هل تشكل خطة ترامب للسلام المثيرة للجدل، نهاية المفاوضات بشأن تسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي؟، وماهي خيارات السلطة الفلسطينية للرد على صفقة القرن التي وصفها الرئيس الأمريكي بأنها قد تمثل الفرصة الأخيرة للفلسطينيين؟
الفلسطينيون هم الغائب الحاضر عن الصفقة، والذين لم يحضروا مؤتمر إعلانها، يواجهون عدداً من التحديات التي قد تزيد من فرص تطبيق الخطة الأمريكية للسلام، أبرزها وجود غطاء عربي داعم للصفقة، لا سيما الخليجي منه، حتى لو لم يعلنوا ذلك بشكل صريح، لكن حضور سفراء دول الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان والبحرين في المؤتمر الصحفي يدلل على ترحيب هذه الدول بالصفقة.
لم يشكل الإعلان الأمريكي عن صفقة القرن مفاجأة للفلسطينيين، على الأقل بالنسبة للسلطة والفصائل الفلسطينية، التي أظهرت رد فعل باهتاً على الخطة الأمريكية، اقتصر على بيانات الشجب والاستنكار، ورفض أي شروط تمليها الإدارة الأمريكية.
أما على أرض الواقع، فإن الصفقة تحاولة شرعنة الأمر الواقع الذي فرضته إسرائيل من خلال تمزيق جغرافيا الضفة الغربية، وقطع خطوط التواصل بين المدن عبر المستوطنات والحواجز الإسرائيلية.
حتى مناطق غور الأردن باتت مهددة بالضم الإسرائيلي، وهي التي تشكل منطقة استراتيجية لا يمتلك الفلسطينيون أي سيادة حقيقية عليها، ومن الواضح من الخريطة التي نشرها وما عُلِم من الصفقة، أن الإدارة الأمريكية ستوافق على ضم إسرائيل لها إضافة إلى مناطق المستوطنات.
عبدالمجيد سويلم، الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، قال لموقع "عربي بوست"، إن "السلطة قد تكون راهنت رهاناً خاسراً على الدول العربية، التي أبدى معظمها موافقة ضمنية على ما جاء في الصفقة، أو تحفَّظ على بعض بنودها، لكنها في المجمل ليست رافضة لمشروع التسوية الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، انطلاقاً من رغبة هذه الدول في إخلاء مسؤولياتها عن القضية الفلسطينية".
السلطة تتفق مع بند واحد في الصفقة وإغراءات بمليارات
رغم الرفض الرسمي الفلسطيني لصفقة القرن، فإن خطاب الرئيس محمود عباس رداً على إعلان صفقة القرن قد أبدى توافقاً مع المطالب الأمريكية في نقطة واحدة وهو تقاطع رؤية السلطة مع الجانب الأمريكي فيما يخص محاربة حركتي "حماس" و "الجهاد الإسلامي" اللتين أعلن ترامب في مؤتمره العزم على قطع مصادر تمويلهما، فيما قال عباس في المؤتمر الذي عقد رداً على الصفقة: "إننا مستمرون في سياساتنا الحالية، ومتمسكون بالمفاوضات، وملتزمون بمحاربة الإرهاب".
هذا التقاطع، وإن كان مؤقتاً، فإنه سبقه تقديم تعهد أمريكي مشروط للسلطة الفلسطينية باستئناف دعمها في حال وافقت على الصفقة، وهو ما يُدخل على الخط سياسة الترغيب والإغراء للتراجع عن موقفها الرافض للصفقة.
واصِل أبو يوسف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والأمين العام لجبهة التحرير الفلسطينية، قال لموقع "عربي بوست"، إن "الموقف الفلسطيني واضح في رفض أي مشروعات للتسوية تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، أو تقدمها دولة أخرى تنتقص من الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني".
وأضاف: "إننا في القيادة الفلسطينية ندرك حجم التحديات والإغراءات المقدمة إلينا للقبول بصفقة القرن، ومنها تقديم سلسلة من الوعود بمنح الفلسطينيين عشرات المليارات من الدولارات، لكن ذلك لن يكون سبباً للتفريط في الحقوق التي نناضل من أجلها".
