نيويورك تايمز تكشف تفاصيل صادمة لحادثة إسقاط إيران للطائرة الأوكرانية، وكيف أجبر روحاني الحرس الثوري على الاعتراف بمسؤوليته؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/01/29 الساعة 14:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/01/30 الساعة 09:31 بتوقيت غرينتش
الرئيس الإيراني حسن روحاني/رويترز

حين رصد ضابط الحرس الثوري الجسم الطائر الذي ظنّه مجهول الهوية بالقرب من مطار طهران الدولي كانت أمامه ثوانٍ معدودة ليُحدّد ما إذا كان سيضغط على الزناد، وفي هذه الثواني بدأت مأساة إسقاط إيران للطائرة الإيرانية، التي تحوّلت لفضيحة وأزمة كبرى.

جمعت صحيفة The New York Times الأمريكية تسلسلاً زمنياً لأحداث تلك الأيام الثلاثة، عن طريق إجراء المقابلات مع مسؤولين إيرانيين -حاليين وسابقين- وأعضاء بارزين في الحرس الثوري، وأشخاص مُقرّبين من الدائرة الداخلية للمرشد الأعلى، إلى جانب مراجعة التصريحات الرسمية العلنية وتقارير وسائل الإعلام الحكومية.

مأساة إسقاط إيران للطائرة الإيرانية بدأت تحذير بوصول صواريخ كروز 

كانت إيران قد أطلقت للتو وابلاً من الصواريخ الباليستية على القوات الأمريكية، وكانت البلاد في حالة تأهُّبٍ قصوى تحسُّباً لهجومٍ أمريكيٍ مُضاد، كما كان الجيش الإيراني قد حذَّر من وصول صواريخ كروز.

وحاول الضابط التواصل مع مركز القيادة للحصول على تصريحٍ بإطلاق صواريخه، لكنَّه عجِزَ عن الوصول، لذا أطلق صاروخاً مضاداً للطائرات، ثم أتبعه بآخر.

وتحطَّمت الطائرة التي تبيَّن أنّها طائرةٌ نفّاثة أوكرانية تحمل 176 شخصاً على متنها، وانفجرت في كرةٍ من النيران.

وفي غضون دقائق، أدرك كبار قادة الحرس الثوري ما فعلوه. وفي تلك اللحظة، بدأوا التستُّر على الحادثة.

وطوال أيام، رفضوا حتى إخبار الرئيس حسن روحاني، الذي كانت حكومته تُنكر إسقاط الطائرة علناً. وحين أخبروه في نهاية المطاف منحهم إنذاراً أخيراً ليُعلنوا مسؤوليتهم عن الحادث، وإلَّا سيستقيل.

وحينها فقط، بعد 72 من تحطُّم الطائرة، تدخَّل المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، وأمر الحكومة أن تعترف بخطئها القاتل.

إيران كانت في حالة تأهب بعد هجومها على القاعدة الأمريكية/رويترز

وكشفت التقارير التي جمعتها نيويورك تايمز عن الجدل الدائر خلف الكواليس، حول التستُّر على مسؤولية إيران عن تحطُّم الطائرة. في حين ظلّ الإيرانيون المصدومون، والأقارب الثكالى، والدول التي كان لها مواطنون على متن الطائرة في انتظار الحقيقة.

وأظهرت التفاصيل الجديدة تفاقم سلطة الحرس الثوري، التي أقصت الحكومة المُنتخبة في وقت الأزمة الوطنية، كما من شأنها أن تُعمِّق ما يراه الكثير من الإيرانيين على أنّه أزمة شرعية بين الحرس الثوري والحكومة.

ولا تزال الانقسامات المريرة داخل الحكومة الإيرانية قائمة، ومن شأنها أن تُؤثّر على التحقيقات في تحطّم الطائرة، والمفاوضات حول التعويضات، والجدل الذي لم يُحسم بعد حول المساءلة.

البداية مقتل سليماني 

بحلول منتصف ليل السابع من يناير/كانون الثاني، حين كانت إيران تتجهّز لإطلاق هجوم صواريخها الباليستية على المواقع العسكرية الأمريكية في العراق، نشر العديد من الأعضاء البارزين في الحرس الجمهوري وحدات دفاعٍ مُضادٍ للطائرات مُتحركة حول منطقةٍ عسكرية حسّاسة بالقرب من مطار الإمام الخميني في طهران.

