بعد وقتٍ قصير من إعلان الخطة الأمريكية المثيرة للجدل بشأن السلام بالشرق الأوسط، في الأسبوع الماضي، والتي عُرفت إعلامياً بـ "صفقة القرن"- تعهَّدت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في تصريحاتٍ انتصارية، بأنَّها ستصوِّت في نهاية الأسبوع الماضي، على ضمِّ أجزاء كبيرة من الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل.
ولكن يبدو أنَّ الإسرائيليين أساءوا فهم الرسالة الأمريكية. فالبيت الأبيض، رغم دعمه الكامل لنتنياهو، لم يكن مستعداً لتأييد ضمِّ الأراضي فوراً من جانبٍ واحد.
واشنطن طلبت التأجيل، ومجلس الوزراء لم يجتمع
تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية أشار إلى أنه في الأيام التي أعقبت إعلان الخطة، في العاصمة الأمريكية واشنطن، الثلاثاء 28 يناير/كانون الثاني، حثَّت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نتنياهو على تأجيل أيِّ خطواتٍ فعلية لضمِّ الأراضي حتى نهاية الانتخابات الإسرائيلية المقرر إجراؤها في 2 مارس/آذار المقبل، على الأقل. وقد شبَّه أحد كُتَّاب مقالات الرأي الإسرائيليين ذلك الطلب بطفل يُطلَب منه الانتظار قبل فتح هديةٍ حصل عليها في عيد ميلاده.
وكان السؤال المُفترَض طرحه أمام مجلس الوزراء الإسرائيلي الأحد 2 فبراير/شباط، هو: هل يجب توسيع السيادة الإسرائيلية على جميع المستوطنات اليهودية في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة وكذلك على مساحةٍ واسعة من الأراضي الاستراتيجية على طول الحدود مع الأردن؟ وبالطبع كان من المتوقع الموافقة بسهولةٍ على ضمِّ الأراضي.
لكنَّ مجلس الوزراء لم يجتمع، والتصويت لم يُعقَد. والآن، يُسبِّب هذا التغيُّر المفاجئ في الخطط حرجاً لنتنياهو قبل وقتٍ قصير من إجراء الانتخابات، ويخشى بعض رفاقه من الساسة اليمينيين أن يتسبب ذلك في خسارة أصوات معسكرهم الانتخابي.
فيما تُرِك المسؤولون الحكوميون الإسرائيليون لتقديم تفسيراتٍ مشكوك فيها إلى حدٍّ ما، لما حدث.
إذ قالوا إنَّه لم يكن من المقرر بالفعل عقد اجتماعٍ حكومي أو إجراء تصويت، مع أنَّ هؤلاء المسؤولين أنفسهم أصدروا تصريحاتٍ واضحة تؤكِّد إجراء اجتماع وتصويت بعد وقتٍ قصير من إعلان الخطة. وكان الهدف من الاجتماع الوحيد الذي عقده نتنياهو مع بعض وزرائه يوم الأحد، هو مناقشة الاستعداد الوطني لمواجهة تفشِّي فيروس كورونا.
في حين يقول بعض المسؤولين الإسرائيليين الآن، إنَّه ليس من الواضح متى سيجتمع مجلس الوزراء في الأسبوع الجاري، أو ما إذا كان سيُجري أي تصويت.
صفقة القرن قد تنعكس سلباً على نتنياهو
وفي هذا الصدد، قالت غييل تالشر، أستاذة العلوم السياسية في الجامعة العبرية بالقدس، متحدثةً عن نتنياهو: "إذا لم يجلب أي مكاسب على الأرض -أي ضمِّ الأراضي- فقد يرتد عليه ذلك بنتائج عكسية".
