منحت زيارة لواشنطن قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لبحث الخطة المرتقبة لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، دفعة مفاجئة لمنافسه السياسي الرئيسي يوم الإثنين، إذ تحقق له لقاء منفصل مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
لماذا استقبل ترامب خصم نتنياهو؟
تساوت تقريباً كفتا القائد العسكري السابق بيني غانتس ونتنياهو في الانتخابات السابقة التي جرت مرتين في العام الماضي، الأمر الذي أدى إلى إجراء انتخابات ثالثة من المقرر أن تتم في مارس/آذار المقبل.
وتلقى الزعيمان دعوة للحضور إلى الولايات المتحدة بمناسبة إزاحة الستار اليوم الثلاثاء، كما هو مقرر عن خطة ترامب لـ "إحلال السلام" بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
يقول مسؤول أمريكي لرويترز إن نتنياهو، زعيم حزب ليكود اليميني الذي شغل منصب رئيس الوزراء أربع مرات، أراد أن يرافقه غانتس إلى البيت الأبيض بما "يظهر لكثير من الإسرائيليين أنه دونه منزلة".
وقال المسؤول إن نتنياهو "كان يفضل أن يكون غانتس ضمن حاشيته" وهو يقف إلى جوار ترامب خلال إعلان خطة السلام اليوم الثلاثاء.
غير أن غانتس وصل وحده والتقى ترامب يوم الإثنين بعد أن عقد نتنياهو محادثات تمهيدية مع الرئيس الأمريكي. وينوي غانتس عدم حضور مراسم اليوم الثلاثاء، وقد فضل العودة إلى إسرائيل للتصويت برفض طلب نتنياهو الحصول على حصانة برلمانية من المحاكمة بتهم الفساد.
لكن لاحقاً، سحب نتنياهو طلب الحصانة نافياً الاتهامات الموجهة له، في الوقت الذي تم تقديم لائحة اتهام في محكمة القدس ضده في القضايا المتهم بها على الفور مساء الثلاثاء.
فيما علق خصمه غانتس على ذلك بالقول: "نتنياهو سيمثل للمحاكمة.. علينا أن نمضي قدما". وأضاف في تغريدة على تويتر: "مواطنو إسرائيل أمامهم خيار واضح: إما رئيس وزراء يعمل من أجلهم أو رئيس وزراء مشغول بنفسه. لا يستطيع أحد أن يدير البلد ويتصدى لثلاث قضايا جنائية خطيرة في الوقت ذاته".
هل ما زال ترامب يراهن على نتنياهو؟
يبدو أن ترامب كان يريد منح نتنياهو حليفه اليميني دفعة الدعاية الأكبر. فقد ظهر أمام كاميرات الوسائل الإعلامية مع رئيس الوزراء في حين لم يحضر الصحفيون لقائه مع غانتس.
ومع ذلك تفاخر حزب أزرق أبيض الذي يتزعمه غانتس بلقائه وجهاً لوجه مع ترامب. وقال يائير لابيد، الرجل الثاني في الحزب، في تغريدة نشرها مع صورة لترامب وهو يصافح غانتس في المكتب البيضاوي: "الرئيس ورئيس الوزراء القادم. تعودوا على ذلك".
أيضاً، قال مسؤول في البيت الأبيض إن لقاء ترامب مع غانتس كان "طيباً" وإن الرئيس استمتع بالحديث معه. ووصف غانتس اللقاء بأنه "مهم واستثنائي ورائع".
وفيما يبدو ساعد معاونو ترامب الرئيس في التعرف على غانتس الذي لم يسبق له التعامل معه. وقال مسؤول أمريكي إنه تم إبلاغ ترامب مقدماً بأن غانتس "بطل من أبطال الحرب وجديد على السياسة". وكان ترامب نفسه جديداً على السياسة عندما نجح في الانتخابات عام 2016.
هل انقلب "سحر" نتنياهو عليه؟
تناقض دخول غانتس البيت الأبيض تناقضاً صارخاً مع محاولات نتنياهو تصوير قائد الجيش السابق في عهده على الساحة الداخلية "كيساري ضعيف" لا يتمتع بالخبرة الدبلوماسية.
