تشهد إيران، في فبراير/شباط الجاري، انتخابات برلمانية جديدة تأتي في ظروف استثنائية تشهدها البلاد، في ظل المواجهة المحتدمة مع الغرب بقيادة واشنطن ودعم بعض دول الجوار، فما الجديد هذه المرة؟ ولماذا تبدو فرص الإصلاحيين شبه منعدمة رغم اندلاع احتجاجات شعبية ضد النظام المتشدد؟
صحيفة فايننشال تايمز البريطانية نشرت تقريراً بعنوان: "متشددون إيرانيون يسعون إلى تشكيل برلمانٍ جديد متطرف"، ألقت فيه الضوء على ما يتعرض له الإصلاحيون، وتأثير ذلك على البرلمان القادم ودوره.
مقتل سليماني دفعة قوية للمتشددين
منذ أكثر من 10 سنوات، يشغل علي مطهري (62 عاماً) -وهو ابن رجل دين ساعدت تعاليمه في تشكيل الجمهورية الإسلامية- عضوية البرلمان الإيراني، ويعد شخصيةً بارزة في المؤسسة السياسية الإيرانية.
ولكن حتى أوراق اعتماده الثورية التي لا تشوبها شائبة، لم تمنع استبعاده من المشاركة في الانتخابات البرلمانية الإيرانية، المقرر إجراؤها في 21 فبراير/شباط الجاري، إذ قيل لأكثر من 90 نائباً حالياً بالبرلمان، من بينهم نوابٌ محافظون ومئات المُرشَّحين الإصلاحيين، إنَّهم لا يستطيعون خوض الانتخابات.
إذ يرى المتشددون -المتسلِّحون بحالة الحزن العلني الجارف على مقتل القائد العسكري قاسم سليماني بغارة جوية أمريكية استهدفته في يناير/كانون الثاني الماضي- أنَّ الانتخابات البرلمانية فرصةٌ لتشكيل برلمانٍ جديد متطرف.
مجلس صيانة الدستور
وقد شكَّك مجلس صيانة الدستور، وهو هيئة رقابية دستورية متشددة تتفحَّص المرشحين المحتملين، في "ولاء" عديد من المُرشَّحين للإسلام والجمهورية الإسلامية؛ بل اتهم بعضهم بالاحتيال المالي.
وفي هذا الصدد، قال مطهري، الذي سبق أن أعرب عن دعمه للإصلاحيين: "إنني قلق على مستقبل الثورة الإسلامية من هذا النهج الذي يتبعه مجلس صيانة الدستور، والذي سيؤدي إلى مزيدٍ من تقييد حرية التعبير ودور الشعب في تحديد مصيره".
وأضاف: "حين قال لي أحد أعضاء المجلس إنني يجب أن أكرِّر ما يقولونه، ارتجفت". واستشهد بالوعد الذي قطعه والده مرتضى مطهري، خلال الثورة الإسلامية في عام 1979، حين قال إنَّ الشيوعيين و "الأحزاب غير الإسلامية يمكن أن يتمتعوا بِحرية التعبير شريطة ألَّا ينسبوا تعليقاتهم إلى الإسلام".
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ المتشددين يسعون إلى تنفيذ أجندة أكثر تطرُّفاً طوال العامين اللذين مرَّا منذ انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني الذي أُبرِم في عام 2015 -والذي كان إنجازاً متميزاً للإصلاحيين الإيرانيين- وفرض عقوباتٍ اقتصادية صارمة على إيران.
وقد استغلوا المشاعر العامة المعادية للولايات المتحدة بأعقاب مقتل سليماني في الشهر الماضي، من أجل منع المرشحين الإصلاحيين، قائلين إنَّهم يفتقرون إلى الشجاعة اللازمة للوقوف أمام واشنطن، وإنَّهم هُم الذين وافقوا بحماقةٍ على الاتفاق النووي في الأساس. وفي هذا الصدد، قال سعيد ليلاز المُحلِّل الإيراني الإصلاحي: "الضغط الأمريكي مُرعب جداً وغير مسبوق، لدرجة أنَّ التطرُّف الإيراني أصبح نتيجةً طبيعية يمكن التنبؤ بها. دائماً ما يلحق دور الولايات المتحدة ضرراً بتحرُّك إيران نحو الديمقراطية".
نظام سلطوي بالإجماع
في حين قال الناشط السياسي الإيراني محمد عطريانفر: "جميع العوامل السياسية تشير إلى أنَّ إيران تتجه نحو نظام سلطوي مُتَّفق عليه بالإجماع".
وصحيحٌ أنَّ البرلمان الإيراني، المكوَّن من 290 عضواً، عادةً ما يرضخ لرغبات الدولة، لكنَّه يتمتع من الناحية النظرية بسلطة مراقبة السلطة التنفيذية ويمكنه مساءلة أعضاء الحكومة، ومن ضمنهم الرئيس الإيراني المعتدل حسن روحاني.
