تعد النقطة الأبرز في خطة دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط أنها تخدم دولة واحدة فقط، وليس دولتين كما يُزعَم، ولن تحقق السلام. والهدف الحقيقي منها هو تعزيز فرص ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإعادة الترشح لولايات أخرى.
تقول صحيفة The Financial Times البريطانية، من المنظور الدبلوماسي، يمكن اعتبار مبادرة ترامب فشلاً شبه مؤكد، لكن بالنظر إليها على أنها نموذج على العقلية الفردية التي يُخضِع بها ترامب الدبلوماسية لاحتياجاته الانتخابية، تُصنَّف هذه المبادرة على أنها واحدة من أكثر تحركاته جرأة. فلا علاقة للخطة بإحلال السلام، بقدر ما أنه لا علاقة لضغطه على أوكرانيا بمعالجة الفساد.
ما الذي يتطلع إليه ترامب من هذه الخطة؟
تقول الصحيفة البريطانية، المميزات التي سيحصل عليها ترامب من وراء هذه الخطة واضحة. إذ سيشتت إعلان الخطة الانتباه عن محاكمة مجلس الشيوخ له، ويجعله يبدو وكأنه يسعى لتحقيق أهداف السياسة الخارجية، بينما ينشغل الديمقراطيون في الجدال حول أمور غير مهمة من العام الماضي. وهي بمثابة تذكير أيضاً للناخبين الصهيو-مسيحيين، محور القاعدة الجماهيرية الأنجليكية، أنه يعمل على تنفيذ رغباتهم ليرى جميع اليهود متحدين على "خريطة أرض الميعاد" كما يزعمون.
ومن شأن خطة ترامب أن تقربهم من تحقيق ذلك. وهو يعرض على الفلسطينيين بلدة مبهمة في القدس تكون هي العاصمة البديلة، وهو ما يشبه فصل بلدة "واتفورد" بأسلاك شائكة وتسميتها العاصمة لندن، أو عزل قرية "ليفيتاون" وإطلاق اسم نيويورك عليها.
ما الذي سيحصل عليه نتنياهو أيضاً؟
أما الفائدة التي ستعود على نتنياهو، الذي تنتظره انتخابات عامة بعد شهر واحد، فهي مباشرة أكثر. إذ تسمح له خطة السلام بالتباهي بأنه هو الوحيد القادر على إقناع الولايات المتحدة بالتخلي عن التزاماتها القديمة تجاه الفلسطينيين، أو انتزاع موافقة من الولايات المتحدة على ضم وادي الأردن للمستوطنات الإسرائيلية. إلى جانب ذلك، تصرف الصفقة الانتباه عن المخاطر القانونية التي تواجه نتنياهو، التي تصاعدت بالتوازي مع تحقيقات مساءلة ترامب. لكن على عكس الأخير، لم يتمكن نتنياهو من الحصول على حصانة من الجرائم التي يُزعم أنه ارتكبها خلال رئاسته الحكومة الإسرائيلية، التي تشمل اتهامات بالاحتيال والرشوة.
ويتطابق الخطاب الذي يستخدمه كلاهما. فعلى غرار ترامب، يشتكي نتنياهو من أنَّ كياناً منظماً داخل الدولة نشر أنباء مزيفة ليشن "مطاردة ساحرات" ضده. حتى المُلامون متشابهون. فمثلما عيَّن نتنياهو المدعي العام، ترامب هو من عيَّن جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق. ابتُلي كل قائد بـ "خيانات تآمرية".
تطبيع الشعبوية
تتجاوز شراكة ترامب-نتنياهو دعم كل منهما للآخر في الانتخابات. هناك صفتان تتسم بهما هذه الشراكة، تجعلانها من العناصر الأساسية في تغيير السياسة العالمية. الأولى هي تطبيع الشعبوية. ويمكن القول إنَّ نتنياهو رائد في هذا المجال؛ فقبل سنوات من ترشُّح ترامب لمنصب الرئاسة، اعتاد الزعيم الإسرائيلي استخدام أساليب أصبحت منذ ذلك الحين جزءاً لا يتجزأ من مجموعة الأدوات الشعبوية. فهو يدعي أنه يمثل الجماهير أمام النخب السياسية. واخترق المحظور في استغلال السخط العرقي. وزعم كذلك أنَّ قوات أجنبية غامضة -الملياردير الأمريكي جورج سوروس عامةً- هي التي تقف وراء تزوير انتخابي عربي في الداخل.
فمثلما أشار ترامب إلى المهاجرين اللاتينيين غير الشرعيين الذين صوتوا لصالح هيلاري كلينتون، ادعى نتنياهو أنَّ عرب الداخل "يخرجون بأعداد كبيرة" ضده. ويؤكد أنه كان سيفوز في الانتخابات الإسرائيلية التي عُقِدَت في أبريل/نيسان الماضي لولا تزوير الناخبين العرب، ومرة أخرى لم يُقدِّم أي دليل. والعنوان الرئيسي هنا هو أنَّ مثل هذه الأساليب تنجح. وبعيداً عن تصوير نتنياهو على أنه منبوذ، فهو يُشاد به عالمياً على أنه عبقري سياسي. فهو صاحب أطول مدة حكم في تاريخ إسرائيل.
رابطة الشعبويين العالمية
ربما يود الليبراليون الغربيون الاعتقاد بأنَّ نتنياهو منبوذ، لكن الواقع ليس في صفهم. ففي العام الماضي، حلَّ نتنياهو ضيفاً على فلاديمير بوتين خلال موكب يوم النصر الروسي. وكان ناريندرا مودي، حاكم ديكتاتوري آخر، أول رئيس وزراء هندي يزور إسرائيل. إضافة إلى ذلك، كان رئيسا وزراء المجر فيكتور أوربان، وإيطاليا ماتيو سالفيني من المشجعين الكبار أيضاً لنتنياهو. ومن ثم، فرئيس الوزراء الإسرائيلي محق في التباهي بكونه منتمياً "لرابطة مختلفة" عن منافسيه المحليين. فهذه الرابطة العالمية أعضاؤها صغار السن، لكنهم "مخلصون"، ويمثل لهم نتنياهو نوعاً من "القديس الراعي".
أما الصفة المميزة الأخرى لشراكة ترامب ونتنياهو فهي ازدراؤهما لمبادئ الدبلوماسية. فقبل وقت طويل من حث ترامب روسيا علناً على اختراق رسائل هيلاري كلينتون، كان نتنياهو قد خالف المحظور بالتدخل في سياسة دولة أخرى. إذ كان خطابه في عام 2015 أمام الكونغرس الذي هاجم فيه صفقة باراك أوباما مع إيران حول برنامجها النووي هو سابقة في تاريخ الولايات المتحدة، حتى إنَّ البعض تخوف من أنَّ هذه الوقاحة ستضر بنفوذ إسرائيل في واشنطن. لكن بالنظر لما حدث، ساعد ذلك في تمهيد الطريق لانسحاب ترامب من الصفقة بعد ثلاث سنوات.
والخلاصة، ساعدت شراكة ترامب ونتنياهو في تغذية الشبكة المتنامية من القادة الشعوبيين، الذين يتشاركون نفس الأساليب والاستعارات ومصادر الإلهام. وأكثر ما يقدسونه هو النصر، الذي يجيدون تحقيقه حتى اللحظة.