وأشارت إلى أنَّ رئيس الوزراء وعد بالفعل بضم أراضي الضفة الغربية قبل الانتخابات الأخيرة، التي أجريت في سبتمبر/أيلول الماضي وانتهت نهايةً غير حاسمة، وأنَّه تعرَّض لتوجيه اتهامات في ثلاث قضايا فساد منذ ذلك الحين.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ الخطة الأمريكية الجديدة أحدثت تحوُّلاً هائلاً في الخطاب المسيطر على الساحة الإسرائيلية العامة قبل الانتخابات، إذ صرفت التركيز عن اتهام نتنياهو الأخير بالرشوة وخيانة الثقة، وأعادته إلى الساحتين الأمنية والدبلوماسية، اللتين يشعر فيهما نتنياهو بارتياحٍ أكبر بكثير.
لكنَّ تالشر قالت إنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي ما زال بحاجةٍ إلى "ضمٍّ صغير" على الأقل -ولو ضم مستوطنة واحدة على سبيل المثال- قبل الانتخابات. وإلَّا، فقد يُفضِّل بعض الناخبين اليمينيين البقاء في منازلهم أو التصويت لأحزابٍ أكثر يمينية من حزب الليكود المحافظ الذي يتزعمه نتنياهو، حسبما ذكرت تالشر. أو قد يعود التركيز العام على مشكلات نتنياهو القانونية.
وهناك غموض حول تنفيذ خطة ترامب
ونشأت بعض أوجه الغموض والتناقضات فور إعلان خطة ترامب، التي تنحاز إلى إسرائيل بشدة. إذ ستسمح الخطة لإسرائيل بضم نحو 30% من أراضي الضفة الغربية، وضمن ذلك جميع المناطق التي تراها مهمةً لأمنها أو جزءاً من حقوقها التوراتية.
وفي المقابل، تُقدِّم الخطة للفلسطينيين عرضاً مشروطاً يمنحهم دولةً مبتورة مكوَّنة من قطاع غزة منزوع السلاح، وأجزاء من الضفة الغربية تربطها بعض الطُّرُق وتحيط بها أراضٍ إسرائيلية. وهذا يتجاهل آمال الفلسطينيين القائمة منذ أمدٍ بعيد، في إقامة دولة مستقلة تضم غالبية مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، وتكون عاصمتها القدس الشرقية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ معظم دول العالم تعتبر المستوطنات انتهاكاً للقانون الدولي.
هذا وقدَّم ترامب الخطة في البداية على أنَّها "أساسٌ للمفاوضات المباشرة" بين إسرائيل والفلسطينيين. لكنَّه أكَّد كذلك أنَّ الولايات المتحدة ستعترف بالسيادة الإسرائيلية على بعض أجزاء الضفة الغربية التي ستحتفظ بها بموجب الخطة، قائلاً إنَّ ذلك "يمكن أن يتحقق فوراً".
وما فاقم حالة الالتباس أنَّ ترامب قال إنَّ الأمريكيين والإسرائيليين سيشكلون لجنةً لوضع خريطةٍ أكثر تفصيلاً، وهو ما يشير إلى عمليةٍ قد تستغرق بعض الوقت.
ثم حدث الشيء الذي عكَّر صفو البهجة الإسرائيلية
ففي يوم الخميس 30 يناير/كانون الثاني، قال غاريد كوشنر -صهر ترامب والمهندس الذي أشرف على وضع الخطة- في لقاءٍ مع شبكة GZERO Media الإعلامية، إنَّ الإدارة الأمريكية "تأمل" أن تنتظر إسرائيل حتى نهاية الانتخابات المقرر إجراؤها في مارس/آذار المقبل، ثم تبدأ ضم الأراضي. وأشار إلى أنَّ العمل الفني على وضع الخريطة قد يستغرق بضعة أشهر.
وقال: "نحن بحاجةٍ إلى حكومةٍ إسرائيلية قائمة، من أجل المُضِي قُدُماً".
يُذكَر أنَّ آخر جولتين انتخابيتين بإسرائيل، واللتين أقيمتا في أبريل/نيسان وسبتمبر/أيلول من العام الماضي (2019)، انتهتا بالتعادل تقريباً بين كتلة نتنياهو السياسية وكتلة منافسه الرئيسي بيني غانتس، ولم تُسفرا عن تشكيل حكومة أغلبية. وقد أدى ذلك، في خطوةٍ غير مسبوقة، إلى تحديد موعد انتخابات ثالثة في غضون عام واحد، ولم يضع نهايةً واضحة لحالة الجمود السياسي في البلاد.
