خطة سلام الشرق الأوسط التي يخطط ترامب للإعلان عنها تدق المسمار الأخير في نعش تلك الجثة التي تُعرف بمشروع حل الدولتين. كما أنها ستخلق واقعاً جديداً حيث القانون الدولي وقرارات المجتمع الدولي، ولا سيما المؤسسات الدولية، سيصبح لا معنى لها ولا قيمة.
بمجرد نشر اقتراح ترامب علناً، لن يعود بإمكان أي شخص التحدث بجدية عما يُعرف بحل الدولتين. فالحل الذي ربما لم يولد قط، لكنه الآن سيصبح ميتاً بلا ذرة شك. إذ لا توجد فلسطينية، ولن تكون هناك، حسب تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.
لا عزاء لنفاق أوروبا واليسار الصهيوني
إن الجسارة التي تبديها أمريكا في دعمها الضم الإسرائيلي لأراض أخرى الآن وإقامة دولة فلسطينية فقط "في المستقبل"، كما لو كانت القضية الملحة هي الضم وليس الاحتلال، ليست إلا زخارف لنعش حل الدولتين الميت. إذ لن تتمكن السلطة الفلسطينية ولا الاتحاد الأوروبي ولا الأمم المتحدة ولا المؤسسة الدينية ولا اليسار الصهيوني بعد الآن من ذكر هذا الخيار دون التعرض لإساءات بالغة.
كيف تجرؤ الدول الأوروبية على ذكر حل الدولتين دون إهانة نفسها؟ كيف سيتجرأ اليسار الصهيوني على الحديث عن قيام دولة فلسطينية؟ وأين بالضبط ستنشأ هذه الدولة؟ بين بيت لحم وقرية بيت أُمّر، مع كتلة مستوطنة غوش عتصيون قابعة بينهم في الوسط؟ أم بين القدس الشرقية وأريحا، اللتين أخذت مستوطنة معالي أدوميم تتوسع بينهما؟ هل ستكون دويلة فلسطينية، قطعة أرض فلسطينية صغيرة، وحديقة مصغرة بها نماذج صغيرة من المباني والناس في تظاهرة مختزلة عجيبة تعبر عن الحل العادل للدولتين.
الفلسطينيون سيصبح لديهم ما يشبه نصف دولة
إذ مع ضمِّ غور الأردن ومعظم مستوطنات الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية، بات مضموناً للفلسطينيين أن لن يكون لديهم دولة أو نصف دولة أو مدينة، أو حي حتى. لا شيء سوى مستعمرة عقابية (penal colony). وبعد أن يسمح دونالد ترامب بضم غور الأردن ومعظم المستوطنات المقامة، فإنه بذلك يعلن رسمياً إقامة دولة الفصل العنصري المعروفة بدولة إسرائيل. فما بدأه هرتزل في بازل، أنهاه ترامب من واشنطن.
من الآن فصاعداً، سيكون من المستحيل السماح للمجتمع الدولي، وخاصة أولئك المدّعين الذين يصفون أنفسهم بمحبي الخير والسلام، بالاستمرار في إظهار حتى دعمهم الشفهي لحل الدولتين. لا يوجد شيء من هذا القبيل. لم يكن هناك قط شيء كهذا. ولن يكون هناك أبداً. إذا كان المجتمع الدولي، ومعه السلطة الفلسطينية، يأملان في حل المشكلة الفلسطينية، فلن يكون هناك سوى طريق واحد أمامهم: إقامة ديمقراطية [إسرائيلية] بين البحر المتوسط ونهر الأردن. إذ لم يتبق لديهم شيء آخر.
إما الاعتراف بالفصل العنصري أو المطالبة بحقوق الفلسطينيين
يتعين على أوروبا، التي تحولت إلى مجموعة من منتقدي الاحتلال، أن تتبنى لغة جديدة، لغة المساواة في الحقوق. فالعالم أمامه خياران: إما الاعتراف بالفصل العنصري، وإما بإمكانه دعم حل الدولة الديمقراطية الواحدة.
لا يمكن لأوروبا الاستمرار في احتضان إسرائيل والتحدث عن "القيم المشتركة" مع دولة فصل عنصري رسمية.
وسيتعين عليها، في النهاية، أن تتذكر كيف تصرفت مع سلف تلك الدولة، أي جنوب إفريقيا، وكيف أفضت مساعي أوروبا ونوع من المقاطعة الرسمية وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات إلى سقوط هذا النظام العنصري.
وعلى عباس التخلي عن الدولارات الموعودة ومكافحة العنصرية بعدما أصبح كوشنر أهم من الأمم المتحدة
أمَّا الرئيس الفلسطيني محمود عباس والسلطة الفلسطينية فسيكون عليهم توديع حلم الدولتين. فقد عُلِّق على الرف. وحل محله حلم مختلف، وعليهم أن يتعاملوا معه، ويتحدثوا لغته، ويعملوا على تحقيقه، إذ إمَّا ذلك وإما الاستسلام للفصل العنصري مقابل حفنة الدولارات التي وعد بها الأمريكيون. والأمر ذاته بالنسبة لإسرائيل بالطبع، فحلمهم، بدولة يهودية، جرى تأجيله. لقد انتهت الصهيونية. أنت بقيت صامتاً، أنت أيّدت، وأنت غضضت الطرف؛ الآن عليك التعامل مع ما ستلاقيه أمامك.
على ما في أخبار ترامب من شؤم، فإن استسلام العالم لها أشد شؤماً. فترامب لا يخلق إسرائيل جديدة فحسب، وإنما عالماً جديداً، حسب الصحيفة الإسرائيلية.
عالماً خالياً من القانون الدولي، ليس فيه احترام لأي قرارات دولية، ليس فيه احترام حتى لمظاهر العدالة، عالماً يكون صهر الرئيس الأمريكي فيه أقوى من الجمعية العامة للأمم المتحدة. فالعالم الذي يسمح فيه بشرعنة المستوطنات، يُسمح فيه بأي شيء.
ما أُخذ بالقوة العسكرية الوحشية، لا يُحرر إلا بالقوة. ففي عالم ترامب واليمين الإسرائيلي، ليس هناك مجال للضعفاء، ولا حقوق لهم، حسب تعبيرهاآرتس.
من الآن فصاعداً، بات الأمر إمَّا شخص واحد، وصوت واحد: صوت ترامب (وبنيامين نتنياهو)، وإمَّا حقوق متساوية في التصويت لكل شخص يعيش في إسرائيل-فلسطين. لقد حان الوقت للأوروبيين والفلسطينيين والإسرائيليين للاختيار بين الاثنين.