الإيرانيون توحدوا خلف قيادتهم بعد اغتيال سليماني/رويترز

وكانت إيران على وشك أنّ تنتقم من ضربة الطائرة الأمريكية بدون طيار، التي قتلت أعلى قائدٍ عسكري إيراني، اللواء قاسم سليماني، في بغداد، قبل بضعة أيام. 

وكان الجيش مُتأهّباً لضربةٍ أمريكية مُضادة. في حين كانت القوات المُسلّحة في وضعية "الحرب"، وهي أعلى مستويات التأهُّب.

لماذا لم يغلقوا المجال الجوي؟

في سوء تقديرٍ مأساوي، واصلت الحكومة السماح للرحلات التجارية المدنية بالإقلاع والهبوط من مطار طهران.

وقال العميد أمير علي حاجي زاده، قائد القوات الجوفضائية بالحرس الثوري، في وقتٍ لاحق إنَّ وحدته طلبت من المسؤولين في طهران إغلاق المجال الجوي الإيراني وإيقاف جميع الرحلات، دون جدوى.

وخشي المسؤولون الإيرانيون أن يُؤدي إغلاق المطار إلى إثارة حالةٍ من الذعر الجماعي، بأنّ الحرب مع الولايات المتحدة باتت وشيكة، بحسب ما صرّح به أعضاء في الحرس الجمهوري للصحيفة الأمريكية. كما أمِلوا أن يكون وجود طائرات ركاب نفاثة رادعاً ضد أي هجومٍ أمريكي على المطار أو القواعد العسكرية القريبة، مما يُحوّل الطائرات المُحمّلة بالركاب المسالمين إلى دروعٍ بشرية.

طائرات تحركت من الإمارات 

بعد انطلاق الهجوم الصاروخي الإيراني، أصدرت قيادة الدفاع الجوي المركزية إنذاراً بأنّ الطائرات الحربية الأمريكية أقلعت من الإمارات العربية المتحدة، وأنّ صواريخ كروز كانت في طريقها إلى إيران.

واستمع الضابط المُتمركز فوق قاذفة الصواريخ بالقرب من المطار إلى التحذيرات، ولكنّه لم يسمع الرسالة التالية حول أنّ إنذار صاروخ كروز كان إنذاراً كاذباً.

وربما كان الإنذار بشأن الطائرة الحربية الأمريكية كاذباً أيضاً، إذ قال مسؤولو الجيش الأمريكي إنّ الطائرات الأمريكية لم تدخل المجال الجوي الإيراني أو تقترب منه في تلك الليلة.

الشبكات كانت معطّلة أو مشوشة

حين رصد الضابط الطائرة الأوكرانية طلب إذناً بإطلاق النار، ولكنّه لم يستطع التواصل مع قادته، لأنّ الشبكة كان مُعطّلة أو مُشوّشة، بحسب تصريحات العميد حاج زاده.

وأطلق الضابط، الذي لم تُنشر هويته علناً، صاروخين بفارق أقل من 30 ثانية، وهو القرار الذي تسبب في مأساة إسقاط إيران للطائرة الإيرانية.

وتلقَّى العميد حاج زاده، الذي كان في غربي العراق للإشراف على الهجوم ضد الأمريكيين، مكالمةً هاتفية تحمل الأخبار.

وقال في تصريحٍ مُتلفَز لاحقاً: "اتّصلت بالمسؤولين وأخبرتهم بما حدث، وأنّه من المحتمل للغاية أن نكون قد أسقطنا واحدةً من طائراتنا".

وحين وصل العميد حاج زاده إلى طهران كان قد أبلغ كبار القادة العسكريين الثلاثة في إيران: القائد الأعلى للجيش وقائد قيادة الدفاع الجوي المركزية اللواء عبدالرحيم موسوي، ورئيس أركان القوات المسلحة اللواء محمد باقري، والقائد الأعلى للحرس الثوري اللواء حسين سلامي.

وتُعَدُّ قوات الحرس الثوري قوات النخبة المُكلّفة بحماية حُكم رجال الدين الإيرانيين في الداخل والخارج، مُنفصلةً عن الجيش العادي، وتنصاع لأوامر المُرشد الأعلى فقط. وفي تلك اللحظة كان زعماء القوتين العسكريتين يعرفون الحقيقة.

ولم يخبروا ضباط الدفاع الجوي

ونصح العميد حاج زاده الجنرالات بعدم إخبار الضباط والمُجنّدين في وحدات الدفاع الجوي، خوفاً من أن يُعيق ذلك قدرتهم على الاستجابة بسرعة، في حال هجوم الولايات المتحدة فعلياً.