هل الصفقة تشكل نهاية المفاوضات بشأن تسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي أم بداية لمرحلة جديدة؟
رغم الموقف الفلسطيني الرسمي الرافض بصرامة لصفقة القرن، فإن خطاب عباس لم يخلُ من وجود رغبة علنية في إفساح المجال أمام فتح باب التفاوض مع الجانبين الإسرائيلي والأمريكي؛ رغبة في الحصول على أكبر قدر من المكاسب من هذه الصفقة، وهو أمر غير متوافر في هذه اللحظة.
وقال عبدالمجيد سويلم إن "السلطة الفلسطينية تدرك جيداً أن الواقع الموجود في الضفة الغربية لا يشجع على إقامة دولة فلسطينية، ورغم ذلك كان كلام الرئيس محمود عباس واضحاً في ترك باب المفاوضات مفتوحاً، ولكن من دون وجود الولايات المتحدة الأمريكية بحيث لن تعود لتلعب دور الوسيط والضامن مع الجانب الإسرائيلي".
خيارات السلطة الفلسطينية للرد على صفقة القرن.. أسوأها أفضل مما طرحه ترامب
رويد أبو عمشة، الباحث بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والأكاديمي المتخصص بالعلاقات الفلسطينية-الأمريكية، قال لموقع "عربي بوست"، إن "الفلسطينيين يدركون أن إعلان ترامب لهذه الصفقة امتداد لمشروعات سياسية طرحتها الإدارات الأمريكية السابقة، بدءاً من مشروع بيل كلينتون في عام 2000م، مروراً بمشروع جون كيري للسلام في عام 2016م، وكل هذه المشاريع والطروحات الأمريكية للسلام لم يُكتب لها النجاح، بسبب رفض الطرف الإسرائيلي القبول بها".
ولكن الآن رحب الإسرائيليون بالصفقة لأنها تقدم لهم كل ما يريدون.
وأكد أن "ما يميز صفقة القرن هو وجود بصمة اللوبيات الصهيونية، التي سعت لاستنفاد كل أوراق الإدارة الأمريكية لمصلحة إسرائيل، بدءاً بملف الاعتراف بالقدس عاصمة لها، مروراً بملف اللاجئين الذي يمهد لتصفية عمل الأونروا في الأراضي الفلسطينية، وأخيراً اعتراف الخارجية الأمريكية بما تسمى المستوطنات "غير الشرعية" في الضفة الغربية، وحصار السلطة مالياً، مستغلةً الظروف السياسية التي تمر بها المنطقة العربية".
ورأى أن "صفقة ترامب تهدف إلى تحسين شروط التفاوض لحساب إسرائيل، وتقزيم أي إنجازات قد يحققها الفلسطينيون في حال قرروا الدخول في المفاوضات للوصول إلى حل ما، أو تسوية نهائية".
ويرى رويد أبو عمشة، أن "فرص قبول الفلسطينيين بهذه الصفقة متدنية، لكونها لم توفر لهم متطلبات الحد الأدنى من الحقوق السياسية، وهم يدركون أن أسوأ ما قد يحدث لهم هو القبول بمشروع الدولة الواحدة (أي دولة تضم الإسرائيليين والفلسطينيين)".
ولوَّح مسؤولون فلسطينيون مراراً، ومن ضمنهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بخيار الدولة الواحدة إذا فشل حل الدولتين.
ويفترض هؤلاء المسؤولون أن خيار الدولة الواحدة سيحرج إسرائيل، لأن الدولة المقترحة ستضم عرب 48 وفلسطينيي الضفة والقطاع في دولة واحدة مع اليهود، وهو ما يهدد الأغلبية اليهودية، وقد يجعلها دولة عنصرية تتعرض لإدانة عالمية.
ويبدو أن صفقة القرن تعالج هذه المخاوف الإسرائيلية بتأسيس دولة فلسطينية متقزمة ومنزوعة السيادة في الأراضي الفلسطينية ذات الكثافة العالية، والاستيلاء على الأراضي ذات الكثافة المنخفضة وضمها لإسرائيل.
وقبيل إعلان ترامب عن صفقة القرن، قال الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، إن السلطة الفلسطينية ستدرس الخيارات كافة، وضمنها مصير السلطة الوطنية، رداً على "صفقة القرن"، وأي قرار سيخرج سيكون مدعوماً عربياً ودولياً، في إشارة إلى خيار حل السلطة الوطنية التي تم تأسيسها وفقاً لاتفاق أوسلوا؛ ومن ثم تتحمل إسرائيل مسؤولية الاحتلال بشكل مباشر.