كان أسبوعاً حافلاً بدأ بالكشف عن اختراق ولي عهد السعودية لهاتف جيف بيزوس، الرئيس التنفيذي لشركة أمازون، وانتهى بعرض فيلم تناول مقتل جمال خاشقجي في مهرجان صندانس السينمائي، وما بينهما من تقارير عن محاولة السعودية خطف معارض آخر، فما القصةُ؟
نشر موقع ميدل إيست آي البريطاني تقريراً بعنوان: "من "مرحباً محمد بن سلمان"، إلى محاولة اختطاف.. مهرجان صندانس السينمائي يُسلِّط الضوء على مخططاتٍ سعودية"، سلَّط فيه الضوء على ما تكشَّف حتى الآن، وما خفي كان أعظم.
نُشرت مجموعة من التقارير التي تتناول مزاعم جديدة حول: إلى أيّ مدى تستهدف عمليات المملكة العربية السعودية المعارضين والمنتقدين في المنفى، في الولايات المتحدة وأوروبا، في وقت العرض الأول لفيلم جديد، الجمعة 24 يناير/كانون الثاني، عن مقتل جمال خاشقجي في مهرجان صندانس السينمائي.
عرض فيلم "المعارض"
شهد هذا الأسبوع كشفاً مذهلاً تلو الآخر، من اختراق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان المزعوم لهاتف جيف بيزوس، الرئيس التنفيذي لشركة أمازون، إلى المُعارض السعودي الذي يقول إن حكومته حاولت خطفه من الولايات المتحدة، وهو ما شغل خبراء الأدلة الجنائية والمتصيّدين السعوديين.
وتأتي هذه التقارير في الوقت الذي عُرض فيه فيلم المخرج برايان فوغل، الحائز جائزة الأوسكار، عن مقتل خاشقجي، الذي كان كاتباً لمقالات الرأي في صحيفة The Washington Post، المملوكة لبيزوس، وقت وفاته في القنصلية السعودية، في أكتوبر/تشرين الأول 2018، لأول مرة في مهرجان صندانس الشهير في ولاية يوتا.
وقالت صحيفة The Washington Post في تقرير نُشر قبل العرض الأول لفيلم The Dissident: "كان مقتل جمال خاشقجي عام 2018 حدثاً تاريخياً… والآن من المتوقع أن يتحول إلى شيء آخر: حدث سينمائي".
أشار التقرير نفسُه إلى أن الفيلم "يؤثر بالفعل على سير التطورات"، واستشهد بتصريحات أغنيس كالامارد، المقررة الخاصة للأمم المتحدة التي حقَّقت في وفاة خاشقجي، التي أشادت بالفيلم، وقالت للصحيفة: "إنه أقوى بكثير من أي تقرير يمكنني كتابته، حيث إنه يقدم القصة إلى عدد كبير من الناس".
وبعد تقارير موقع Middle East السابقة عن التهديدات السعودية للمعارضين، وتسلله إلى وادي السيليكون، التي حازت اهتماماً كبيراً، ابتعد موقع Middle East Eye قليلاً عن الجدال المحتدم للتأمل فيما كُشف عنه بالفعل، وما هي الأسئلة المتبقية:
"مرحباً محمد بن سلمان"
بدأ كل شيء في وقت متأخر من يوم الثلاثاء، 21 يناير/كانون الثاني، حين ذكرت صحيفتا The Guardian وFinancial Times البريطانيتان، نقلاً عن خبراء في الأدلة الجنائية، أنه من المحتمل أن حساب واتساب الذي يستخدمه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان اخترق هاتف بيزوس، في مايو/أيار عام 2018.
في الواقع، كان غافن دي بيكر، الذي تم التعاقد معه لاكتشاف الطريقة التي وصلت بها رسائل بيزوس النصية الحميمية لحبيبته إلى صحيفة National Enquirer الأمريكية، هو أول من زعم أن المملكة اخترقت هاتف مالك صحيفة The Washington Post في مارس/آذار الماضي.
