اليوم الثلاثاء 28 يناير/كانون الثاني، يعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تفاصيل خطته للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين أو ما يعرف بصفقة القرن التي ماتت قبل أن ترى النور، لكن المهندس وراء الصفقة صهر الرئيس جاريد كوشنر تجاهل تاريخاً ممتداً من المبادرات وقرر البدء من الصفر، وهذه تفاصيل القصة.
نبدأها من تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية بعنوان: "لا تتحدثوا عن التاريخ: كيف صاغ جاريد كوشنر خطته للسلام"، ألقى الضوء على الكيفية التي صاغ بها كوشنر صفقته.
لا تتحدثوا عن التاريخ!
حين تولى جاريد كوشنر مسؤولية ملف الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني إلى جانب واجباته الرسمية العديدة الأخرى -الترويج للإبداع الأمريكي، ومبيعات السلاح للسعودية، وأزمة مسكنات الألم الأفيونية في الولايات المتحدة- قرَّر الرجل أن يبدأ بصفحة بيضاء فارغة.
قال آرون ديفيد ميلر، أحد مفاوضي السلام الأمريكيين في الإدارات السابقة والذي تشاور معه كوشنر: "قال على الفور، لا تحدثني عن التاريخ. وقال: (أخبرتُ الإسرائيليين والفلسطينيين بألا يحدثوني عن التاريخ أيضاً)".
كان هذا نهجاً جريئاً للتعامل مع صراعٍ ومنطقة غارقين في كل منعطفٍ مرير في التاريخ، وفي واحدٍ من بضعة اجتماعات عقدها ميلر مع كوشنر، ذكَّر ميلر صهر الرئيس بملاحظة وليام فوكنر: "الماضي لا يموت أبداً. إنَّه حتى ليس ماضياً".
قرَّر كوشنر التعامل مع مشكلة فرض التاريخ لنفسه في المباحثات من خلال إعداد تسوية مُقتَرَحة للأزمة الإسرائيلية – الفلسطينية دون مفاوضات أو حتى حديث حقيقي مع أحد الطرفين.
فرانك سيناترا السلام
وقال ميلر: "أعتقد أنَّ جاريد لديه قناعة حقيقية بأنَّه هو (فرانك سيناترا) عملية السلام. إذ سيمضي بها بطريقته الخاصة"، والنتيجة هي "صفقة القرن"، كما وصفها ترامب، التي يُتوقَّع أن يقدمها الرئيس
الأمريكي رسمياً لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في البيت الأبيض اليوم الثلاثاء 28 يناير/كانون الثاني. لكن تسرَّب من تفاصيل المقترحات ما يكفي للاستهانة بالخطة على نطاقٍ واسع باعتبارها تحابي إسرائيل من خلال فتح الباب أمامها لضم أجزاء كبيرة من الأراضي المحتلة ومنحها سيطرة كاملة تقريباً على القدس.
اختار ترامب كوشنر، وهو مطور عقاري متزوج من ابنة الرئيس إيفانكا، للإشراف على السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل وفلسطين، حتى بالرغم من افتقاره للخبرة في دبلوماسية الشرق الأوسط. لكن يتصادف أنَّ كوشنر لديه علاقات عائلية وثيقة مع نتنياهو، الذي يواجه انتخاباتٍ في مارس/آذار المقبل.
فريق إعداد الصفقة إسرائيلي بامتياز
كان تشكيل فريق كوشنر بمثابة دليل مبكر على الوجهة التي كانت تنحو العملية باتجاهها، إذ ضم ديفيد فريدمان، وهو محام له علاقات وثيقة مع حركة الاستيطان الإسرائيلية في الأراضي المحتلة والذي اختاره ترامب سفيراً للولايات المتحدة لدى إسرائيل. وشكَّك فريدمان في الحاجة لوجود دولة فلسطينية، وشبَّه أعضاء مجموعة يهودية أمريكية ليبرالية بالمتعاونين مع النازية بسبب انتقادهم لتصرفات الحكومة الإسرائيلية.
