تشير الإحصاءات إلى وجود شابٍ عاطل عن العمل من بين كل ثلاثة شبان جزائريين، ويُعَد الشاب الجزائري رابح، وهو خريج جامعي حاصل على شهادة في التسويق، واحداً من أولئك العاطلين. وبينما كان رابح يتبادل أطراف الحديث مع أصدقائه كالمعتاد في حي باب الواد الجزائري، الذي ينتمي معظم سكانه إلى الطبقة العاملة، ابتسم ابتسامةً ساخرة حين سُئِل عمَّا إذا كان يريد العمل في المجال الذي درسه في الجامعة.
أعلى نسب البطالة بين الشباب في العالم
يقول رابح الشاب البالغ من العمر 25 عاماً لصحيفة Financial Times البريطانية: "في الجزائر، تدرس مجالاً وتعمل في مجالٍ آخر. لقد شغلت وظائف صغيرة في العديد من المجالات، إذ ساعدت والدي في العمل في مجال المساحة، وعملت في غسيل السيارات، ومجال التسويق عبر الهاتف".
وفي معظم أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يجد خريجو المدارس والجامعات صعوبةً في الحصول على فرصة عمل في منطقةٍ تضم مجموعةً من أصغر سكان العالم سنَاً ولديها واحدةٌ من أعلى نسب البطالة بين الشباب في العالم.
فيما يُحذِّر الخبراء من أنَّ الضغوط الديموغرافية ستزداد بالتأكيد، مما يجعل الوضع الراهن غير قابل للاستمرار. وإذا استمر هذا المنوال، فستحتاج منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى توفير أكثر من 300 مليون وظيفة بحلول عام 2050، وفقاً للبنك الدولي.
شباب مُصاب بخيبة أمل
تجدر الإشارة إلى أنَّ التحديات التي يواجهها الشباب في هذه المنطقة تتفاقم بسبب الاضطهاد السياسي والفساد المتفشي. ونتيجةً لذلك، كانت أصداء الربيع العربي التي بدأت في عام 2011- تتردد في جميع أنحاء المنطقة خلال العام الماضي 2019.
إذ اندلعت احتجاجاتٌ مناهضة للحكومات في مصر والسودان وإيران. وأجبر المتظاهرون في الجزائر والعراق ولبنان قادة هذه الدول على التنحِّي من مناصبهم، لكنَّ الاحتجاجات استمرت بقيادة شبابٍ مُصاب بخيبة أمل.
ونستعرض هنا بعض القصص من بين السطور لأبناء جيلٍ ذي قدرٍ متزايد من التعليم والطموح والوعي بآخر التطورات يُطالب بالتغيير.
الجزائر: "الزواج والسكن مجرد حلم"
رابح، 25 عاماً
خريج عاطل عن العمل
يتمكن رابح من إيجاد بعض الوظائف الصغيرة بشكلٍ أو بآخر لكنَّه يقول إنَّ المشكلة الرئيسية في الجزائر أنَّ الرواتب صغيرة، بالإضافة إلى عدم وجود تأمين اجتماعي وأنَّ الوظائف ليست دائمة.
يتحدث عن ذلك: "حين عملت في التسويق عبر الهاتف في أحد مراكز الاتصالات، كان الراتب 20 ألف دينار جزائري شهرياً"، أي أقل من 120 دولاراً وفقاً لسعر السوق السوداء.
وأضاف: "أرأيتِ هذه الحُلَّة الرياضية التي أرتديها؟ تكلفتها تتجاوز الراتب، وإذا أضفت سعر السجائر والطعام والمواصلات، تكون النفقات أكثر بكثير". وذكر أنَّ الحد الأدنى الذي يحتاج إليه لتغطية نفقاته يبلغ ضعف الراتب الذي كان يتقاضاه، لذا توقَّف عن العمل ويواصل العيش مع والديه وشقيقيه الأصغر سناً في المنزل نفسه، كما هو شائع بالنسبة للشباب غير المتزوجين في جميع أنحاء المنطقة.
يقول رابح: "بعدما أستيقظ، أشرب القهوة وأدخِّن السجائر وأشاهد نتفلكس، ثم القهوة والسجائر ونتفلكس، وهكذا. والداي ليسا غاضبين منِّي لأنهما يعرفان مدى صعوبة الأمر".