والجديد هذا الأسبوع هو ظهور مزاعم بأن ولي العهد نفسه -أو على الأقل حسابه الذي يستخدمه على واتساب- وراء اختراق الهاتف، من خلال ملف فيديو شاركه مع بيزوس.
ولكن حتى وقت متأخر من يوم الثلاثاء، ما لم يكن واضحاً بعد أن شركة FTI Consulting، شركة الأمن الرقمي التي استعان بها بيزوس أيضاً، قد توصلت إلى استنتاجاتها في نوفمبر/تشرين الثاني، وهو ما اتّضح بعد أن نشرت صحيفة Motherboard نسخةً كاملة من التقرير، يوم الأربعاء 22 يناير/كانون الثاني.
بالعودة إلى مساء الثلاثاء، بعد مرور ما يزيد قليلاً عن ساعة على نشر تقرير The Guardian، أعلن مقرران خاصان للأمم المتحدة أنهما سيُدليان ببيان في اليوم التالي حول هذه المزاعم.
وبالفعل، أصدرا البيان ظهيرة يوم الأربعاء وتقريراً مرفقاً -فهم موقع MEE أنه سيصدر بالكامل في مايو/أيار- يكشف المزيد عن الاختراق المزعوم، ويدعو إلى تحقيق فوري تُجريه السلطات الأمريكية وغيرها.
إلى جانب تقرير شركة FTI، خرجت الآن تفاصيل مثيرة إلى العلن، وهي أن بيزوس بدأ رسائله مع محمد بن سلمان على واتساب بالقول "مرحباً يا محمد بن سلمان"، وأن ولي العهد أرسل صورة لامرأة تشبه صديقته مع رسالة ساخرة، قبل أشهر من الإعلان عن علاقته.
إلا أنه كانت هناك دعوات أيضاً تاهت قليلاً في التفاصيل، من خبراء الأدلة الجنائية، منهم أناس مثل بيل ماركزاك من Citizen Lab، الذين حققوا في حالات اختراق سعودية أخرى مشتبه بها، لتوخي الحذر.
وحذروا من أن أدلة شركة FTI تثير الشكوك، لكن يلزم إجراء مزيد من التحقيقات لتحديد ما إذا كان بيزوس قد تعرّض للاختراق أم لا، وكيف حدث؟ وفي الوقت نفسه، وصف المسؤولون السعوديون هذه المزاعم بأنها "سخيفة".
مدون ساخر يقاضي السعودية
تلا ذلك مباشرة الأخبار التي نشرتها صحيفة The Guardian، التي جاء فيها أن إحدى المحاكم العليا في المملكة المتحدة منحت المعارض السعودي والمدون الساخر غانم المصارير الإذن بمقاضاة السعودية، على خلفية زعمه بأن السعودية استخدمت برامج التجسس لاختراق اثنين من هواتفه.
إذ يزعم المصارير (39 عاماً)، الذي يقدم برنامجاً شهيراً على موقع يوتيوب، غالباً ما يسخر فيه من الحكومة السعودية، أن المملكة استخدمت برامج تجسس من شركة NSO Group الإسرائيلية عام 2018، للوصول إلى الميكروفونات والكاميرات الموجودة في هواتفه لمراقبة كل تحركاته.
كما أنه سيرفع دعوى بعد أن تعرّض هو وآلان بندر -الذي كان موضوع بعض التقارير الإخبارية المثيرة في الآونة الأخيرة- لهجوم شنّه رجلان عليهما أمام متجر هارودز، في أغسطس/آب عام 2018، وهو هجوم يزعم أن الحكومة السعودية هي مَن خططت له، فيما تحقق فيه شرطة سكوتلانديارد.