ثُمَّ استعدت إدارة ترامب الفلسطينيين بسلسلةٍ من الإجراءات التي تصب في صالح إسرائيل، بما في ذلك نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وتقليص التمويل للاجئين الفلسطينيين. وجال كوشنر عواصم الشرق الأوسط سعياً لدفع كلٍ من ملوك السعودية والأردن والرئيس المصري للضغط على السلطة الفلسطينية للموافقة على خطة البيت الأبيض.
وكان من بين أولئك الذين خطب كوشنر ودهم ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وهو -إلى جانب صفقات السلاح- ما يفسر جزءاً من الأسباب التي دفعت إدارة ترامب لتركه دون عقاب على خلفية مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي.
كان ميلر متشككاً في العملية حتى قبل تدهور علاقات الإدارة مع الفلسطينيين، فقال: "قلتُ لجاريد كوشنر إنَّك لن تحل هذا الوضع لأنَّ المشكلة ليست في الولايات المتحدة. بإمكانك أن تجعل الوضع أسوأ، لكنَّك ستمر بأوقات عصيبة حتى تجعله أفضل، لأنَّ ما ينبغي عمله لا يمكن للولايات المتحدة عمله. الأمر يتطلَّب قرارات جوهرية من الإسرائيليين والفلسطينيين. وأي الطرفين ليس مستعداً لاتخاذ تلك القرارات. إنَّهما يفتقران لوجود القادة القادرين على اتخاذها".
إعلان الصفقة لإنقاذ نتنياهو ليس إلا
وقال ميلر، الذي التقى كوشنر بضع مرات ويصفه بأنَّه شخص محترم جداً، إنَّ صهر الرئيس جعل الوضع أسوأ بالفعل. لكنَّه خلُص إلى أنَّ العملية لم تحركها رغبة في تسوية سياسية بقدر ما حرَّكتها رغبة لتعزيز احتمالات إعادة انتخاب نتنياهو؛ لأنَّ هذا يساعد احتمالات ترامب في البقاء بالبيت الأبيض لولاية رئاسية جديدة.
وقال: "الأمر مرتبط بمجموعة من الأهداف السياسية والشخصية التي في رأيي ليس لها علاقة تُذكَر أو ليس لها علاقة تماماً بإقامة عملية تفاوضية واقعية وثابتة". وأشار ميلر إلى أنَّ كوشنر سيدير حملة إعادة انتخاب ترامب، وإلى أنَّ أي خطة تساعد في إعادة انتخاب نتنياهو من خلال منح إسرائيل ضوءاً أخضر لضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية المحتلة ستساعد بدورها الرئيس الأمريكي، ليس أقله مع أصوات المسيحيين الإنجيليين الداعمين جداً للدولة اليهودية.
وقال: "أخبرتُ جاريد أنَّك ستضع خطة تلبي احتياجات أو شروط طرف واحد فقط. وقلتُ إنَّ هذه مشكلة خطيرة، لأنَّ المصداقية والنزاهة الأمريكيتين هما أيضاً مطروحتان على الطاولة، وليس فقط السياسة الداخلية الأمريكية وإعادة انتخاب دونالد ترامب".
قائمة ممتدة من المبادرات والمحصلة صفر
حديث كوشنر عن التاريخ أو بالأحرى إصراره على تجاهله يعيد للأذهان قائمة طويلة من المبادرات كانت تهدف جميعاً لتحقيق هدف السلام في المنطقة، والاختلاف بين صفقة ترامب وبين ما سبقها جوهري ويتمثل في "حل الدولتين"، الذي أعلنت الصفقة الحالية موته رسمياً، بحسب ما تسرب منها حتى الآن، بحسب تقرير لرويترز.
بدأت مبادرات السلام بعد حرب يونيو/حزيران 1967، التي احتلت فيها إسرائيل الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان السورية وشبه جزيرة سيناء المصرية، وتمثلت أول تلك المبادرات في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 الذي طالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها مقابل اعتراف الدول العربية بإسرائيل كإحدى دول المنطقة.
