قَلَبَ حزب "البديل من أجل ألمانيا"، المناهض للاتحاد الأوروبي والمناوئ للهجرة والمعادي للإسلام، الحياة السياسية الرصينة عادةً في البلاد رأساً على عقب، الأمر الذي يُظهِر أنَّ أكبر اقتصاد في أوروبا ليس منيعاً في مواجهة الشعبوية التي تغلغلت في جيرانه بالاتحاد الأوروبي، كما تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية.
وتعهَّد المحافظون الذين تتزعمهم المستشارة أنجيلا ميركل وأحزاب التيار الرئيسي الأخرى بعدم التعاون مع "حزب البديل"، حتى بعدما بَرَزَ باعتباره ثالث أكبر قوة سياسية في البلاد بعد الانتخابات العامة لعام 2017. لكنَّ دوره المحوري في اختيار الحاكم الجديد لولاية تورينغن شرقي البلاد، -حيث تحدَّى القادة من حزب ميركل الحظر الذي فرضته المستشارة على التعاون مع حزب البديل- يُهدِّد من جديد بدفع ائتلافها الحكومي إلى نقطة الانهيار.
1- ما أصول حزب البديل من أجل ألمانيا؟
تأسس الحزب عام 2013 على يد اقتصاديين وسياسيين سابقين كانوا ضد دعم ميركل لحزمة المساعدة المالية لليونان عقب الأزمة المالية العالمية. وحثَّ الحزب على "تفكيك اليورو لصالح العملات الوطنية أو تحالفات العملات الأصغر (نطاقاً)"، و "الإفلاس السيادي المنظم" لدول منطقة اليورو ذات الديون العالية، على أن تدفع جهات الإقراض الخاصة التكلفة. حاز الحزب زخماً في خضم حالة من السخط الواسع من سياسة ميركل تجاه الهجرة، التي أدَّت لفتح الباب أمام أكثر من مليون لاجئ وصلوا إلى ألمانيا بعد عام 2015 خلال أزمة مرتبطة بالحرب الأهلية السورية.
2- ماذا حدث في تورينغن؟
على الرغم من تعهُّدات الأحزاب الأخرى بعدم التعاون مع حزب البديل، تمكَّن الحزب من الاضطلاع بدورٍ محوري في اختيار البرلمان الإقليمي في الولاية للحاكم المقبل لتورينغن في الخامس من فبراير/شباط، وهي المرة الأولى التي يجري فيها اختيار رئيس وزراء الولاية (وهو الحاكم) بمساعدة حزب البديل من أجل ألمانيا.
ساعد حزب البديل من خلال سحب مرشحه ليتبقى مرشحان فقط في التصويت، ثُمَّ أقدم على دعم توماس كيمريش المنتمي للحزب الديمقراطي الحر المنادي بحرية التجارة، ودَعَمَ أعضاء بحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الذي تنتمي إليه ميركل أيضاً كمريش، في مخالفة لأوامر إدارة الحزب. حرم انتصار كمريش رئيس وزراء الولاية المنتهية ولايته والمنتمي لحزب اليسار المناهض للرأسمالية، بودو راميلوف، من الفوز بولاية ثانية.
أثارت النتيجة حالة من الغضب، ووصفتها ميركل بأنَّها أمر "لا يُغتَفَر"، وحدد شركاؤها في الائتلاف الحكومي موعداً لعقد اجتماع أزمة من أجل بحث النتائج، ما وضع زعيمة حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي أنغريت كرامب-كارنباور، وهي الشخصية التي اختارتها ميركل خليفةً لها، تحت ضغوطٍ أكبر. وبعد يوم من التصويت، قال كمريش إنَّه سيتنحى من رئاسة وزراء الولاية وسيسعى لإجراء انتخابات جديدة.