حين ذهب الشعب الجزائري إلى صناديق الاقتراع في ديسمبر/كانون الأول الماضي لانتخاب رئيسٍ جديد، لم يُكلِّف رابح نفسه عناء التصويت، مثله مثل ملايين الجزائريين الساخطين الآخرين. إذ يقول: "أفراد الطبقة السياسية كلهم خونة، ووعودهم مجرَّد أكاذيب".
تجدر الإشارة هنا إلى أنَّ مثل هذه الشكاوى شائعةٌ في الجزائر، بينما يواصل الشباب الجزائري في البلاد الخروج إلى الشوارع للتعبير عن غضبه من المظالم الاقتصادية والفساد الحكومي وسوء الإدارة من جانب النخبة الحاكمة المدعومة من الجيش. فيما يتهم بعض النقاد النظام الحاكم بأنَّه يهدر المكاسب الكبيرة التي توفِّرها ثروات الجزائر الهائلة من الغاز الطبيعي بفشله في بناء اقتصادٍ متنوع يُمكنه توفير فرص عمل.
قال رابح متحدثاً عن المحسوبية في الحصول على الوظائف: "عليك أن تعرف شخصاً ما يعرف شخصاً ما. لا أريد سوى وظيفةٍ تغطي احتياجاتي اليومية. أمَّا الزواج والسكن في الجزائر، فهما مجرَّد حلم".
حاول رابح العثور على وظيفةٍ عبر وكالة توظيف حكومية، لكنَّه لم يستفد منها بأي شيء. وقال: "الدولة لا تبحث عنك إلَّا حين تريد منك أداء الخدمة الوطنية في الجيش". ومثل العديد من شباب شمال إفريقيا، يريد رابح الهروب إلى حياةٍ جديدة في أوروبا. لكنَّه لن يخاطر بركوب أحد قوارب المُهرِّبين عبر البحر المتوسط، معتقداً أنَّ ذلك خَطِرٌ جداً.
إذ قال متحدثاً عن ذلك: "هناك طرق أخرى، وإن كانت غير قانونية أيضاً، لكنَّها يمكن أن توصلك إلى هناك. إذ يمكن أن أذهب إلى المغرب وأجد طريقاً إلى منطقة سبتة الإسبانية، أو يمكنني الذهاب إلى تركيا ومن هناك إلى اليونان. سيكون ذلك أقل خطورة".
إيران: "أخشى فقدان وظيفتي"
إرميا، 26 عاماً
خريجةٌ حاصلة على ماجستير في تسويق الأدوية
تشغل إرميا وظيفةً جيدة في شركةٍ متخصصة في تسويق الأدوية المصنوعة في إيران، لكنَّها تشعر بالقلق. إذ تخشى فقدان وظيفتها قريباً في ظل ظروف الاقتصاد الإيراني المتعثر.
تقول عن ذلك: "أداء وظيفتي على نحوٍ جيد هو أولويتي القصوى في الحياة الآن. فأنا أخشى فقدان وظيفتي. هناك الكثير من الخريجين المتعلمين الذين يبحثون عن فرصة عمل في البلاد".
تجدر الإشارة هنا إلى أنَّ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وإعادة فرض عقوبات صارمة على الجمهورية الإسلامية بدءاً من عام 2018، تسبَّبا في انكماش الاقتصاد الإيراني. إذ تجاوزت نسبة البطالة 10%، فيما يبلغ معدل التضخُّم أقل بقليل من 40%.
قالت إرميا إنَّ ما يُهدِّئ روع مخاوفها إلى حدٍّ ما هو أن القيود الأمريكية سبَّبت طفرةً في المنتجات الإيرانية محلية الصنع. وأضافت أنَّ فخرها بإنجازاتها يُخفِّف من قلقها. إذ قالت: "حصلت على الماجستير، وأعمل في وظيفةٍ أحبها وأكسب مالاً، مما يجعلني مستقلةً عن أبي وإخواني وأي زوج مستقبلي".
تنتمي إرميا إلى عائلة من الطبقة الوسطى في العاصمة الإيرانية طهران. فوالدتها ربة منزل، بينما يعمل والدها، وهو متقاعد كان يعمل في طهران، سائق سيارة أجرة حالياً لأنَّ راتبه التقاعدي لا يكفي لتغطية نفقاته.
بالنسبة للإيرانيين العاديين، فالعثور على وظيفة ذات راتبٍ جيد يُعد إنجازاً في حد ذاته، لأنَّ هذه الوظائف غالباً ما تكون صعبة المنال دون وجود علاقاتٍ مع أفراد النخبة الحاكمة. إذ تتذكر إرميا مدى الاكتئاب الذي أصيبت به حين كانت عاطلةً عن العمل بعد تخرُّجها في الجامعة في عام 2015.
