الإعلان المفاجئ من جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن عزمه الإفصاح عن تفاصيل "صفقة القرن" أثار موجة من الشك، ليس بين صفوف الفلسطينيين بل في الداخل الإسرائيلي نفسه، حيث تدور رحى معركة انتخابية هي الأطول في التاريخ، فما القصة؟
ماذا حدث؟
الخميس الماضي 23 يناير/كانون الثاني، أعلن ترامب بشكل مفاجئ توجيه الدعوة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومنافسه بيني غانتس لزيارة البيت الأبيض لمراجعة خطة السلام قبل الإعلان عنها، في خطوة تسببت في هزة عنيفة في أجواء الحملة الانتخابية في إسرائيل، بحسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست، التي وصفت التحرك بأنه في صالح نتنياهو.
الانتخابات الإسرائيلية مقررة في الثاني من مارس/آذار المقبل، وهي الثالثة في أقل من عام بعد أن فشل كل من نتنياهو زعيم حزب الليكود، وغانتس زعيم حزب أزرق أبيض في الفوز بعدد كافٍ من المقاعد لتشكيل الحكومة في المرتين السابقتين أبريل/نيسان، وسبتمبر/أيلول من العام الماضي، ويواجه نتنياهو اتهامات بالفساد وخيانة الأمانة وتلقي رشاوى، وما لم يحصل على دعم من الكنيست لإقرار قانون حصانة يعفيه من المحاكمة على الأرجح سيكون مصيره السجن.
التوقيت المشبوه
في هذا السياق جاء توقيت إعلان ترامب مشبوهاً، بحسب وصف المحللين والمراقبين في واشنطن وإسرائيل، كما أجمع محللون سياسيون فلسطينيون على أن التوقيت يأتي خدمة لمصالح شخصية وحزبية لكل من ترامب ونتنياهو.
الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني وديع أبونصار قال للأناضول إن توقيت صفقة القرن يأتي لإنقاذ نتنياهو، مستبعداً أن تقدّم الصفقة أي حق للفلسطينيين. وأضاف: "التوقيت مشبوه، يأتي بالتوازي مع بداية جلسات الكنيست للبتّ بحصانة نتنياهو، ترامب يريد أن يساعد نتنياهو، ويساعد نفسه كي يظهر أمام اليمين المتطرف بالولايات المتحدة أنه قادر على تقديم أي شيء لحماية إسرائيل".
ويتفق الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني تيسير محيسن مع نفس الطرح الذي يرى أن الإعلان عن هذه الصفقة في هذا التوقيت يأتي لخدمة الأجندات السياسية ودعم لتيار اليمين الذي يقوده نتنياهو. وأضاف: "واضح أن نتنياهو أيضاً يوظف مخرجات أفكار الإدارة الأمريكية تحت مسمى صفقة القرن، لخدمة أجندته السياسية للترويج أنه حقق نجاحات خلال ولايته لحكومة الاحتلال".
وعلى الصعيد الإسرائيلي الداخلي، أثار توقيت الإعلان عن الصفقة ريبة عدد من قادة الأحزاب، من بينهم رئيس "إسرائيل بيتنا"، أفيغدور ليبرمان، الذي اعتبر ذلك التجاءً من نتنياهو لواشنطن. واستكمل قائلاً:" لو أن ليبرمان رأى أن إعلان الصفقة يصبّ في مصلحة إسرائيل لبارك هذه الخطوة".
ما فرص إنقاذ نتنياهو فعلياً؟
غانتس كان قد حذر ترامب مؤخراً من أن طرح خطة السلام في منتصف الحملة سيكون بمثابة "تدخُّلٍ جسيم" في الانتخابات، لكن الرئيس الأمريكي تدخل بالفعل في الانتخابات ووجه الدعوة لغانتس ونتنياهو، واليوم الإثنين 27 يناير/كانون الثاني سيلتقي غانتس ويطلعه على تفاصيل الخطة التي من المرجح أن يعلنها رسمياً غداً الثلاثاء.
أما عن فرص نجاح مساعي ترامب هذا المرة في إنقاذ نتنياهو فتظل رهناً بعوامل كثيرة، وبحسب تقرير لصحيفة هآرتس الإسرائيلية، فإن "حبكة ترامب لإنقاذ نتنياهو دخلت المرحلة التالية"، ووضعت الصحيفة السيناريو الذي يسعى ترامب لتنفيذه وهو فرض حل حكومة وحدة وطنية بين نتنياهو وغانتس في أعقاب انتخابات مارس/آذار المقبل، التي تشير استطلاعات الرأي حتى الآن إلى أنها لن تختلف كثيراً عن المرتين السابقتين وتظهر أن غانتس متقدم على نتنياهو.
حكومة الوحدة المقترحة يرأسها نتنياهو أول 6 أشهر ويتولى فيها غانتس منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية على أن يتبادلا الأدوار في الأشهر الستة التالية، لكن السيناريو يقوم على أن تدخل "صفقة ترامب" حيز التنفيذ في الشهر الأخير من مدة نتنياهو ما يعني وضع غانتس في موقف مستحيل، إما أن يصر على تولي منصب نتنياهو في توقيت تكون فيه إسرائيل تستعد لتنفيذ ضم غور الأردن ومعظم أراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية -بحسب الخطة- وهو ما يعني صعوبة تغيير القيادة، وإما أن يقبل بأن يواصل نتنياهو في منصبه حتى إتمام تنفيذ الصفقة.
هذا السيناريو تحديداً هو ما كان نتنياهو يسعى إليه من البداية؛ أي إقناع غانتس وجماعته بالدخول في ائتلاف حكومي يتمكن نتنياهو من خلاله من تمرير قانون الحصانة، وبالتالي يبعد سيف المحاكمة والسجن عن رقبته، وبعدها يأتي دور ترامب وصفقته ومراحل تنفيذها ليكون حصان طروادة الذي يمتطيه نتنياهو ليظل في المنصب.
وفي ظل المعطيات الحالية وأهمها أن المعارضة في إسرائيل باتت تتبنى ذات الأفكار التي تطرحها صفقة ترامب، والوضع الفلسطيني والعربي الحالي، من المرجح أن تنجح هذه الخطوة في إنقاذ مستقبل نتنياهو السياسي.