عاد التنافس العسكري بين الجزائر والمغرب للواجهة مجدداً.
واحتلت الجزائر على مدى سنوات موقع الزعامة في منطقة المغرب العربي، وسخَّرت ثرواتها الباطنية لبناء أقوى جيش في المنطقة. لكنَّها تواجه تحدياً متنامياً من منافسها القديم إلى جهة الغرب منها، المغرب، الذي يأمل أن يستغل الاضطرابات التي تشهدها جارته من أجل انتزاع رداء التفوق الإقليمي.
لكنَّ جهود المغرب المتضافرة لإزاحة الجزائر من موقعها باعتبارها القوة العسكرية الرائدة في المنطقة لا تأتي دون مخاطر، لأنَّها قد تشعِل التوترات الكامنة بين الجارين، وتذكي انعدام الاستقرار الإقليمي أكثر، حسبما ورد في تقرير لمركز Stratfor الأمريكي.
صراع ممتد وحرب واحدة
يُعَد المغرب والجزائر منافسين جيوسياسيين تقليدياً في منطقة المغرب العربي. مع ذلك، تجنَّب كلا البلدين بلوغ مرحلة الأعمال العدائية المفتوحة، وركَّزا بدلاً من ذلك على الأولويات الداخلية على مدار العقود القليلة الماضية. لكنَّ بروز سباق تسلح متنام قد يُفاقِم التنافس بينهما ويُقلِّص أكثر من احتمالية حدوث تقارب في العلاقات.
بعد فترة ليست بالطويلة من حصول المغرب (1956) والجزائر (1962) على استقلالهما، خاض البلدان حرباً بسبب مشكلات حدودية، وحتى اليوم، لا تزال الحدود البرية الطويلة بينهما مغلقة، في دلالة رمزية على انعدام الثقة والعداء المستمر بينهما.
والأكثر من ذلك أنَّ الرباط والجزائر لا تزالان منخرطتين في صراعٍ طويل بشأن وضعية الصحراء الغربية، وهي منطقة يسيطر عليها المغرب، ولطالما حظيت مساعي المنطقة لنيل الاستقلال عن الرباط بالدعم الجزائري.
الجزائر أكبر مستورد للسلاح في إفريقيا
وبالنظر إلى هذا التنافس الجيوسياسي، ظلَّ البلدان مستعدين لنزاعٍ محتمل، ما قاد كلاً منهما إلى البحث عن استراتيجيات لتحسين الدفاع عن نفسيهما في مواجهة بعضهما البعض. في حالة الجزائر، استغل القادة في العاصمة الجزائر ثروات البلاد من الطاقة لتعزيز قوة الجيش، ما جعل منها واحداً من أكبر مستوردي السلاح في إفريقيا.
من الناحية الأخرى، افتقر المغرب إلى وجود موارد الهيدروكربون اللازمة لتمويل الإنفاق العسكري، ما كان يعني تقارب البلد مع الولايات المتحدة وفرنسا ودول الخليج العربية مثل السعودية من أجل الدعم الدبلوماسي والمساعدة العسكرية.
الرباط تغير تحالفاتها بسبب الأزمة القطرية
اتبع المغرب والجزائر هاتين الاستراتيجيتين المنفصلتين على مدار العقدين المنصرمين، ما عزَّز حالة من التوازن إلى حدٍ كبير بينهما، وإن لم تكن مستقرة. لكنَّ حدوث تغيُّر في ميزان القوة ربما يكون جارياً على قدمٍ وساق الآن. فالجزائر تواجه ضغطاً اقتصادياً متزايداً واضطراباً داخلياً على مدى السنوات الست الماضية، لاسيما منذ انهيار أسعار الطاقة عام 2014، وتعافيها البطيء وغير المكتمل منذ ذلك الحين.
في الوقت نفسه، وجد المغرب نفسه في خلافٍ دبلوماسي محتدم مع شركائه الاقتصاديين التقليديين، السعودية والإمارات، بسبب محاولاته انتهاج موقف حيادي في خلاف البلدين مع قطر.
ومع أنَّ المغرب أصلح بعض هذه العلاقات منذ ذلك الحين، مثَّل الخلاف بالنسبة للرباط صرخة تنبيه في ما يتعلَّق بالهشاشة المحتملة لتحالفتها.
وقرر الاعتماد على الذات
دفعت هذه المخاوف، مقترنةً بثقة المغرب المتنامية في ظل سعيه لتوسيع قوته ووزنه الاقتصادي في أرجاء إفريقيا، البلد إلى أن يصبح أكثر طموحاً بشأن تحسين قدراته العسكرية الداخلية والاعتماد على النفس.
في هذا السياق، أعلن المغرب لأول مرة عن مسعى لتحقيق "السيادة العسكرية الإقليمية" في 2017. ومنذ ذلك الحين، خصَّص نحو 20 مليار دولار لهذا المسعى، فأبرم العديد من عقود السلاح المهمة مع بلدان مثل الولايات المتحدة وفرنسا لشراء طائرات F-16 المقاتلة، ومروحيات AH-64E الهجومية، ودبابات M1A1 القتالية، ومدافع هاوتزر من طراز Caesar ذاتية الحركة، ومنظومات صواريخ VL-MICA أرض-جو. وكجزء من هذا المسعى، استثمر المغرب كذلك في قاعدة الإنتاج العسكري المحلي الناشئة.
أيهما المتفوق عسكرياً؟
لكنَّ طريق المغرب نحو الهيمنة العسكرية الإقليمية في منطقة المغرب العربي لن يكون سهلاً.
فالجزائر استثمرت بقوة في المشتريات العسكرية على مدى عدة عقود، ولا تزال تحتفظ بأفضليات كبيرة على المغرب في مجالات عدة.
على سبيل المثال، تتمتع الجزائر بأفضلية كَميّة كبيرة في الطائرات المقاتلة ومروحيات النقل، والمضادات الجوية المتمركزة على الأرض، والغواصات.
في المقابل لا يمتلك المغرب أي غواصة، لكنَّه يفكر في شراء بعضها من أجل سلاح البحرية.
كما أن لدى الجزائر مخزوناً أفضل بشكل عام من المركبات وناقلات الجند المدرعة لدعم المشاة.
وهذه نقاط القوة لدى المغرب
ومن المؤكد أنَّ المغرب يتمتع ببعض الأفضليات على جارته الشرقية، بما في ذلك التدريب الأفضل بين قواته والأفضلية في سلاح المدفعية، لكنَّ الجيش الجزائري يواصل التمتع بالأفضلية العامة.
ويمكن لعقود الرباط الجديدة، والاستثمارات الأخرى المتوقعة في السنوات المقبلة، أن تُمهِّد الطريق أمام المغرب ليصبح القوة العسكرية المهيمنة في منطقة المغرب العربي، لكن من شبه المؤكد أنَّ هذا سيدفع الجزائر لاستثمار المزيد في المشتريات والتحديث العسكري.
ومن المرجح أن يُطلِق هذا في نهاية المطاف سباق تسلح في المنطقة يتسبب في إذكاء حالة انعدام الثقة، والتنافس، والعدائية الحالية بين الجارين بصورة أكبر، الأمر الذي سيؤدي إلى المزيد من انعدام الاستقرار الإقليمي.