ثم حصلت في نهاية المطاف على وظيفة مُدخِل بيانات رأتها في أحد الإعلانات المبوبة. وقد ساعدتها تلك الوظيفة على دفع رسوم الحصول على درجة الماجستير في الإدارة الصناعية من جامعة آزاد الإسلامية في طهران، البالغة 200 مليون ريال إيراني (حوالي 4760 دولاراً). ثم وصلت إلى وظيفتها الحالية بالتقدُّم إليها عبر الإنترنت.
وصحيحٌ أنَّ إرميا لم تعد مكتئبة، لكنَّها تشعر بخيبة أمل إزاء حياتها في إيران وتعتقد أنها ستضطر إلى تأخير الزواج والأطفال. إذ قالت: "أكسب 3.5 مليون تومان إيراني فقط (حوالي 833 دولاراً بسعر الصرف الرسمي) شهرياً.. ربما يكون هذا المبلغ كافياً (لتكوين أسرة) يوماً ما، لكنَّ هذا مستحيل في المستقبل القريب".
أشارت إرميا إلى أنَّ السبب الأكبر وراء المشكلات الاقتصادية في البلاد هو "الحُكَّام غير الأكفّاء" وليس العقوبات. إذ قالت: "في الوقت الذي ترتفع فيه الأسعار وتتزايد تكاليف المعيشة، يُنفِق حكامنا غير الأكفَّاء أموالنا على حلفائهم الإقليميين في سوريا ولبنان"، في إشارة إلى سياسة إيران الخارجية المتمثلة في تمويل وكلائها من الجماعات المسلحة.
وبالرغم من شعور إرميا بالإحباط تجاه الوضع الحالي، لا تميل إلى المشاركة في الاحتجاجات المناهضة للحكومة أو السفر إلى الخارج. وتقول عن ذلك: "الكثير من الشباب يحلمون بالذهاب إلى بلدٍ مثل كندا أو ألمانيا أو الولايات المتحدة. ولكن كيف أشعر بالسعادة في بلدٍ آخر بينما يعيش والداي وأقربائي هنا في إيران؟ جذوري موجودة هنا".
مصر: "هؤلاء المتظاهرون شبابٌ يحتاجون إلى العمل"
إسلام، 20 عاماً
خريج وعامل عَرَضي
لا يمكن لأحد أن يتهم إسلام بأنَّه كسول لأنَّه يبحث عن وظائف بدوام جزئي، مع أنَّه يعيش على الكفاف بالأجر القليل الذي يكسبه.
تخرَّج الشاب، الذي يبلغ من العمر 20 عاماً ويعيش في وسط القاهرة، من مدرسة فنية منذ ثلاث سنوات، لكنَّه لم يتمكن من العثور على عمل دائم. ويقول عن ذلك: "أعمل نادلاً في المقاهي في بعض الأحيان، وأحاول تسويق الملابس الداخلية من أحد المصانع لمتاجر وسط المدينة، وأمضيت فترةً في العمل مُساعداً لدى أحد النجارين".
في العام الماضي 2019، افتتح محلاً صغيراً مع أحد أصدقائه لبيع الحُلِي الرخيصة مثل الأقراط والسلاسل والأساور اليدوية التي صنعها بنفسه، لكنَّه اضطر إلى إغلاقه بعد ثلاثة أشهر. وقال عن ذلك: "لم أستطع تحمُّل نفقات الإيجار، وصديقي قرَّر الانسحاب من المشروع".
ربما كان من الممكن للشهادة التي حصل عليها في مجال الإلكترونيات أن تجعله يعثر على وظيفةٍ لو أنَّه حضر التدريب العملي مدفوع الأجر الذي تُقدِّمه المدرسة بعدما أنهى دراسته الرسمية. لكنَّ الأجر كان ضئيلاً للغاية، فاضطر إسلام إلى إيجاد عملٍ لدعم والدته الأرملة وشقيقه الأصغر.
يقول: "عملت فرد أمن في أحد المراكز التجارية لمدة شهر. وكان العمل 12 ساعةً في اليوم، لكنني اضطررت إلى تركه لأنَّ تكاليف المواصلات اللازمة للذهاب إلى هناك كانت تجعل الجزء المتبقي من الراتب ضئيلاً".