وتقدّم الدوسري بدعواه القانونية إلى المحكمة العليا في المملكة المتحدة، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ولكن كان عليه الانتظار لانعقاد المحكمة للتصريح بانتقال قضيته إلى مرحلة التقاضي، لأنه يقاضي حكومة أجنبية. وجاء هذا التصريح الرسمي في 10 يناير/كانون الثاني، على حد تعبير محاميه مارتن داي، من مكتب "لي داي" للمحاماة (Leigh Day)، وفقاً لموقع MEE.
بعد أسبوعين، نشرت صحيفة The Guardian تقريرها يوم الخميس، وأعقبها بعد ذلك بساعة بيانٌ صحفي عبر البريد الإلكتروني، من مكتب "لي داي" أعلن فيه التطور ذاته.
وصرّح المحامي مارتن داي لموقع MEE، يوم الجمعة، بأن الإجراءات المتخذة حالياً يمكن بسهولة أن تشكّل سابقةً يجري التعامل على أساسها في المستقبل، وفي القضايا الحالية المتعلقة بالقرصنة واختراق البيانات في البلاد.
وقال إن المحامين "يتوقعون أنه إذا نجحت هذه القضية فإنها لن تُفضي إلى تعزيز حماية منتقدي ومعارضي الأنظمة القمعية فحسب، وإنما سترسل أيضاً رسالة واضحة مفادها أن الدول مثل السعودية لن يكون من حقها استهداف الأفراد بمجرد أن يصبحوا مقيمين في المملكة المتحدة".
وسارع بعض المحللين بالإشارة إلى أنه، على خلاف النتائج التي توصَّل إليها تحقيق بيزوس الذي أجرته شركة "إف تي آي" للاستشارات الأمنية، كان محللو الأدلة العدلية قد خلصوا "بدرجة عالية من الثقة" إلى أن السعودية هي مَن كانت وراء الاختراق.
محاولة فاشلة لتسلُّم مُعارض
بعد ساعات من أخبار غانم، جاءت القنبلة التالية: قصة موقع The Daily Beast عن منشق سعودي يصرح بمعارضته للنظام السعودي، ويعيش في كاليفورنيا، قال للموقع إن حكومته خططت لخطفه بعد أسابيع من مقتل خاشقجي، لكن مكتب التحقيقات الفيدرالي أفشل المحاولة.
كان عبدالرحمن المطيري، البالغ من العمر 27 عاماً، الذي جاء في البداية إلى الولايات المتحدة على ذمة منحة دراسية من الحكومة السعودية، كان يدرس في جامعة سان دييغو، عندما بدأ في التحدث ضد المؤسسة الدينية السعودية، ليردّ بعد ذلك أن منحته قد أُلغيت.
بعد اغتيال خاشقجي، بدأ المطيري، الذي ينشر مقاطع فيديو واسعة الانتشار على موقع يوتيوب، في توجيه انتقادات مباشرة إلى ولي العهد، لتخلص تحقيقات وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في وقت لاحق إلى أنه أصدر أوامر بقتل المطيري رداً على انتقاداته.
وقال المطيري لموقع The Daily Beast، إن والده برفقة رجل سعودي آخر، قد سافرا إلى الولايات المتحدة لإعادته رغماً عن إرادته إلى المملكة في أواخر عام 2018، وهو ما لم يعلمه إلا لاحقاً فقط، من عميل في مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي.
وفقاً للتقرير الذي نشره الموقع، فإن مكتب التحقيقات الفيدرالي قد حجز الرجلين في مطار لوس أنجلوس الدولي، وأعادهما في رحلة أخرى إلى بلادهما.
واستشهد تقرير الموقع الأمريكي بتقارير سابقة لموقع MEE، تتحدث عن التهديدات المشتبه بها لمنشقين سعوديين في الولايات المتحدة، لكن تحقيقات MEE لم تتمكن من التثبت من تاريخ محاولة التسليم السرية المزعومة.