جديرٌ بالذكر أنَّ إيران دائماً ما تُجري نظام تدقيقٍ صارماً على مرشحي الانتخابات البرلمانية والرئاسية، إذ يجب أن يتراوح عمر المرشح بين 30 و75 عاماً، وأن يكون حاصلاً على درجة الماجستير، وأن يُظهر ولاءه للإسلام والجمهورية الإسلامية، وفور الانتهاء من الفحص الأوَّلي الذي تُجريه وزارة الداخلية لطلبات المُرشَّحين، تُرسَل تلك الطلبات إلى مجلس صيانة الدستور.
لكنَّ بعض الإصلاحيين قالوا إنَّ عملية الاستبعاد كانت في غاية القسوة هذه المرة، لدرجة أنَّ المرشحين المتشددين لن يواجهوا منافسةً حقيقية من الإصلاحيين على نحو 200 مقعد من أصل 290 مقعداً. فنحو ثلث أعضاء البرلمان الحاليين استُبعِدوا من الترشُّح مرة أخرى. وفي الدوائر الانتخابية الأصغر التي عادةً ما تُفضِّل نسبةٌ كبيرة من ناخبيها مرشحاً إصلاحياً أو مؤيداً للإصلاح، استُبعِد المرشحون الإصلاحيون.
وقد قال عضوٌ برلماني إصلاحي حالي، قرر عدم الترشح مرةً أخرى، لأنَّه يخشى ألَّا يفي بالمعايير الصارمة المفروضة: "نظام التأهيل مُصمَّمٌ بعناية فائقة لأغراضٍ معينة. ففي الدوائر الانتخابية التي يحظى فيها الإصلاحيون بفرصةٍ للفوز، يتعرضون للاستبعاد، أمَّا في الدوائر التي لا يحظون فيها بفرصةٍ للفوز، فيُقضى بأهليتهم للترشُّح".
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ عمليات الاستبعاد تكشف كذلك عن ضعف الحركة الإصلاحية في إيران، والتي تتضمَّن سياساتها الأساسية التقارب مع الغرب، واتباع سياسات سياسية واجتماعية أكثر ليبرالية داخل نظام الجمهورية الإسلامية. إذ تضاءل عدد الإصلاحيين للغاية، بسبب القمع. ولا توجد معارضة قوية في الخارج، ولا أحد يُقدِّم بديلاً قابلاً للتطبيق عن الجمهورية الإسلامية، وفقاً لبعض المحللين.
وبينما يدعو بعض الساسة إلى مقاطعة الانتخابات، يريد كثيرون دعم المرشحين الإصلاحيين القلائل الموجودين وتشجيع الشعب على المشاركة، ومع ذلك، ذكر محمد علي أبطحي، وهو سياسي إصلاحي شغل منصب نائب الرئيس الإيراني سابقاً، أنَّ هناك مستقبلاً للحركة الإصلاحية. إذ قال: "بإمكان الإصلاحيين أن يكون لهم صوتٌ أعلى حين يصبحون خارج المؤسسة الرسمية. والشعب سيعود إلى الإصلاحيين بعدما يسمع أصوات المتطرفين كل يوم".
روحاني للمتشددين: "خذوه بالعافية عليكم"
في حين قال عطريانفر إنَّ المتشددين يبالغون في تقدير قوتهم، محذِّراً من أنَّ المطالب الشعبية بالتغيير لن تختفي. وأضاف: "المجتمع الإيراني سيجبر المتشددين على تلبية مطالبه بالإصلاحات"، مشيراً إلى أنه لا يمكن اتخاذ قرارات بمنأى عن الشعب.
وكان من المتوقع أن تدفع هذه الضجة الغاضبة التي أثيرت بشأن عمليات الاستبعاد، المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، إلى استخدام "سلطته المطلقة" التي يكفلها له الدستور؛ للسماح لبعض المرشحين المستبعدين بخوض الانتخابات، لكنَّ خامنئي لم يُظهِر، الأربعاء 5 فبراير/شباط، أي علاماتٍ على نيته التدخُّل في هذه المسألة، قائلاً إنَّ البرلمان المقبل لن يكون فيه مكانٌ لأولئك الذين خافوا من انتقاد الأعداء الأجانب علانيةً.
وحذَّر من إحباط الناخبين بادعاءات أنَّ نتائج الانتخابات مُحدَّدة سلفاً، ودعا أفراد الشعب إلى المشاركة في الانتخابات، لأسبابٍ قومية حتى لو كانوا لا يحبونه.
وفي الوقت الحالي، ما زال الإصلاحيون يريدون فرصةً للتنافس حتى رغم معرفتهم بأنَّهم سيُهزمَون على الأرجح، إذ قال الرئيس المعتدل روحاني: "يقول (المتشددون) في أوساطهم الخاصة: سنفوز بمقاعد البرلمان القادم بنسبة 100%. وما دام الأمر كذلك، فلتكن هناك بعض المنافسة على الأقل. لا نمانع إذا فزتم بجميع مقاعد البرلمان (المقبل). خذوه بالعافية عليكم!".