لذا يحاول إسلام الآن التمسُّك بالعمل في منطقة وسط المدينة في القاهرة، حيث تعيش أسرته، لتجنُّب دفع تكاليف النقل والغداء. ويعمل الآن عاملاً عَرَضياً في ترتيب واجهات العرض في المحلات مقابل حوالي 10 دولارات يومياً. ويقول عن ذلك: "مهما كان العمل الذي أحصل عليه، لا أستطيع أبداً الحصول على أكثر من 125 دولاراً في الشهر".
وحين خرج مئات المصريين إلى الشوارع في احتجاجاتٍ مناهضة للحكومة في سبتمبر/أيلول الماضي، اختار إسلام عدم المشاركة. وقال: "لكنني شاهدت من الشارع الواقع تحت منزلي، وكنت متعاطفاً مع المتظاهرين. فهؤلاء شبابٌ يحتاجون إلى عمل".
وكان حوالي 20 من أصدقائه من بين أكثر من 4 آلاف شخص احتُجِزوا في حملةٍ قمعية حكومية واسعة النطاق سحقت المظاهرات.
ويحلم إسلام الآن بفتح متجرٍ لبيع الأحذية الرياضية، لكنَّه لا يملك المال الكافي لذلك. ويتمنَّى كذلك أن يستطيع الادِّخار كي يتمكن من السفر إلى دبي للانضمام إلى أحد أصدقائه والذي يعمل في مطعمٍ مصري هناك مقابل رواتب أعلى ممَّا يمكنه الحصول عليها في مصر. إذ قال عن ذلك: "إذا استطعت الحصول على وظيفةٍ هنا، فيمكنني الادِّخار لمدة عام حتى أتمكن من دفع التكاليف اللازمة للسفر إلى هناك".
العراق: نريد الكرامة
هِجران (18عاماً)
انقطعت عن الدراسة ولا تعمل
عاشت هجران في خيمة لأسابيع، رغم أن منزل أسرتها يستقر على بعد بضعة أميال فقط. تمضي هذه الفتاة البالغة من العمر 18 عاماً وعائلتها اليوم بطوله في طبخ الأرز والحساء لمئات المحتجين المتجهين إلى الساحة المركزية في بغداد، حيث تندلع المظاهرات ضد النخبة الحاكمة منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
تقول هجران: "نريد تغيير الحكومة بأكملها. ونريد أن نتمتع بظروف معيشية أفضل، مثل أي بلد آخر". وتعتبر العائلات المتدينة مثل عائلة هجران تقديم المساعدة مثل الطعام المجاني للمتظاهرين حسنة. أما هجران فتعتبر التطوع نوعاً من التغيير. إذ إنها تركت المدرسة قبل ثلاث سنوات وأصبحت تمضي معظم وقتها في المنزل من حينها.
وقالت إنها تركت المدرسة هي وأختها الصغرى بعد أن توقفت الدولة عن توفير كتب مجانية. ولم تستطع أسرتها تحمل نفقات شراء الكتب والزي المدرسي. وكان والدها يعمل نجاراً لكنه باع ورشته وبدأ يعمل سائقاً لسيارة أجرة. أما الطعام الذي تطبخه العائلة للمتظاهرين فيأتي من تبرعات متعاطفين آخرين مع الاحتجاجات.
بعد أن شاهدت هجران أشقاءها الخمسة الأكبر سناً وشقيقتها يكملون تعليمهم العالي دون أن يتمكنوا من الحصول على وظائف في النهاية، لم تبحث عن عمل. وتقول: "بعد أن تركت المدرسة، كنت أقضي معظم وقتي في المنزل. وحتى أولئك الذين تخرجوا من قبل، من الفتية والفتيات، يبقون في المنزل. ومن المؤكد أننا نحب أن نتمكن من الحصول على وظيفة، سواء في الحكومة أو أي وظيفة أخرى".
في المدرسة، كانت اللغة الإنجليزية هي مادتها المفضلة، لكنها لم تكن تعرف ما قد تفعله بمؤهلاتها. وتقول إنها ترغب في أن تؤدي عملاً اجتماعياً أو ربما في "الصحافة".
وصحيح أن المجتمع العراقي يتغير إلا أنه يظل مجتمعاً ذكورياً، ولا يزال تفكير هجران يتركز على الأسرة. وتقول: "يريد الشباب شيئاً واحداً: أن تكون أسرهم على ما يرام، وأن يتمتع آباؤهم بصحة جيدة، وأن يجد إخوتهم عملاً".