وظل القرار يمثل الأساس للعديد من مبادرات السلام لكن عدم إحكام صياغته عقّد جهود السلام لعشرات السنين، إذ هل تشير الصياغة إلى كل الأراضي المحتلة أم إلى بعضها؟
اتفاقية كامب ديفيد 1979
بعد خمس سنوات من حرب عام 1973، دعا الرئيس الأمريكي جيمي كارتر رئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيغن والرئيس المصري أنور السادات إلى منتجع كامب ديفيد الرئاسي في ماريلاند للتفاوض على السلام. واتفق السادات وبيغن على إطار عمل للسلام في الشرق الأوسط يدعو إلى انسحاب إسرائيل على مراحل من شبه جزيرة سيناء وإلى إقامة حكم ذاتي مؤقت للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وتم توقيع معاهدة السلام في حديقة البيت الأبيض لتصبح أول معاهدة سلام بين إسرائيل ودولة عربية. وحددت المعاهدة خططاً لانسحاب إسرائيلي كامل من سيناء في غضون ثلاث سنوات.
قمة مدريد 1991
بعد أربع سنوات من قيام انتفاضة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة انعقد مؤتمر دولي للسلام في مدريد، وشارك في المؤتمر مندوبون من إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في سابقة تاريخية، حيث كانت المرة الأولى التي يجتمع فيها وفد من الدولتين في مكان واحد، لكن لم يتم التوصل إلى أي اتفاقات غير أن المسرح أصبح مهيأً للاتصالات بين إسرائيل والفلسطينيين.
اتفاقات أوسلو
أجرت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية محادثات في النرويج أسفرت عن اتفاقات سلام مؤقتة. وتدعو الاتفاقات إلى حكم ذاتي فلسطيني مؤقت وتشكيل مجلس منتخب في الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية من خمس سنوات وانسحاب للقوات الإسرائيلية وإجراء مفاوضات على تسوية دائمة.
قمة كامب ديفيد
دعا الرئيس الأمريكي بيل كلينتون الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك إلى كامب ديفيد، وأخفق الاثنان في التوصل إلى اتفاق نهائي وتفجرت انتفاضة فلسطينية ثانية.
مبادرة السلام العربية/خارطة الطريق
أصبح الرئيس جورج دبليو بوش أول رئيس أمريكي يدعو إلى قيام دولة فلسطينية تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل في "سلام وأمن".
وطرحت السعودية خطة سلام اعتمدتها الجامعة العربية تدعو لانسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي المحتلة وقبول إسرائيل قيام دولة فلسطينية مقابل إقامة علاقات طبيعية مع الدول العربية.
وفي ظل الانتفاضة الفلسطينية طرحت الرباعية الدولية (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا) خارطة طريق لحل دائم للصراع يقوم على أساس وجود دولتين.
قمة أنابوليس
استضاف الرئيس بوش قمة للشرق الأوسط في أنابوليس بولاية ماريلاند. وشارك في القمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود أولمرت واتفقا على استئناف المحادثات. وقال أولمرت فيما بعد إنهما أوشكا على التوصل لاتفاق لكن التحقيق معه في اتهامات بالفساد ونشوب حرب غزة في 2008 تسببا في انتهاء المفاوضات.
تجميد المستوطنات الإسرائيلية واستئناف المحادثات ونهايتها
في خطاب ألقاه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في جامعة بار إيلان عام 2009، قال إنه على استعداد للتوصل إلى اتفاق سلام يتضمن إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح. كما وضع شرطاً آخر تمثل في اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل باعتبارها "دولة الشعب اليهودي".
و تحت ضغط أمريكي، فرض نتنياهو تجميداً جزئياً للبناء الاستيطاني في الضفة الغربية عام 2010، واستؤنفت محادثات السلام قبل انتهاء التجميد ثم انهارت بعد رفض نتنياهو تمديد فترته.
ثم التقى مفاوضون إسرائيليون وفلسطينيون في ظل دعوة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لاستئناف المحادثات، وتعثرت المحادثات وعُلقت في أبريل/نيسان 2014.
وأثناء حملته الانتخابية عام 2016، أعلن ترامب أنه سيقدم "صفقة القرن" التي ستنهي الصراع في منطقة الشرق الأوسط للأبد، لكن الصفقة ماتت قبل حتى أن يعلنها رسمياً اليوم.