وقال حاج زاده في مقابلةٍ مع وسائل الإعلام الإيرانية، الأسبوع الجاري: "كان ذلك من أجل مصلحة أمننا القومي، لأنَّ نشر الأخبار كان من شأنه أن يُعرِّض منظومة دفاعنا الجوي للخطر، وكان الجنود سيُشكِّكون في كل شيء".

وشكَّل القادة العسكريون لجنة تحقيقٍ سرية جمعت أعضاء من القوات الجوفضائية التابعة للحرس الثوري، والدفاع الجوي التابع للجيش، وأجهزة الاستخبارات، وخبراء الأمن السيبراني. كما عزلت اللجنة الضباط المسؤولين عن إطلاق الصواريخ، وأُمِروا بعدم الحديث إلى أحد.

وراجعت اللجنة بيانات المطار، ومسارات الرحلة، وشبكات الرادار، والإنذارات، والرسائل من مُشغّل الصواريخ والقيادة المركزية. وجرى استجواب الشهود طوال ساعات، ومن بينهم الضابط الذي أطلق الصواريخ وقادته وكل المُشاركين.

هل شوشت إسرائيل وأمريكا على منظومة الدفاع الجوي الإيرانية؟  

كما حقَّقت اللجنة في احتمالية أن تكون الولايات المتحدة -أو إسرائيل- قد اخترقت منظومة الدفاع الجوي الإيرانية أو شوّشت على موجات الأثير.

وبحلول مساء الأربعاء، كانت اللجنة قد خلُصَت إلى أنَّ الطائرة أُسقِطَت نتيجة خطأ بشري.

إذ قال اللواء سلامي، القائد الأعلى للحرس الثوري، لاحقاً، في خطابٍ مُتلفز أمام البرلمان: "لم نكُن واثقين بشأن ما حدث حتى غروب شمس يوم الأربعاء. وخلص فريق التحقيق إلى أنَّ الطائرات تحطَّمت بسبب الأخطاء البشرية".

وجرى إبلاغ المرشد آية الله خامنئي، لكنّهم لم يُبلِغوا الرئيس وغيره من المسؤولين المنتخبين، والعامة.

فلنتكتم إلى حين فحص الصناديق السوداء

ناقش كبار القادة مسألة التكتُّم على الحادثة حتى فحص الصناديق السوداء على الطائرة -وبها بيانات الرحلة وتسجيلات الصوت من قمرة القيادة- وإنهاء تحقيق الطيران الرسمي، بحسب أعضاءٍ في الحرس الثوري ومسؤولين مُطّلعين على المداولات. ويُمكن أن تستغرق تلك العملية شهوراً طويلة، بحسب وجهة نظرهم، ما سيمنحهم الوقت لإدارة التداعيات المحلية والعالمية التي ستترتّب على ظهور الحقيقة.

وكانت الحكومة قد سحقت انتفاضةً مُناهِضَةً للحكومة بعنف، في نوفمبر/تشرين الثاني. لكن قتل سليماني على يد الأمريكيين، وما أعقبه من ضربات ضد الولايات المتحدة، قلب الرأي العام رأساً على عقب. وتحفّز الإيرانيون في لحظةٍ من الوحدة الوطنية.

وخشِيَت السلطات أن يقوض الاعتراف بإسقاط طائرة الركاب هذا الزخم، ويُؤدي إلى موجةٍ جديدة من الاحتجاجات المُناهِضة للحكومة.

وقال عضوٌ بارز بالحرس الثوري، تحدّث شريطة السرية على غرار الآخرين الذين تحدّثنا إليهم في هذه المقالة: "لقد دعوا إلى التغطية على الحادثة، لأنّهم اعتقدوا أنّ البلاد لا تستطيع احتمال المزيد من الأزمات. وفي النهاية، تظل حماية الجمهورية الإسلامية هدفنا الأسمى، مهما كان الثمن".

وفي تلك الليلة، قال المُتحدّث باسم القوات المسلحة المشتركة العميد أبوالفضل شكارجي لوسائل الإعلام الإيرانية، إنّ اقتراح فكرة ضرب الطائرة بالصواريخ هي "كذبةٌ مُطلقة".

تكذيب لرواية الغرب

وحين بدأ المُحقِّقون الأوكرانيون في التوافد على طهران يوم الخميس، كان المسؤولون الغربيون يقولون علناً إنّ لديهم أدلةً على أنّ إيران أسقطت الطائرة بطريق الخطأ.

