أطاحت الحركة الاحتجاجية برئيس الوزراء العراقي "المستقيل" عادل عبدالمهدي، بعد أكثر من شهر على بداية موجة الاحتجاجات الأخيرة التي انطلقت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
في أول كلمة "غير رسمية" وجهها للعراقيين عبر تويتر، تحدث رئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي، عما يشبه برنامجاً حكومياً يحاول من خلاله "استعطاف" المحتجين الذين سبق أن أعلنوا رفضهم لتسميته رئيساً للوزراء، منذ أن بدأت بعض وسائل الإعلام تتداول اسمه من بين أسماء أخرى قبل عدة أسابيع.
وفي كلمة لاحقة بثتها القنوات الرسمية، قدّم علاوي أكثر من عشر نقاط تعهد بإنجازها خلال الفترة الانتقالية، مع إعادة تأكيده على تقديم استقالته إذا تدخلت الكتل السياسية في تشكيل حكومته.
ما الذي تعهد به علاوي؟
تعهد محمد علاوي، بالالتزام بتوفير فرص عمل، ومحاربة الفساد، وحل اللجان الاقتصادية، وتشكيل حكومة بعيدة عن المحاصصة الطائفية، ورفض مرشحي القوى السياسية، والعمل الحثيث لإجراء انتخابات مبكرة، وحماية العملية الانتخابية، والتصدي لكل ما قد يؤثر على شفافيتها. فيما دعا لحوار فوري مع المتظاهرين لتحقيق مطالبهم بإشرافه شخصياً، وتسليم جميع الفاسدين للقضاء العراقي.
ما موقف تيار الصدر؟
كان موقف ساحات التظاهرات رافضاً لترشيح علاوي للمنصب من خلال الشعارات المرفوعة أو البيانات التي صدرت عن عدد من الساحات على الرغم من تأييد رئيس التيار الصدري لترشيح علاوي وإعلانه أن علاوي هو مرشح الشعب العراقي.
لكن هذا الادعاء قوبل بتساؤلات من ناشطي ساحات التظاهر عن صحة ترشيحه من قبل الشعب العراقي، فيما يسود اعتقاد في الأوساط الشعبية أن ساحات التظاهر هي من تمثل الشعب العراقي في هذه المرحلة لا غير.
وسبق لرئيس التيار الصدري أن أعلن سحب أنصاره من ساحات التظاهر، في خطوة لاقت استحساناً واسعاً لدى المحتجين، لكنه عاد يوم الجمعة الماضي ليعلن عن عودة أنصاره إلى ساحات التظاهر، في خطوة رأى مراقبون أنها استباق لتسمية مرشح جديد خلفاً لعادل عبدالمهدي.
ونقلت وسائل إعلام محلية أنباء تحدثت عن سيطرة جماعة القبعات الزرق التابعة للتيار الصدري على ساحة التحرير، في حين أبعد محتجو ساحتي البصرة والناصرية ومحافظات جنوبية أخرى أنصار التيار الصدري من الساحات.
ساهم التيار الصدري بوضع أهم تلك الشروط التي اعتمدتها ساحات التظاهر، لكنه ساهم باختيار محمد علاوي لهذا المنصب، وتعهد بدعمه على الرغم من عدم توفر الشروط الأساسية فيه.
لماذا يستمر المحتجون برفض علاوي؟
قد يكون التيار الصدري، هو الخاسر الأكبر من تكليف محمد علاوي جماهيرياً وحزبياً إذا التزم التيار بتعهدات رئيسه مقتدى الصدر الذي أوصى بعدم ترشيح أي من المنتمين لتياره لأي منصب وزاري في الحكومة الانتقالية.
وعكست تسمية علاوي إرادة الكتل السياسية وتحديها لإرادة المحتجين الذين أوجبوا توفر عدة نقاط بالشخص الذي يكلفه رئيس الجمهورية، منها أن لا يكون من ضمن الطبقة السياسية الحاكمة أو ممن تسلم منصباً وزارياً أو عليه قضايا تتعلق بالفساد أو ممن يحملون أكثر من جنسية.
يميل بعض المحللين، إلى القول أن ترشيح علاوي جاء بتوافق بين كتلتي سائرون والفتح، وبمباركة إيرانية بعد أن فشلت الأحزاب والكتل السياسية في تسمية مرشح لرئاسة الوزراء خلال الفترة الماضية.
ووفقاً لتقارير إعلامية، فإن كتلة سائرون، وقسم من كتلة البناء، تؤيد تسمية علاوي لرئاسة الحكومة الانتقالية، بينما أيدت كتل أخرى بشرط أن يقود علاوي مشروعاً وطنياً عابراً للمحاصصة، وكتل أخرى أبدت تحفظاتها على تسميته، ومنها حزب الدعوة بقيادة نوري المالكي.