وقد عرَّض تأخير توسيع السيادة الإسرائيلية على الأراضي المحتلة نتنياهو للتدقيق من بعض حلفائه اليمينيين الذين يخشون بالفعل موافقته على خطةٍ تتضمن أي شكلٍ من أشكال الدولة الفلسطينية، مهما كان محدوداً.
إذ قال نفتالي بينيت، وزير الدفاع في حكومة نتنياهو وزعيم حزب "يمينا" اليميني، على موقع تويتر: "لنكُن واضحين. كل ما يؤجَّل إلى ما بعد الانتخابات لن يحدث أبداً"، و "سيبقى بعيداً عن أيادينا 50 عاماً أخرى".
وفرصة القرن قد تصبح أفشل خطة في القرن
وأضاف بينيت: "إذا أرجأنا تطبيق السيادة أو قلَّلنا من نطاقه، فحينئذٍ ستتحول فرصة القرن إلى أفشل خطةٍ في القرن".
في حين قال شاي ألون، عمدة مستوطنة بيت إيل، الأحد: "لقد احتفلنا جميعاً في وسائل الإعلام بتوسيع السيادة، لكننا لم نتقدم ملليمتراً واحداً على الأرض. ستكون هناك خيبة أمل كبيرة هنا إذا لم يُطبِّق نتنياهو السيادة بحلول الانتخابات".
يأتي هذا في الوقت الذي تنتشر فيه المخاوف في إسرائيل وخارجها من تداعيات إعلان الخطة، التي رفضها الفلسطينيون رفضاً غاضباً. إذ عزَّز الجيش الإسرائيلي قواته في وادي الأردن وبقية مناطق الضفة الغربية وعلى طول حدود قطاع غزة. في حين حذَّر وزير الخارجية الأردني من "العواقب الخطرة" لأي ضمٍّ إسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
وقال ناصر القدوة، رئيس مؤسسة ياسر عرفات، وابن شقيقة الرئيس الفلسطيني الراحل الذي توفي عام 2004: "كل شيء في هذه الخطة مُربك. فما الجدول الزمني المحدد؟ وماذا سيحدث؟ ومتى؟ لا يوجد شيء واضح".
وأضاف: "نقطة انهيار كل شيء تتمثَّل في أن يواصل الإسرائيليون أي إجراءات لضم الأراضي أو تطبيق القانون أو السيادة الإسرائيلية في أي مكان بالضفة الغربية. بغض النظر عن المصطلحات، فكلها تؤدي المعنى نفسه".
وفي السياق نفسه، أيَّدت دولٌ عربية، في اجتماعٍ لوزراء خارجية جامعة الدول العربية بالقاهرة، يوم السبت 1 فبراير/شباط، رفض الفلسطينيين للخطة. في حين هدَّد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في خطابٍ ألقاه، بقطع جميع العلاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة، وضمن ذلك العلاقات القائمة في المجال الأمني.
ومع ذلك، ذهبت جينا هاسبل، مديرة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، إلى مدينة رام الله بالضفة الغربية، يوم الخميس الماضي؛ لعقد اجتماعاتٍ مع بعض مسؤولي الأمن الفلسطينيين.
ومن جانبه قال بينيت، وزير الدفاع الإسرائيلي، أمس، إنَّ بلاده ستوقف جميع الواردات الزراعية من السلطة الفلسطينية؛ احتجاجاً على القيود التي فرضتها السلطة في الأشهر الأخيرة، على استيراد العجول من إسرائيل.
وكذلك أوقفت السلطات الإسرائيلية دخول شحنات الأسمنت إلى قطاع غزة، وألغت 500 تصريح دخول لبائعي قطاع غزة، بسبب استئناف إطلاق الصواريخ المتقطع، وإطلاق بالوناتٍ حارقة من القطاع على جنوب إسرائيل.