وأصدرت مجموعةٌ من كبار المسؤولين الإيرانيين -بدءاً من مُدير الطيران المدني ووصولاً إلى المُتحدث الرئيسي باسم الحكومة- بياناً تلو الآخر، لرفض تلك الادّعاءات، وتضخّمت مزاعمهم على وسائل الإعلام الحكومية.

وقالوا إنّ الاقتراح بأنّ إيران أسقطت طائرة الركاب كان "مؤامرةً غربية وحرباً نفسية" تستهدف إضعاف إيران، بعد وقتٍ قصير من استعراض عضلاتها العسكرية ضد الولايات المتحدة.

الطائرة تحمل ألمع العقول الإيرانية  

لكن خلف الأبواب المُغلقة، سادت بين المسؤولين الحكوميين حالة من الاستنفار والتساؤلات حول ما إذا كانت المزاعم الغربية حقيقية. وتلقى العسكري الاستراتيجي المُتمرّس روحاني، ووزير خارجيته جواد ظريف، المكالمات الهاتفية من زعماء العالم ووزراء خارجيته الباحثين عن الإجابات. إذ لم تكُن لديهم أيّ إجابات، بسبب جهلهم بما فعلته قواتهم العسكرية.

وعلى المستوى المحلي، كان الضغط العام يتزايد على الحكومة للرد على تلك الادعاءات.

وكانت الطائرة تحمل ركاباً من أفضل وألمع الإيرانيين، ومن بينهم علماء وأطباء بارزون، والعشرات من أفضل الباحثين الشباب وخريجي جامعات النخبة، وستة من حملة الميداليات الذهبية والفضية في الأولمبياد الدولي للفيزياء والرياضيات.

وكان على متن الطائرة أيضاً زوجان سافراً من كندا إلى طهران احتفالاً بزفافهما قبل بضعة أيام. كما كانت تُقِلُّ عائلات وأطفال.

وطالب أقاربهم بالحصول على إجابات. وبدأت الشبكات الاجتماعية الإيرانية تنفجر بالتعليقات العاطفية، التي اتّهم بعضها إيران بقتل مواطنيها، في حين وصف آخرون تلك الاتهامات بأنّها خيانة.

وبثّت القنوات الفضائية الناطقة بالفارسية من خارج البلاد، مصدر الأخبار الرئيسي لغالبية الإيرانيين، تغطيةً شاملة لتحطُّم الطائرة. وشملت التغطية تقارير الحكومات الغربية التي قالت إنّ إيران أسقطت الطائرة.

روحاني لا يعلم شيئاً

وقال المسؤولون إنّ روحاني حاول الاتصال بالقادة العسكريين أكثر من مرة، لكنّهم لم يردوا على اتّصالاته.

فتواصل أعضاء حكومته مع مصادرهم في الجيش، الذين أخبروهم بأنّ الادعاءات كاذبة. وتواصلت وكالة الطيران المدني الإيرانية مع مسؤولي الجيش، لتحصل على نفس النتائج.

وقال علي ربيعي، المتحدث باسم الحكومة، لاحقاً، في مؤتمرٍ صحفي: "كان يوم الخميس عاصفاً. إذ أجرت الحكومة مكالماتٍ لا تتوقّف، وتواصلت مع القوات المسلحة للسؤال عما حدث، لكن الإجابة عن جميع الأسئلة نفت إطلاق أيّ صواريخ".

وعندما أخبروه هدد بالاستقالة

في صباح الجمعة، أصدر ربيعي بياناً قال فيه إنَّ الادعاءات بأنّ إيران أسقطت الطائرة كانت "كذبةً كبيرة".

وبعد عدة ساعات، عقد كبار القادة العسكريين في البلاد اجتماعاً سرياً مع روحاني، وأخبروه بالحقيقة.

واستشاط روحاني غضباً، بحسب مسؤولين مقرَّبين منه. وطالب بأن تُعلِنَ إيران فوراً أنّها ارتكبت خطأً مأساوياً، وأن تتحمّل العواقب.

وحاول المسؤولون العسكريون رفض طلبه، مُجادلين بأنّ تداعيات الإعلان قد تُزعزع استقرار البلاد.

وهدَّد روحاني بالاستقالة.

وهكذا أقنعهم بضرورة الاعتراف بالحقيقة 

قال روحاني إنّ كندا التي تمتلك أكبر عددٍ من المواطنين الأجانب على متن الطائرة، والولايات المتحدة -التي دُعِيَت إلى التحقيق في الحادث بوصفها موطن شركة Boeing- ستكشف أدلتها بنهاية المطاف.