ولم يعلق نتنياهو على الفور على زيارة غانتس. وقد امتدح ترامب نتنياهو في اللقاء بوصفه "صديقاً عظيماً لي وصديقاً عظيماً لبلادنا". غير أن ترامب تحدث أيضاً وهو يقف إلى جوار نتنياهو عن غانتس فقال إن الإثنين: "متنافسان رائعان.. يخوضان المعركة حتى النهاية".
في حين قال يوهانان بليسنر، رئيس معهد الديمقراطية الإسرائيلي، إن زيارة واشنطن فرصة لكي يرى الإسرائيليون "نتنياهو رجل الدولة مقارنة مع نتنياهو المدافع عن منصبه"، وهي ميزة انتخابية لحزب ليكود. لكنه أضاف: "تخلص غانتس من بعض الضرر المحتمل بتلقيه دعوة للقاء خاص مع الرئيس".
تقول رويترز، يفتقر غانتس إلى طلاقة لسان نتنياهو باللغة الإنجليزية، وقد اختار أن يبدو في واشنطن في صورة القادم من الوسط الشعبي، فقد وصل على رحلة جوية تجارية وتحاشى الخروج من قاعة كبار الزوار في المطار. وخرج للتريض في الصباح في مركز واشنطن التجاري قبل أن يضع نظارته ويرتدي الملابس الرسمية من أجل زيارته للبيت الأبيض.
وقبل سفره ألقى غانتس بياناً للتلفزيون مدح فيه جهود ترامب لإحلال السلام وأكد أن حزب أزرق أبيض سيلتزم بالمساعي الدبلوماسية بعد الانتخابات.
ووجّه في البيان انتقاداً لاذعاً لخصمه السياسي باللغة العبرية لم يكرره باللغة الإنجليزية فقال: "نتنياهو لا يمكنه أن يدير دولة ومحاكمة في ذات الوقت".
هل تنقذ "هدية ترامب" نتنياهو من السقوط؟
يريد نتنياهو العودة من لقاء واشنطن بخطوات يمكن أن يتخذها على أرض الواقع، والفوز بأصوات اليمين الرخوة التي يمكن أن تحسم الانتخابات. لكن غانتس، من ناحية أخرى، يرغب في ترك موضوع محاكمة نتنياهو متصدراً العناوين والمشهد العام في إسرائيل.
القناة 12 العبرية، نشرت أمس الإثنين، مقطعاً مرئياً من أحد خطابات نتنياهو يسخر فيها من زيارة شمعون بيرس، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إلى الولايات المتحدة الأمريكية قبيل الانتخابات آنذاك ويقول بشكل واضح: "كل هذه الزيارة هي من أجل الحزب وفقط من أجل الدعاية الانتخابية".
اتخذ المحللون الإسرائيليون هذه الحادثة لانتقاد نتنياهو أيضاً، معتبرين أن ما يفعله اليوم هو الأمر ذاته الذي عاير به بيرس قبل سنين. معتبرين أيضاً أن "جل هدف ترامب من الإعلان عن ما يعتبرونه "خطة وهمية" هو فقط لخدمة نتنياهو للبقاء في الحكم.
خصوصاً أن جناحاً في اليمين المتطرف يرفض صفقة ترامب، في حين يهدد المستوطنون بعرقلة تطبيق صفقة القرن، إذ قال رؤساء مستوطنات الضفة الغربية إنهم لن يسمحوا بتطبيق صفقة القرن إذا لم يتم إحداث تغييرات جوهرية في بعض بنودها وبخاصة المتعلقة بمنح الفلسطينيين مناطق قريبة من المستوطنات.
وبحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" فإن العشرات من نشطاء اليمين من مستوطني الضفة الغربية أرسلوا كتاباً لنتنياهو، أكدوا له فيه أنهم لن يسلموا بهكذا صفقة ولن يسلموا بمنح السلطة تفويضاً بالبناء قرب المستوطنات وتطويقها من كل اتجاه، وأنهم لن يقبلوا بالسفر عبر طرقات محاطة بالفلسطينيين، وأنه وفي حال الموافقة على الصفقة فستتخلى "إسرائيل" عن المستوطنين لقدرهم المحتوم.