مع اكتشاف فيروس جديد مُسبِّب للالتهاب الرئوي يهدد باجتياح الصين بأكملها والانتشار لخارج حدودها، تستنفر الحكومات والفرق البحثية لابتكار مصل وقائي. لكن هل سيخرج هذا المصل للحياة بعد فوات الأوان. وهل يحتمل أننا تأخرنا في ابتكاره؟
خطط لتطوير اللقاح
يستمر تعداد ضحايا فيروس كورونا الجديد -الذي يُعرَف ببساطة باسم فيروس ووهان، نسبةً إلى المدينة الصينية التي ظهر فيها للمرة الأولى في ديسمبر/كانون الأول- في الارتفاع. فاعتباراً من 27 يناير/كانون الثاني، وصل عدد الإصابات بالفيروس إلى 3000 حالة مسجلة، إلى جانب 81 حالة وفاة، أغلبها في الصين. ويُقدر بعض علماء الأوبئة أنَّ العدد الحقيقي لحالات الإصابة في الصين قد تصل إلى 100 ألف حالة.
يقول موقع Gizmodo الأمريكي إنه بينما تتخذ الحكومات خطوات لمنع المزيد من انتشار الفيروس عبر انتقال الأشخاص، مثل الفحص في المطارات، أعلنت الولايات المتحدة والصين، وكذلك فرق بحثية في دول أخرى، عن خطط لتطوير لقاح.
هل يأتي متأخراً؟
يُذكر أنَّ هذه ليست المرة الأولى في السنوات الأخيرة التي يُكلَّف فيها العلماء بتركيب لقاح لمرض ناشئ تحوَّل إلى وباء متفشٍ؛ إذ شهد عام 2014 أكبر انتشار لفيروس الإيبولا على الإطلاق، في حين انتشر فيروس زيكا على نطاق واسع في جميع أنحاء الأمريكتين في عام 2016. ولم تكن هذه الجهود سريعة بما يكفي لتؤتي ثمارها خلال الأزمة الفعلية.
فصحيح أنه يوجد الآن لقاح معتمد وفعال للغاية ضد مرض الإيبولا، الذي ساعد خلال تفشّي المرض العام الماضي، لكنه لم يُسهِم بالكثير خلال أزمة انتشاره في عام 2014. في حين لا تزال لقاحات زيكا في المرحلة التجريبية. ومع ذلك، فمن غير المحتمل أن يتكرر هذا النوع من التأخير مع فيروس كورونا الجديد.
إذ قال أنتوني فوشي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية التابع لمعاهد الصحة الوطنية الأمريكية، في تصريح لموقع Bloomberg الأسبوع الماضي: "نحن نعمل بالفعل على ذلك. ونأمل أن نصبح، في غضون 3 أشهر تقريباً، قادرين على بدء المرحلة الأولى من التجربة على البشر. بحلول هذا الصيف، وبافتراض أنَّ الأمور ستسير على ما يرام، يمكننا أن نبدأ في رؤية اللقاحات الناجحة المرشحة تنتشر على أساس تجريبي في العالم الحقيقي".
وإذا تمكن أي شخص من إنجاز هذا العمل الفذ، فسيسجل بلا شك أقل وقت بين اكتشاف مرض جديد والوصول لطريقة تطعيم. وهذا سيعكس مدى السرعة التي يتمكن بها مجتمع البحث العالمي من حشد جهوده ضد عدو مشترك.
الشفافية حول المرض أولاً
في غضون أيام قليلة من اكتشاف أول حالة إصابة بفيروس كورونا الجديد في الصين، تمكن الباحثون في الدولة من قراءة الخريطة الجينية للفيروس، والأهم من ذلك مشاركتها مع بقية دول العالم. وأتاحت هذه الشفافية للباحثين من جميع دول العالم سرعة دراسة مدخلات الفيروس ومخرجاته؛ ومن ثم بدء جهود تطوير لقاح له.
وبحلول الأسبوع الثاني من شهر يناير/كانون الثاني، كشفت دورية Science Magazine الأمريكية، يوم الإثنين 6 يناير/كانون الثاني، أنَّ معاهد الصحة الوطنية الأمريكية تعاقدت مع شركة Moderna للتكنولوجيا الحيوية لبدء العمل على تطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا الجديد. وأعلن "ائتلاف ابتكارات الاستعداد للأوبئة"، الأسبوع الماضي، أنه يُموِّل 3 فرق بحثية، منها Moderna، لتطور كل منها نسخة خاصة بها من اللقاح.
وفي الوقت نفسه، يعتبر بيتر هوتز، عميد المدرسة الوطنية لطب المناطق الاستوائية في كلية بايلور للطب في تكساس، هذا السباق مثالاً على الطبيعة التفاعلية التي تتسم بها جهود تطوير اللقاحات في كثير من الأحيان.
سباق مع الزمن
يعمل هوتز وفريقه منذ سنوات على تطوير لقاح لفيروس يرتبط للغاية بفيروس كورونا الجديد، وهو الفيروس المُسبِّب لمتلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (سارس). وفي عام 2002، تفشَّى سارس عالمياً مصيباً أكثر من 8000 شخص، وقتل نحو 800 منهم، أغلبهم في الصين، في غضون 6 أشهر فقط. لكن لم تظهر أية حالات إصابة بسارس بين البشر منذ يوليو/تموز 2003، ومن المرجح أنَّ هذه السلالة من الفيروس اختفت.
لكن، مثلما أظهر التفشي الحالي لفيروس كورونا الجديد، هناك الكثير من سلالات فيروس كورونا القادرة على الانتقال من فصائل مختلفة وإصابة الناس، على غرار سارس. ووفقاً لهوتز، لو كنا في عالم يعطي الأولوية للتطوير الاستباقي اللقاحات، لربما كنا أفضل استعداداً لمواجهة فيروس ووهان.
وقال هوتز: "كان هذا واحداً من أكبر الإحباطات التي واجهناها. فبمجرد اختفاء سارس، لم يعد يرغب أحد في الاستثمار في تطوير لقاح مضاد له. لذا، ظل اللقاح (المضاد الذي طورناه أنا وفريقي) قابعاً في الثلاجة طوال السنوات الثلاث أو الأربع الماضية".
آمال كبيرة
ومع ذلك، لم يذهب عمل هوتز وفريقه سُدى؛ إذ توصل علماء إلى أنَّ فيروس ووهان شديد الشبه وراثياً بسارس. ومن ثم، هناك أمل في أن يُسهِل هذا التقارب تطوير لقاح مضاد لفيروس ووهان من خلال تعديل اللقاح المُعدّ لمرض السارس. وقال هوتز إنه يجري محادثات مع معاهد الصحة الوطنية الأمريكية والوكالات الفيدرالية الأخرى لإعادة العمل على أبحاث فريقه، ويعتقد أنهم إذا حصلوا على الموافقة، يمكنهم البدء في العمل فوراً والتوصل سريعاً لنتائج عملية، مثل معرفة مدى أمان استخدام لقاحهم على الناس، ولن تكون أبحاثهم متخلفة كثيراً عن الآخرين.
وأكد هوتز: "إذا تحركنا الآن، وكانت الظروف في صالحنا، لن نستغرق سوى أسابيع أو أشهر إلى أن تستطيع الأبحاث الإكلينيكية الوصول لمرحلة جمع بيانات سلامة المرضى"، وهي إجراءات تلي تلقِّي المرضى خدمات صحية.