في الوقت الذي يحاول فيه صناع السياسات الأمريكيون الإفاقة من صدمة الاقتراب من الدخول في الحرب مع إيران، عادت صيحة "الوقوف مع الشعب الإيراني" تنتشر في واشنطن، وأصبح إضعاف النظام الإيراني أو إسقاطه سيناريو يتردد في الأروقة السياسية الأمريكية خاصة بعد المظاهرات الإيرانية الأخيرة.
وتسيطر هذه الفكرة أيضاً على الكثير من الأمريكيين-الإيرانيين الذي انتابهم شعور حَذِر بالراحة لأنَّ تهديد الحرب الوشيكة دخل على ما يبدو إلى مرحلة توقف مؤقتة، لكنهم لا يزالون قلقين من معاناة عائلاتهم داخل إيران، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
الطريقة الواقعية والتي قد تكون الوحيدة لإضعاف النظام الإيراني هي صفقة ترامب
ولحسن الحظ، الطريقة الأمثل والأوقع تأثيراً التي يمكن أن تساعد الولايات المتحدة من خلالها في تحسين حياة الإيرانيين، بسيطة: إذا كانت واشنطن ترغب في مساعدة الإيرانيين، لا بد أن نعود للاتفاقية النووية، أو حتى نسخة عن الاتفاقية تحمل اسم ترامب إذا لزم الأمر.
وقد تبدو فكرة جلوس دونالد ترامب والإيرانيين إلى طاولة مفاوضات، والعودة إلى الاتفاقية النووية لعام 2015، مجرد أمنية بالنظر إلى ما حدث في الأسابيع القليلة الأولى من 2020. وكانت قد بَدَرَت بعض الدلالات الإيجابية قبل حلول العام الجديد -بما في ذلك شبه موافقة أولية على التفاوض في سبتمبر/أيلول، وعملية تبادل سجناء ناجحة في ديسمبر/كانون الأول- لكن الآفاق عادت اليوم لتبدو قاتمة كما كانت على الدوام.
ومع ذلك، نظراً للطبيعة المتقلبة للإدارة الأمريكية الحالية، فلنفترض جدلاً ما هو مستبعد؛ وهو أنَّ تحدث طفرة ويتفق ترامب وإيران على نسخة أحدث من خطة العمل الشاملة المشتركة التي تشبه الخطة الحالية لكن بفترة سريان أطول ورفع عقوبات أنجع. إذاً، ما الذي سيعنيه هذا للشعب الإيراني؟
كيف ستغير صفقة ترامب النووية حياة الإيرانيين؟
تسري اليوم بين الإيرانيين حالة حزن وغضب بعدما تسببت حكومتهم بإسقاط طائرة ركاب وقتل المزيد من الإيرانيين. إلى جانب ذلك، سئم الإيرانيون من الفساد ويشعرون بالإحباط مثلما يقولون من الوعكة التي أصابت الدولة.
وخاب أمل الكثيرين من فرص الإصلاح الداخلي أو أن يمثلهم النظام الحالي، بعد عقود من الزمان شهدت القضاء على كل بصيص أمل، مثل الاتفاق النووي، بسبب قوى خارجة عن سيطرتهم. وأصبح الإيرانيون عالقين بين مطرقة السياسة الأمريكية وسندان الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ولن تكون خطة عمل شامل مشتركة جديدة هي العصا السحرية التي تغير الأمور تماماً، لكن إذا نُفِذَت فعلياً، فستبدأ في تحرير الإيرانيين من هذا الضغط المزدوج وتحسين نمط الحياة في إيران تحسناً كبيراً على عدة أصعدة، والمساعدة في بدء مواجهة المشكلات الجذرية التي تقع في قلب إحباطات الكثير من الإيرانيين اليومية.
خطة أوباما فشلت قبل أن تبدأ
ولم تُنفَذ خطة العمل الشاملة المشتركة الأصلية بنجاح قط. وقد كان يوم دخولها حيز النفاذ قبل أربع سنوات، لكنه جاء قبل موعد التصويت في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري -عندما أخذ نجم دونالد ترامب يصعد، وتعهد جميع المرشحين البارزين بالتخلص من الاتفاقية النووية. ولم ترغب سوى قلة من البنوك والشركات المجازفة بالاستثمار في إيران، إذا كان الرئيس الأمريكي القادم سينهي الاتفاقية ويطرد الشركات مرة أخرى إلى خارج إيران.
وفي الوقت نفسه، شاب تخفيف العقوبات في الاتفاقية عيوباً هيكلية -لم يُفكك أي نظام عقوبات مماثل على الإطلاق تفكيكاً جزئياً بمثل هذه الطريقة، إلى جانب أنه كانت هناك أوجه قصور عملية تفصل بين نية رفع العقوبات وتنفيذ ذلك، التي أصبحت واضحة بمجرد بدء التنفيذ.