وتأمل هجران أن يؤدي الحراك الاحتجاجي إلى تغييرات تزيد فرص العمل والتعليم في البلاد. وتقول: "لقد عانى العراق الكثير من الظلم. ونريد الكرامة".
السعودية: "عندما نسمح بأشياء ضد تقاليدنا، نفقد هويتنا"
سارة (20 عاماً)
طالبة في الإدارة المالية
عندما فتحت السعودية ملاعب كرة القدم للسيدات للمرة الأولى منذ عامين، حصلت سارة القشقري على أولى تجاربها في العمل. ولأنها من عشاق كرة القدم النسائية، أقنعت المنظمين بالسماح لها بأن تكون واحدة من بين 180 متطوعاً يرشدون آلاف الأسر إلى مقاعدهم في ساحة مدينة الملك عبدالله الرياضية.
وترى سارة أن هذا التغيير دلالة على سعي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتخفيف بعض القيود الاجتماعية في محاولة لتحديث المملكة المُحافِظة. تقول سارة: "لقد كانت مقدمة لسعودية جديدة، لأنني سمعت عن التغيير والتحول الاجتماعي، لكنني لم أره فعلياً حتى ذلك الحين".
تعد سارة واحدة من ضمن العديد من الشباب السعودي الذين رحبوا بالتغييرات في السنوات الثلاث الماضية -مثل السماح بفتح دور السينما العامة والسماح للنساء بقيادة السيارات- حتى والأمير محمد متهم بتزعم نظام استبدادي متنام.
وتعاني البلاد أيضاً من نمو اقتصادي فاتر وارتفاع في معدل البطالة -خاصة بين الشباب والنساء- في ظل إدارة ولي العهد. وأضر مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول عام 2018 -والذي يتهم ولي العهد بأنه أمر به ونفذه عملاء سعوديون- بسمعة المملكة الدولية بشدة. إلا أن الأمير محمد نفى مراراً تورطه في القتل.
تعتقد سارة، التي كانت ترتدي عباءة وردية، وثوباً خارجياً فضفاضاً، وحجاباً متناسقاً لا يغطي شعرها بالكامل، أن هذه الإصلاحات تمنح الأفراد المزيد من الخيارات.
إلا أنها كانت مصحوبة أيضاً بحملات قمع شاملة ضد أي شكل من أشكال المعارضة. وكانت الناشطات من بين عشرات الأشخاص الذين اعتقلوا.
ولكن يبدو أن السياسة لا تشغل سارة، التي تدرس الإدارة المالية، كثيراً. وتقول: "بالطبع لا تعيش في العالم بمفردك وتتأثر بالقضايا السياسية من حولك، لكن المستقبل دائماً ما يشوبه الغموض".
وهي تعي سوء الأوضاع الاقتصادية لكنها متفائلة بأن خطط التنويع الحكومية ستؤتي ثمارها. وقالت: "أنا حقيقة لا أشعر بالقلق إزاء هذا الأمر لأنني أشعر أن السعودية تجتذب الاستثمارات.. وهي كافية لاستيعاب الجيل الجديد". واستشهدت بأمثلة مثل خطط إنشاء مدينة مستقبلية بقيمة 500 مليار دولار في شمال غرب المملكة ومنطقة ترفيهية خارج العاصمة الرياض.
تنتمي سارة لعائلة من الطبقة المتوسطة العليا في جدة، مما يعني أن العثور على عمل ليس مسألة حيوية بالنسبة لها كما هو الحال للعديد من الشباب. إذ يعمل والدها مديراً في شركة الخطوط الجوية العربية السعودية، فيما حصلت والدتها على درجة الماجستير في إدارة الأعمال في الولايات المتحدة قبل أن تستقر في المنزل لتربية الأبناء.
وتريد سارة العمل في مجال التعليم عندما تتخرج، وهو طموح تدعمه عائلتها. كما أنهم يدعمونها مالياً، فضلاً عن راتب الطالب الشهري الذي تتلقاه من الحكومة.
ومثل العديد من الشباب في السعودية، لا تزال سارة تفكر بشكل تقليدي، مما يعكس طبيعة البلاد المحافظة. وتقول: "عندما نبدأ في السماح بأشياء ضد تقاليدنا ومعتقداتنا، فهذا يجعلنا نفقد هويتنا".