3- لماذا لن تعمل الأحزاب الأخرى مع حزب البديل من أجل ألمانيا؟
بعد مرور 75 عاماً على نهاية الحرب العالمية الثانية، لا تزال ذكريات حقبة هتلر تلاحق أحزاب التيار الرئيسي في ألمانيا، وهذه حذرت الأحزاب من التقدُّمات التي يحققها اليمين المتطرف. وهناك قوى معتدلة داخل حزب البديل تنادي بتبنّي صورة تقليدية أكثر للحزب.
لكنَّ الشخصيات من خارج التيار الرئيسي لا تزال هي التي تحدد صورة الحزب. فبيورن هوكه، زعيم حزب البديل من أجل ألمانيا في ولاية تورينغن، شخصية سيئة السمعة من الجناح اليميني القومي المتشدد وتصدَّر عناوين الأخبار بسبب مهاجمته عُقدة تحميل ألمانيا جُرم المحرقة اليهودية "الهولوكوست"، وأشار إلى أنَّ النصب التذكاري للمحرقة في برلين يمثل "نُصباً مُخزياً". وأصدرت محكمة ألمانية في سبتمبر/أيلول الماضي حكمها بأنَّه يمكن قانوناً وصف هوكه بـ "الفاشيّ".
4- ما مدى قوة حزب البديل من أجل ألمانيا؟
فاز الحزب بـ94 مقعداً من أصل 709 مقاعد في البرلمان الألماني (البوندستاغ) في الانتخابات التي جرت في سبتمبر/أيلول 2017، بعد فوزه بـ13% من الأصوات، ليصبح بذلك أول حزب يميني متطرف يدخل الغرفة السفلى من البرلمان الألماني منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وأصبح أكبر حزب معارِض في البوندستاغ، متفوقاً على الحزب الديمقراطي الحر، وحزب اليسار، وتحالف الخُضر، ولو أنَّه لا يزال مُتخلِّفاً كثيراً وراء تحالف حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي/حزب الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي المحافظ الحاكم وشريكهما في الحكومة الائتلافية، الحزب الاشتراكي الديمقراطي. ويحظى حزب البديل كذلك بتمثيل في برلمانات كافة ولايات ألمانيا الـ16 وفي البرلمان الأوروبي.
5- ما أهدافه؟
دعا برنامج الحزب لعام 2017 إلى إغلاق حدود ألمانيا من أجل وقف "الهجرة الجماعية غير المنظمة"، وإعادة صياغة قواعد اللجوء السياسي الليبرالية في ألمانيا، والدعوة لعقد استفتاء من أجل إعادة العُملة الألمانية الخاصة، ورفع العقوبات عن روسيا.
ودعا الحزب الحكومة للطعن في عمليات شراء السندات التي قام بها البنك المركزي الأوروبي في السابق أمام المحاكم، والسعي لوضع حد لمزيد من شراء الأصول. ويزعم حزب البديل من أجل ألمانيا أنَّ برنامج البنك المركزي الأوروبي "الضخم" لشراء السندات، الذي ساعد على بقاء عُملة اليورو في ذروة أزمة الديون، تجاوز الحدود التي وضعتها المحكمة الدستورية الألمانية. وينفرد حزب البديل كذلك بين الأحزاب الألمانية بتشكيكه في التغيُّر المناخي.
6- مَن يدير الحزب؟
يشترك في قيادة الحزب كل من يورغ مويتن، وهو أستاذ اقتصاد من ولاية بادن فورتمبيرغ جنوبي ألمانيا، وتينو شروبالا، وهو تاجر ومُشرِّع من ولاية ساكسونيا. حوَّل مويتن تركيزه من انتقاد البنك المركزي الأوروبي إلى مهاجمة سياسة ميركل تجاه الهجرة.
ويتولى قيادة الكتلة البرلمانية للحزب في البوندستاغ كل من ألكسندر غاولاند، الذي ساعد في إدارة مستشارية ولاية هيسي حين كان عضواً بحزب ميركل، وآليس فايدل، وهي مستشارة حاصلة على درجة الدكتوراه في إدارة الأعمال.