الصين الآن ينطبق عليها المثل "المصائب لا تأتي فرادى"، فالدولة العملاقة تسابق الزمن للحد من انتشار فيروس كورونا وحصاره داخل مقاطعة هوبي، لكن الآثار الاقتصادية السلبية ربما تتسبب فيما هو أكثر خطورة، في ظل مؤشرات غير جيدة بشأن الاقتصاد العالمي، فما القصة؟
ماذا حدث؟
أغلقت الشركات الكبرى والمطاعم والمقاصد السياحية في الصين أبوابها وأوقفت أنشطتها بسبب الانتشار السريع لفيروس كورونا وازدياد حالات الوفاة والإصابة بوتيرة متسارعة، مما انعكس بشكل فوري على عالم المال والأعمال حول العالم، في وقت ليس مثالياً بالنسبة للاقتصاد العالمي، بحسب تقرير لشبكة سي إن إن الأمريكية اليوم الثلاثاء 28 يناير/كانون الثاني.
شركات ستاربكس وكنتاكي وبيتزا هات وماكدونالدز أعلنت إغلاق فروعها في مدينة ووهان مركز الإصابة الرئيسي بالفيروس، ثم أغلقت فروعها في مقاطعة هوبي بالكامل (يقطنها 56 مليون نسمة) ومع ارتفاع حالات الوفاة إلى 103 أمس الإثنين 27 يناير/كانون الثاني، من المرجح أن تتجه تلك الشركات لوقف نشاطها في الصين بالكامل.
شركة ديزني التي لا يوجد لها أفرع في المقاطعة الموبوءة هوبي أغلقت فروعها في شانغهاي وهونغ كونغ أيضاً، ما يعني تكبد خسائر فادحة، خصوصاً أن هذه الفترة تشهد موسم العطلات في الصين، حيث احتفالات السنة القمرية الجديدة، وهو موسم السفر لملايين الصينيين والسياح داخل الصين وخارجها.
هل التأثير الاقتصادي مقتصر على الصين؟
الاقتصاد الصيني هو ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم بعد الاقتصاد الأمريكي والشركات العالمية جميعاً تعاملاتها الأكبر مع الصين أو داخل الأسواق الصينية، وبالتالي فإن التأثير الفوري للفيروس على الاقتصاد الصيني يؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد العالمي ككل.
ولا يقتصر التأثير حتى الآن على شركات الأغذية والمطاعم والسياحة والسفر فقط، بل عانت البورصات العالمية من انخفاضات ملحوظة، حيث عانت الأسهم الأمريكية أمس الإثنين أسوأ جلساتها في أكثر من ثلاثة أشهر، بعد أن تأججت المخاوف من الأثر الاقتصادي لجهود احتواء الفيروس على ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بحسب تقرير لرويترز.
الأسهم العالمية لم تكن الوحيدة التي تراجعت بفعل القلق من تأثير كورونا، بل إن أسعار النفط أيضاً انخفضت لأدنى مستوياتها منذ ثلاثة أشهر لتكسر حاجز 60 دولاراً للبرميل، وكل هذا مخاوف من أن يضر الفيروس أكثر بالاقتصاد الصيني المعتل بالفعل وهو أحد محركات النمو العالمي.
هل التأثير مؤقت؟
لا يزال الوقت مبكراً للإجابة على هذا السؤال بدقة، حيث إن معركة الفيروس لا تزال مستعرة وكل شيء الآن يتوقف على نجاح الصين والهيئات الصحية حول العالم في احتواء الفيروس والتوصل للقاح ناجع ضده، وإذا ما تأخر ذلك ربما تكون الآثار على الاقتصاد العالمي أكثر خطورة واستدامة مما هي عليه الآن.
ففي مجال النفط، سعت السعودية والإمارات، أمس الإثنين، للتقليل من أثر الفيروس، وقالت الرياض، أكبر منتج في منظمة أوبك، إنه بمقدور المجموعة الاستجابة لأي تغييرات في الطلب، وقال وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان إنه يثق في احتواء الفيروس الجديد.
وأضاف أن ما يحدث في الأسواق "مدفوع في الأساس بالعوامل النفسية والنظرة شديدة التشاؤم التي يتبناها بعض أطراف السوق، على الرغم من أن أثره (الفيروس) على الطلب العالمي على النفط محدود للغاية".
وقال الأمير عبدالعزيز: "مثل هذا التشاؤم حدث في عام 2003 أثناء الأزمة التي أحدثها انتشار فيروس سارس، ولم يترتب عليه انخفاض يُذكر في الطلب على النفط".
مقاطعة البضائع الصينية؟
إضافة للتأثيرات المباشرة والفورية كرد فعل على انتشار الذعر من فيروس كورونا، لا يمكن استبعاد أن تستغل الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب الموقف لصالحها في إطار الحرب التجارية مع الصين؛ صحيح أن توقيع المرحلة الأولى من اتفاقية التجارة بينهما قد خفف من حدة تلك الحرب لكنه لم ينهِها.
ترامب يريد زيادة الواردات الأمريكية إلى الصين وتقليل الصادرات الصينية للسوق الأمريكية، وفي ظل المخاوف من انتشار عدوى كورونا ليس مستبعداً أن تتخذ الإدارة الأمريكية قراراً بمقاطعة البضائع الصينية حتى تتضح الصورة، لكن هذا القرار لن يكون سهلاً لاعتبارات كثيرة، أبرزها رخص أسعار البضائع الصينية مقارنة ببدائلها من الأسواق الأخرى، وهو ما قد ينعكس مباشرة على المستهلك الأمريكي، وهذا ما لا يريده ترامب في عام الانتخابات.
لكن الدعوات لمقاطعة البضائع الصينية بدأت تنتشر على نطاق واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي في الغرب، ما يعني أنه في حالة استمرار وتيرة انتشار الفيروس وارتفاع أعداد المصابين وحالات الوفاة كما هي الآن، ربما يكون التأثير الاقتصادي لفيروس كورونا أكثر عمقاً، ليس فقط على الاقتصاد الصيني، بل على على الاقتصاد العالمي ككل.