ماذا سيحصل لو رفضت الكتل تقسيمات الوزارات؟
نقلت وسائل إعلام رسمية عن محمد علاوي أنه سيستقيل في حال سعت الكتل السياسية إلى فرض مرشحيها للوزارات المختلفة، وهو ما يرى خبراء بالشأن العراقي عدم قبول الكتل السياسية بتمرير الحكومة الجديدة عبر مجلس النواب إذا لم يكن لتلك الكتل "حصتها" من الوزارات، السيادية والخدمية.
ظلت الحركة الاحتجاجية تطالب بإزاحة الطبقة السياسية الحاكمة الموصوفة بـ "الفساد" ومحاكمة المسؤولين عن قتل أكثر من 500 المحتج، وتسمية رئيس وزراء من خارج العملية السياسية بعد 2005 ومقبول من قبل ساحات التظاهرات.
وشغل علاوي لمرتين منصب وزير الاتصالات برئاسة نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق (2006 إلى 2014) اتهم خلالها بالفساد المالي وحُكم عليه 2016، بالسجن 7 سنوات غياباً قبل أن يعود القضاء العراقي لإسقاط الحكم لعدم صحة لوائح الاتهام، حسب تصريحات سابقة لرئيس الوزراء المكلف.
لا يحظى محمد علاوي بقبول المحتجين الذين عبروا صراحة عن رفضهم لترشيحه، وأنهم سيصعدون من احتجاجاتهم لحين إسقاطه وتلبية مطالبهم الأساسية.
ما التحديات التي تنتظر علاوي؟
يواجه محمد علاوي جملة من التحديات في حال نجح بتشكيل حكومته الانتقالية ومنحها الثقة من مجلس النواب، وهو أمر متوقع نظراً لدعم أكبر كتلتين نيابيتين له، وهما سائرون والفتح.
وعلى صعيد المسؤولية عن قتل أكثر من 500 من المحتجين، فإن علاوي سيواجه المزيد من العقبات التي تتعلق بطبيعة تشكيل اللجان التحقيقية التي قدمت أكثر من تقرير لسلفه عادل عبدالمهدي، دون تسمية مسؤولين حقيقيين عن تلك الانتهاكات.
سيكون على رئيس الوزراء الجديد، إدارة السلطة التنفيذية لفترة انتقالية يتحدث بعض المسؤولين أنها ستكون لمدة سنة واحدة تجرى خلالها انتخابات تشريعية "مبكرة" بعد تشكيل حكومته "الانتقالية" في غضون شهر واحد، وفق أحكام الدستور العراقي.
وتعتقد الولايات المتحدة والأمم المتحدة وإيران ودول أخرى أهمية ترشيح محمد علاوي في هذه المرحلة، على أمل الخروج من الأزمة السياسية التي يعيشها العراق منذ ثلاثة أشهر.
وعليه يجب على علاوي، مواجهة تحدي الصراع الأمريكي الإيراني في العراق والمنطقة والحفاظ على موقف الحياد من هذا الصراع الذي أكد علاوي أن العراق ليس طرفاً فيه ولن يقبل أن تكون أراضيه ساحة له.
ومنذ إعلان تكليف علاوي تبنى التيار الصدري موقفاً يفهم منه انحيازه ضد المحتجين من خلال دعوته لجماعة القبعات الزرق لمساعدة القوات الأمنية على مواجهة إجراءات المحتجين، سواء ما يتعلق بتعليق الدراسة في المدارس أو قطع الطرقات الرئيسية ومواصلة الاعتصامات في ساحات التظاهر.
ماذا يعني انسحاب التيار الصدري؟
يرى مراقبون أن الاحتجاجات المناهضة للطبقة السياسية الحاكمة في حقيقتها موجهة ضد القوى السياسية والفصائل المسلحة الحليفة لإيران، لذلك فإن انسحاب التيار الصدري من الاحتجاجات سيعطي الفرصة لقوى الأمن وعناصر الفصائل المسلحة الحليفة لإيران لمواجهة المحتجين وإنهاء احتجاجاتهم.
ويتوقع خلال الأسابيع القادمة إذا نجحت الكتل السياسية بمنح الثقة داخل مجلس النواب للحكومة الانتقالية من الإيعاز لقوى الأمن بإنهاء الاحتجاجات.
وعلى الأرجح أن علاوي لن يفي بهذه التعهدات التي لا يمكن تحقيقها دون سيطرة الدولة على سلاح الفصائل المسلحة الحليفة لإيران، وهو ما فشل فيه رؤساء الحكومات السابقون إذ تعهدوا بذلك أمام الشعب العراقي دون تنفيذها.
ويرجع ذلك لأنها خارج قدرة أي حكومة انتقالية أو دائمة؛ نظراً لسيطرة الفصائل المسلحة على الجزء الأكبر من الملف الأمني واستقلاليتها عن الحكومة المركزية في اتخاذ القرار العسكري والأمني وفق حساباتها الخاصة المتعلقة بالصراع الأمريكي الإيراني في العراق.