلب بسبب وعده بالعودة إلى اتفاق عام 2015 في اليوم الأول من رئاسته، دون أي شروط أو إلزامات للإيرانيين. إلا أنه سيكون من الصعب على أي مسؤول إسرائيلي أن يعارض موقف إيمي كلوبوشار -بدء مفاوضات جديدة مع إيران- لأنه لن يختلف كثيراً عن نية ترامب المعلنة بالسعي إلى اتفاق جديد مع طهران.
أما فيما يتعلق بمواقف جميع المرشحين الآخرين، فمن الصعب توقع ما ستفعله الحكومة الإسرائيلية، لا بسبب ما قاله هؤلاء المرشحون فحسب، ولكن لأنه ليس من الواضح من سيكون رئيس الوزراء بعد انتخابات 2 مارس/آذار، وأي الأحزاب ستكون في الائتلاف الحاكم. وإذا ظل نتنياهو رئيساً للوزراء، فسيخضع أي تعليق يدلي به للتحليل من منظور سياسي، بفضل الدعم الاستثنائي الذي تلقاه من ترامب خلال الدورات الانتخابية الثلاث لإسرائيل، العام الماضي.
والنهج المفضَّل لدى نتنياهو هو نهج إدارة ترامب، التي تصر على أنه ينبغي للولايات المتحدة ألا تعيد النظر في اتفاق عام 2015، ويجب التفاوض على اتفاق جديد تماماً. لكن هذا لا يعني أن إسرائيل وإدارة ترامب اتفقتا دوماً في نظرتهما إلى إيران. ففي الخريف الماضي، عندما كان ترامب يعرب عن رغبته الشديدة في بدء مفاوضات مباشرة مع إيران، دفعت إسرائيل بأن هذا سيكون خطأ وسيخفف الضغط على طهران تلقائياً.
وحتى بعد استهداف وقتل قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، الشهر الماضي، واصل ترامب الإعراب عن اهتمامه بالتفاوض مع إيران. وأظهرت استطلاعات الرأي أن غالبية الأمريكيين يعارضون تدخلات عسكرية جديدة في الشرق الأوسط ويشعرون بالقلق من حرب جديدة مع إيران. ومن المحتمل أن يحذّر المرشح النهائي للحزب الديمقراطي الناخبين قبل نوفمبر/تشرين الثاني، من أن احتمالات الحرب مع إيران ستزداد إذا فاز ترامب بفترة أخرى.
يقول البروفيسور دوف واكسمان، رئيس برنامج الدراسات الإسرائيلية في جامعة كاليفورنيا (ولاية لوس أنجلوس)، لصحيفة Haaretz، إن أي تصريحات إسرائيلية حول موضوعات السياسة الخارجية الحساسة خلال عام الانتخابات يمكن أن يكون لها "تأثير خطير" على العلاقات بين إسرائيل والحزب الديمقراطي والجالية اليهودية في الولايات المتحدة.
وقال واكسمان: "هذا الأمر سيدق ناقوس الخطر بلا شك. وستتعرض إسرائيل لكثير من الانتقادات إذا ظهر انحيازها إلى طرف معين في الانتخابات. وقد ورَّط نتنياهو نفسه بالفعل في السياسات الداخلية الأمريكية خلال عهد أوباما. لذا، إذا هاجم نتنياهو مرشح الحزب الديمقراطي خلال الانتخابات المقبلة، فسيرى ذلك على أنه تصعيد لتدخله القائم منذ زمن".
وأضاف واكسمان أنَّ "الانتقاد الإسرائيلي قد يكون أكثر فاعلية إذا صدر عن مسؤولين أمنيين مجهولين؛ لأنه إذا صدر مباشرةً عن نتنياهو أو ديرمر فسيُعتبَر جزءاً من علاقة رئيس الوزراء الإسرائيلي مع ترامب. وسيقول الناس إنه يردُّ الجميل لترامب. لكن في جميع الأحوال، ستنفر إسرائيل الديمقراطيين إذا فعلت ذلك".
من جانبه، أعرب دان شابيرو، السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل، في تصريح لصحيفة Haaretz الإسرائيلية، عن اعتقاده أنَّ العودة إلى الاتفاق النووي مع المطالبة بإجراء تغييرات وتحديثات عليه هي الاستراتيجية الصحيحة التي ينبغي أن تتبعها الإدارة القادمة.
وقال شابيرو: "مر زمن منذ 2015، والظروف التي وُقِّع فيها الاتفاق لم تعد ظروف اليوم نفسها. لكن هدف منع إيران من بناء أسلحة نووية لم يتغير. وهذا يوحي بأنَّ العودة للاتفاق بالصيغة نفسها التي كان عليها في 2015 أقل واقعية من تحديثه، وتقويته ومد فترة سريانه".
وأضاف شابيرو أنَّ "أغلب المرشحين الديمقراطيين يدركون مزايا الاتفاق، لكن عليهم أن يتذكروا أيضاً أنَّ إيران ردَّت على انسحاب ترامب من الاتفاق باستئناف الأنشطة النووية. وسيتعين على الرئيس المقبل الاستجابة لواقع جديد. لذا من الجيد أنَّ المرشحين يصفون استراتيجية من شأنها تعزيز مزايا الاتفاق وإطالة أمدها، بدلاً من العودة ببساطة للاتفاق مثلما هو".