واشنطن وبكين في “صراع الجبابرة”، بينما أوروبا تدفع الثمن في كل الأحوال

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/02/10 الساعة 08:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/02/10 الساعة 08:49 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني/رويترز

الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين في بداياته الفعلية والصدام يبدو قادماً لا محالة، وفي وسط ذلك الصراع توجد القارة العجوز أو أوروبا الممزقة بين محاولات الحفاظ على علاقات متوازنة بين العملاقين ورغبة واشنطن العارمة في استقطاب الأوروبيين لتبني رؤيتها، فما سيناريوهات هذا الصراع؟

مجلة ذا ناشيونال إنتريست الأمريكية نشرت تقريراً حول القصة بعنوان: "صراع الجبابرة عبر الأطلسي: علامَ سيكون القتال التالي بين أمريكا والصين؟"، أعده بيتر رودولف، أحد كبار الباحثين في "Stiftung Wissenschaft und Politik" المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، الذي التحق به عام 1988.

صراع عالمي يتشكل

على عكس ما قد يكون اجتماع حلف شمال الأطلسي (الناتو) أشار إليه في ديسمبر/كانون الأول الماضي، لن تصبح الصين الغراء الجديد الذي سيحافظ على تماسك التحالف، بل إن الصراع العالمي الناشئ بين الصين وأمريكا ينطوي على خطر زيادة الهوة بين الولايات المتحدة وأوروبا، لأن تصورات التهديد وردود الفعل على جانبي المحيط الأطلسي ستظل مختلفة.

ومن المؤكد أن التصور الأوروبي للصين في أوروبا قد تغير، إذ اتبعت السياسة الأوروبية مع الصين النهج التكاملي الليبرالي لفترة طويلة، وقد كان قائماً على التوقعات المتفائلة بأن الصين، في عملية التكامل، ستندمج اجتماعياً لتصبح طرفاً فاعلاً بنّاءً وبأن التحديث الاقتصادي سيؤدي إلى التحرر السياسي. إلا أن آمال التحرر السياسي تبددت. ونفوذ الصين في أوروبا وعليها يتجلى بوضوح. ويكون الموقف الموحد مستحيلاً في بعض الأحيان عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان أو مطالبات الصين في بحر الصين الجنوبي. فلم تعد أوروبا تعتبر الصين فرصة اقتصادية، وعبرت ورقة بحثية صادرة عن المفوضية الأوروبية في مارس/آذار عام 2019 عن وجهة نظر مختلفة، ووصفت الصين بأنها "شريك تعاون"، و "منافس اقتصادي" و "منافس نظامي يدعم نماذج بديلة للحكم"، حسب مجال السياسة. إلا أن وجهة النظر الأكثر تشككاً في الصين لا تعني أن نهج المحصلة الصفرية الذي تتبعه إدارة ترامب يحظى بشعبية كبيرة في أوروبا.

واشنطن ترى في صعود بكين تهديداً للريادة

يؤثر الصعود الصيني في الولايات المتحدة وأوروبا بدرجات مختلفة، فالولايات المتحدة من جانبها، أدى التنامي الفعلي والمتوقع للقوة الصينية إلى موجات من القلق فيها. إذ يُنظر إلى الصين على أنها تهديد طويل الأجل لمكانة الولايات المتحدة في قيادة العالم، والامتيازات الأمنية والاقتصادية الناتجة عن كونها القوة الأولى. ويختلط هذا الصراع على النفوذ مع عداء أيديولوجي أصبح مؤخراً أكثر بروزاً من الجانب الأمريكي، وذلك بالنظر إلى أنه من المغري تسليط الضوء على عمق الفروق الأيديولوجية لحشد دعمٍ محلي مستدام والاستعداد لمنافسة مكلفة وطويلة الأجل.

يبلغ تعداد الصين نحو 1.4 ميار شخص أي أكثر من 18% من سكان الأرض

هذا المزيج من التنافس على المكانة والاختلاف الأيديولوجي بمفرده يمنح متلازمة الصراع بينهما طابعها الخاص. ولـمّا كانت الولايات المتحدة والصين تنظران إلى بعضهما على أنهما خصمان عسكريان محتملان، فإن ديناميكيات المعضلة الأمنية تشكل العلاقة بين البلدين. ومع الصعود الصيني واعتبارها منافساً استراتيجياً عالمياً، فإن المنطق الاقتصادي أخذ يفسح المجال لمنطق السياسة الأمنية باهتمامه المتمحور حول التوزيع النسبي للمكاسب والعواقب السلبية للترابط الاقتصادي، لصالح الحفاظ على الأساس التكنولوجي للتفوق العسكري.