وقد اتصل موقع MEE أكثر من مرة بمكتب التحقيقات الفيدرالي للتحري حول القصة، لكنه، كما قال موقع Daily Beast، رفض التعليق.
الدولة والمراقبة
ثم، يوم الجمعة، جاء خبر "حصري" آخر يتعلق بالموضوع، إذ أوردت صحيفة The Guardian البريطانية أن مسؤولين بالاستخبارات الأمريكية كانوا قد حذروا نظراءهم البريطانيين من أن السعودية تخطط للتجسس على خطيبة خاشقجي، خديجة جنكيز، خلال إقامتها في المملكة المتحدة العام الماضي.
ونقلاً عن مصادر في استخبارات غربية، يقول التقرير إن المسؤولين الأمريكيين يعتقدون أن جنكيز كان من المخطط مراقبتها والتجسس عليها، خلال إقامتها في لندن، في مايو/أيار الماضي، بعد انتقالها إلى هناك قبل شهر.
ولا يتضح، في التقرير، ما إذا كان المخطط مراقبتها إلكترونياً أم مادياً، أو ما إذا كانت المراقبة المزمعة وقعت بالفعل أم لا، ويستشهد التقرير بإحالةٍ ذكرها كاتبُ العمود بصحيفة The Washington Post، ديفيد إغناتيوس، في مقال له نشرته الصحيفة، في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ويقول إغناتيوس في مقاله إن وزارة الخارجية الأمريكية كانت قد رفضت طلباً من شركة "داين كورب" DynCorp، المتعاقدة مع وزارة الدفاع الأمريكية بالسماح بتدريب أجهزة الاستخبارات السعودية. وكتب أن مسؤولين في الدولة وفي وكالة الاستخبارات الأمريكية أبدوا قلقهم من استمرار المملكة في نهجها المتعلق بملاحقة المنشقين والمعارضين في الخارج، والتخلص منهم في أعقاب مقتل خاشقجي.
وذكر إغناتيوس، على وجه التحديد، أن مسؤولين أمريكيين كانوا قلقين من محاولة سابقة للملكة للإيقاع بمنشق سعودي شاب في الولايات المتحدة، لكي يعود إلى السعودية. وكتب في مقاله أن "مسؤولاً أمريكياً قال إن مكتب التحقيقات الفيدرالي تبيّن له أن المعارض السعودي سيُقبض عليه بمجرد عودته إلى بلاده، ومن ثم حذره من السفر".
وأخبره المسؤول ذاته، بحسب إغناتيوس، أن خديجة جنكيز وأحد أبناء خاشقجي كانا خاضعين للمراقبة في لندن خلال صيف عام 2018.
وفي أوائل ديسمبر/كانون الأول، استفسر موقع MEE من المكتب الصحفي لوزارة الخارجية الأمريكية عما إذا كان بإمكانه تأكيد استنتاج إغناتيوس، وتحديداً ما إذا كان بإمكانه تقديم مزيد من التفاصيل حول المحاولة المزعومة لإغراء الطالب بالعودة إلى السعودية، وأيضاً ما إذا كان الطالب المعارض قد أقام بالفعل في كاليفورنيا.
ومع ذلك، فإن وزارة الخارجية الأمريكية لم تردّ على رسائل البريد الإلكتروني التي أرسلها موقع MEE للتحري عن الموضوع. ليقدم الموقع بعدها طلباً بموجب قانون حرية المعلومات، للكشف عن أي اتصالات داخلية لوزارة الخارجية تتعلق بطلبات من شركة "داين كورب" لتدريب أجهزة الاستخبارات السعودية، وطالب الموقع بتسريع الاستجابة للطلب، بناءً على أنه يمكن للوثائق ذات الصلة أن تحتوي في طياتها على معلومات حساسة ينبغي كشفها، للمصلحة العامة.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، رفضت وزارة الخارجية الأمريكية طلب موقع MEE بتعجيل الكشف عن الوثائق، لكن الموقع يخطط للطعن على رفض طلبه.