ونتيجة لذلك، بالرغم من رصد تحسن في مؤشرات الاقتصاد الكلي الإيراني في ظل خطة العمل الشاملة المشتركة، حدث ذلك لفترة قصيرة جداً وبهامش ضئيل للغاية، ومشوباً بحذر بالغ بسبب حالة عدم اليقين السياسي حتى إنَّ معظم الإيرانيين لم يشعروا بهذا التحسن.
ستعود الطبقة الوسطى الضرورية لأي ديمقراطية سواء أدى ذلك إلى إضعاف النظام الإيراني أم لا
ويمكن فعلاً لترامب، أو خليفته في الرئاسة، أن يدخل تحسينات إلى الاتفاقية النووية لباراك أوباما ويوفر للشعب الإيراني مكاسب اقتصادية حقيقية. لكن لن يضع ذلك نهاية للتحديات الأخرى، كما لن يُصلِح النظام الثيوقراطي القائم أو يتخلص منه. لكنه سيُمكِّن الكيانات الخاصة التي عانت في ظل العقوبات الاقتصادية، الذي كان المستفيدون الرئيسيون منه كيانات فاسدة تابعة للدولة.
إلى جانب ذلك، سيوفر القوة اللازمة لقمع الفساد المالي داخل إيران -وهي مهمة أخرى حلُم بها الإيرانيون لكنها لم تُنفذ أبداً بعد إجهاض الولايات المتحدة للصفقة. تظل الاتفاقية هي الخيار الأمثل، والضروري على الأرجح، لفتح مسارات للدبلوماسية الإقليمية للحد من التوترات والمخاوف الأمنية. وستوفر فرصاً لمعالجة قضايا ذات اهتمام مشترك والتعاون بشأنها، مثل التحديات البيئية.
وربما الأهم من ذلك، هو أنَّ العودة إلى الاتفاق سترفع الضغوط الأمريكية الخارجية، التي ولعقود من الزمن جاءت بنتائج عكسية تماماً في ما يتعلق باستقلال الشعب الإيراني، وشوهت الاقتصاد السياسي في إيران في ظل محاولات تقييد النظام الثوري.
إنَّ وضع حد للضغط والعزلة الخارجية سيفتح مجالاً جديداً للطبقة الوسطى والمجتمع المدني، اللذين يكونان دوماً أول ضحايا العقوبات، وهما ضروريان لأية حركة ناجحة لدعم حقوق الإنسان والديمقراطية.
هكذا أعطى ترامب قبلة الحياة للمتشددين الإيرانيين
وحتى خلال المتنفس في الفترة القصيرة بين خطة العمل الشاملة المشتركة الأولى وانسحاب ترامب منها، كانت هناك اتجاهات سياسية إيجابية لأولئك الذين أرادوا رؤية التطور السياسي في إيران بموجب الاتفاق؛ إذ فاز المعتدلون والإصلاحيون في الانتخابات البرلمانية عام 2016، فيما هُزِم المتشدد إبراهيم رئيسي بأغلبية ساحقة في الانتخابات الرئاسية لعام 2017.
لكن بعد انسحاب ترامب، شهدنا تحولاً للاتجاه المعاكس. إذ ارتقى رئيسي ليرأس السلطة القضائية القوية، واستُبعِد العديد من الإصلاحيين من الانتخابات البرلمانية لعام 2020، التي يعتقد الكثيرون أنها ستشكل عودة للسلطة المتشددة. وأصبح جهاز الأمن الإيراني أكثر جرأة وقمعاً؛ فقتل مئات الإيرانيين في الاحتجاجات التي انطلقت في نوفمبر/تشرين الثاني.
ما هي البدائل لعقد إتفاق نووي جديد؟
ربما تحطمت آمال الكثير من الإيرانيين والجاليات الإيرانية بالخارج في الاتفاقية النووية الأولى لدرجة يصعب معها تقبل إمكانية العودة إليها.
لكن مقارنة بالبدائل المقترحة لمعالجة المشاكل النظامية المتجذرة في الجمهورية الإسلامية -مثل: تزايد العقوبات غير الإنسانية والمطالب الخيالية المؤلفة من اثنتي عشرة نقطة، وثورة دموية أو حرب أهلية، وغزو أو انقلاب بقيادة الولايات المتحدة- فإنَّ العودة للاتفاقية النووية أو إحياءها مرة أخرى هي السبيل الأكثر احتمالاً وتأثيراً واستدامةً لتحسين حياة الإيرانيين العاديين والبدء في مواجهة التحديات الأخرى بخلاف التوترات بين الولايات المتحدة وإيران.
ويمثل تمكين الإيرانيين من تنظيم حكومتهم واختيار من يحكمهم بمرور الوقت المسارَ الأكثر منطقية والأنسب لتحقيق الحرية والكرامة.
ومن ثم، إذا أراد دونالد ترامب أو صناع السياسة الأمريكيون الوقوف إلى جانب الإيرانيين حقاً، فسيجعلون العودة إلى الاتفاق النووي الذي لم يَمُت بعد وإعادة إحيائه على رأس أولوياتهم قبل فوات الأوان.