أوروبا ليست في صراع مع الصين

على الجانب الآخر، فليس ثمة صراع مكانةٍ ولا تنافس عالمي على النفوذ بين أوروبا والصين. علاوة على ذلك، لا توجد معضلات أمنية تتحكم في تشكيل العلاقة. وبالتالي، فإن المخاوف الأمنية لا تلقي بظلالها على جميع المجالات كما هو الحال في التنافس الاستراتيجي الصيني الأمريكي. ولا يمكن لأوروبا أن يكون لها تأثير كبير في هذا الصراع. ومع ذلك، فإن عواقب هذا الصراع قد تكون دراماتيكية عندما يتلاشى الترابط الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين، أو تظهر تكتلات اقتصادية أو مساحات اقتصادية مغلقة على أصحابها، وتبدأ صيرورة إلغاء العولمة الاقتصادية. خلال هذا الاستقطاب الثنائي للنظام الدولي، ستجد أوروبا نفسها في موقف صعب. إذ شيئاً فشيئاً سيزداد ضغط واشنطن على حلفائها لاتخاذ موقف في الصراع الصيني الأمريكي المتصاعد، والاصطفاف إلى جانب الولايات المتحدة على نحو واضح.

ولا شك أن الولايات المتحدة ستحاول دمج أوروبا في سياستها المواجهة للصين، وذلك لكي تمنع التكنولوجيا الأوروبية من تعزيز قوة المنافس العالمي. فالولايات المتحدة تريد أن تضمن مركز الريادة لنفسها في المنافسة التي يشهدها قطاع التكنولوجيا العسكرية فائقة الإمكانات مع الصين. ومن ثم فهي تنظر إلى حظر التقنيات المتقدمة كوسيلة لإعاقة وإبطاء التقدم التكنولوجي العسكري في الصين. وبدون دمج الحلفاء الأوروبيين في نظام مراقبة الصادرات التكنولوجية، فإن الصين يمكنها التوجه في عديد من المجالات إلى التقنيات المتقدمة في أوروبا. ولا يبدو واضحاً حتى الآن ما إذا كان ذلك سيعني، بالنسبة إلى الولايات المتحدة، العودة إلى نوع من لجان الرقابة المشتركة على الصادرات CoCom (لجنة التنسيق لضوابط التصدير المتعددة الأطراف) التي أقامتها الكتلة الغربية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في مواجهة الاتحاد السوفييتي.

الشركات الأوروبية الخاسر الأكبر

في لجنة تنسيق ضوابط الصادرات مُتعددة الأطراف "CoCom" التي أوقفت أنشطتها عام 1994، نسقت الولايات المُتحدة الأمريكية وحلفاؤها ضوابط تصديرية في مواجهة الدول الشيوعية خلال الحرب الباردة. كان حل اللجنة إيذاناً بانتهاء التنسيق الأطلسي بشأن السيطرة على التكنولوجيات المدنية والعسكرية المُقدمة إلى الصين. 

أما خليفة لجنة تنسيق ضوابط الصادرات، وهو اتفاق فاسينار بشأن الرقابة على صادرات الأسلحة التقليدية والسلع والتكنولوجيات ذات الاستخدام المُزدوج، الذي يُعد أكثر مرونة على المستوى المؤسسي، فهو لا يستهدف دولاً بعينها أو مجموعات من الدول. لم يكن لدى الحلفاء الأوروبيين مصلحة في فرض قيود على استخدام التكنولوجيات ذات الاستخدام المُزدوج في مجال التجارة مع الصين. استمرت الولايات المُتحدة الأمريكية في وضع ضوابط تصدير على الصين. بيد أنه مُنذ التسعينيات ارتأت واشنطن أن فرض ضوابط صارمة على التصدير لا يُمكن أن يضطلع إلا بدورٍ محدودٍ للغاية، وأن اتباع مثل هذا النهج الصارم سيؤدي إلى خفض الأرباح، وكذلك سيفعل بصورةٍ غير مُباشرة فيما يتعلق بقدرة الشركات الأمريكية على الابتكار. 

إذا أصبحت القيود المفروضة على الصادرات -كما يبدو- أكثر أهمية بالنسبة لسياسة الولايات المُتحدة تجاه الصين، حينها سيتوفر لواشنطن اختياران (لا يتعارض أحدهما مع الآخر) ينطويان على ضرورة إشراك دولٍ أخرى. فمن ناحية، يُمكن لواشنطن أن تُحاول وضع نظام مُتعدد الأطراف لمُراقبة الصادرات في ما يُفترض أنه مُباحثات جادة مع حلفائها. ومن الناحية الأخرى، بإمكان الولايات المُتحدة الأمريكية استخدام أذرع التحكم الخارجية لنظام الرقابة على الصادرات الخاص بها وقانون عقوباته لتُجبر الشركات الأوروبية على الاختيار بين السوق الأمريكية والصينية. وفي حالة إيران، فحكومة ترامب سبق بالفعل أن برهنت بوضوح على جدارتها لحلفائها. 

في حال توجّب على الشركات الأوروبية أن تختار بين الولايات المُتحدة والصين، سيكون لذلك عواقب أشد خطورة من تلك في حالة إيران. فالصين هي الشريك التجاري الأكثر أهمية بالنسبة لأوروبا بعد الولايات المُتحدة. إن أجبرت الولايات المُتحدة، بطريقةٍ أو بأخرى، أوروبا على تقليص علاقاتها التُجارية مع الصين على نحوٍ شديد، إذن فمن المُرجح جداً أن يؤدي هذا إلى صراع أطلسي مرير.

تحميل المزيد