ومن شأن الضرر الذي سيلحق بسمعة إيران وثقة الجمهور في الحكومة أن يخلق أزمةً ضخمة، في وقتٍ لا تستطيع إيران تحمُّل المزيد من الضغط خلاله.

ومع تصاعُد المواجهة، نقل عضوٌ مُقرّب من خامنئي في الاجتماع تفاصيل ما يحدث إلى المرشد الأعلى. فأرسل آية الله رسالةً إلى المجتمعين، وأمر الحكومة بتحضير خطابٍ رسمي تعترف فيه بما حدث.

المتحدث باسم الحكومة يبكي 

وأطلع روحاني عدداً من الأعضاء البارزين في حكومته، ففقدوا أعصابهم.

وانهار ربيعي، المتحدث باسم الحكومة الذي كان قد أصدر للتو إنكاراً لما حدث صباح ذلك اليوم. وقال عباس عبدي، الناقد البارز للمؤسسة الدينية الإيرانية، إنّه حين تحدّث إلى ربيعي في تلك الأمسية وجده مضطرباً ويبكي.

وقال ربيعي، بحسب عبدي: "كل شيءٍ كذبة. الأمر برُمّته كذبة. ماذا يجب أن أفعل؟ لقد ضاع شرفي".

وأضاف عبدي أنّ تصرّفات الحكومة "تجاوزت" حد الكذب: "هناك تستُّر مُمنهج على أعلى المستويات، مما يجعل الخروج من هذه الأزمة أمراً شبه مُستحيل".

ولماذا رفضوا تحميل الأمريكيين المسؤولية؟

وعقد المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران اجتماعاً طارئاً وصاغ بيانين، أولهما تُصدره القيادة المشتركة للقوات المسلحة، والثاني يُصدره روحاني.

وإبان جدالهم حول الصياغة، اقترح البعض الزعم بأنّ الولايات المتحدة -أو إسرائيل- ربما تكون قد أسهمت في الحادثة بالتشويش على الرادارات الإيرانية أو اختراق شبكات الاتصال.

لكن القادة العسكريين عارضوا ذلك. وقال حاج زاده إنّ عار الخطأ البشري أهون من الاعتراف بأنّ أنظمة دفاعه الجوي كانت عرضةً للاختراق من جانب العدو.

وقالت وكالة الطيران المدني الإيرانية لاحقاً إنّها لم تجد أدلةً على التشويش أو الاختراق.

الرئيس يطالب بمساءلة أوسع  

في تمام السابعة صباحاً، أصدر الجيش بياناً يعترف فيه بأنّ إيران هي من أسقطت الطائرة بسبب "خطأ بشري".

ولم يُنهِ الخبر الصادم الانقسام داخل الحكومة. إذ أراد الحرس الثوري حصر اللوم على أولئك المُتورّطين في إطلاق الصواريخ وإنهاء الأمر، بحسب المسؤولين. وأُلقِيَ القبض على مُطلق الصاروخ وعشرةٍ آخرين، لكن المسؤولين لم يذكروا أسماءهم أو ماهية التُّهم الموجّهة إليهم.

وطالب روحاني بمساءلةٍ أوسع نطاقاً، تشمل التحقيق مع تسلسل القيادة بالكامل. وقال إنّ تحمّل الحرس الثوري للمسؤولية "هو الخطوة الأولى، التي يجب أن تعقبها خطواتٌ تالية". وطالب المُشرّعون والمُتحدّث باسمه بمعرفة سبب عدم إعلام روحاني على الفور.

ولمّح روحاني إلى الأمر حين قرأ بيانه بعد ساعةٍ و15 دقيقة. إذ نصّ السطر الأول على أنّه علم بما خلصت إليه لجنة التحقيق حول سبب تحطُّم الطائرة "قبل ساعاتٍ قليلة".

وكان هذا اعترافاً صادماً، وإقراراً بأنّ أعلى مسؤولٍ مُنتخبٍ في البلاد حُجبت عنه الحقيقة، وأنّ الحكومة روّجت الأكاذيب حين التفت إليها الإيرانيون والعالم من أجل الحصول على إجابات.

وكتب حسام الدين آشنا، كبير مستشاري روحاني، على تويتر: "تبيّن أنّ المعلومات التي ظنناها أخباراً كانت كاذبة، وما ظنناه أكاذيب كان هو الخبر الحقيقي. لماذا؟ لماذا؟ احذروا التستُّر على الجرائم والحكم العسكري".

تحميل المزيد