توفي 41 شخصاً جراء تفشي فيروس "كورونا الجديد" أو "كورونا ووهان" الذي بدأ في مدينة ووهان الصينية، وأصيب ما لا يقل عن 1200 شخص في 11 دولة. ومن المحتمل أن يكون الفيروس، الذي تصاحبه الحمى والأعراض الشبيهة بالالتهاب الرئوي، قد نشأ في سوق للحوم الطازجة في مدينة ووهان. تتسم هذه الأسواق بوجود المتسوقين والبائعين والحيوانات الحية والميتة في مساحة ضيقة، مما يزيد من خطر تفشي الأمراض، لأن فيروسات كورونا أو ما تعرف بالفيروسات التاجية هي أمراض حيوانية المصدر (بمعنى أنها يمكن أن تنتقل من الحيوانات إلى البشر).
ما علاقة مرض الكورونا الجديد بمرض سارس؟
يقول موقع Business Insider الأمريكي، إن هذا التفشي أعاد إلى الأذهان ما حدث من تفشي مرض الالتهاب الرئوي الحاد (سارس) الذي بدأ في نوفمبر/تشرين الثاني 2002. وكان ذلك الفيروس ينتمي أيضاً إلى عائلة الفيروسات التاجية، وانتقل كذلك من الحيوانات إلى البشر في أسواق اللحوم. وقد ظهر سارس في مدينة غوانغدونغ الصينية وأصاب 8098 شخصاً على مدى ثمانية أشهر، وهو ما أسفر عن وفاة 774 شخصاً.
وعانى المرضى من الحمى والصداع ونوع من الالتهاب الرئوي القاتل الذي يمكن أن يسبب فشل الجهاز التنفسي. وصف الخبراء سارس بأنه أول وباء في القرن الحادي والعشرين، حيث انتشر في 29 دولة. ولم تُلحظ إصابة البشر بالمرض منذ يوليو/تموز 2003.
ما الاختلافات بين المرضين؟
يقول الخبراء إن المخاوف من أن يكون فيروس كورونا ووهان هو سارس القادم مبالغ فيها حتى الآن. فقد تكون أعراض وأصول الفيروسين قابلة للمقارنة، لكن شدتهما ليست كذلك.
بحسب الخبير الأمريكي سكوت غوتليب، مفوض إدارة الغذاء والدواء السابق فإن فيروس كورونا الجديد يبدو أقل حدة من فيروس سارس. ومع ذلك، قد يكون هذا المرض معدياً بشكل أكبر، نظراً لأن المرض ينتشر بشكل أسرع من سارس.
وقدم إريك تونر، العالم البارز في جامعة جون هوبكنز، تقييماً مماثلاً لموقع Business Insider، وقال: "الانطباع الأولي هو أن هذا الفيروس أخف بكثير من سارس. وهذا مطمئن. ومن ناحية أخرى، قد يكون هذا الفيروس أكثر قابلية للانتشار عن سارس، على الأقل في محيط المجتمع".
فيما يلي بعض الاختلافات الواضحة بين تفشي كورونا الجديد وتفشي سارس الذي حدث منذ 17 عاماً:
1- المنشأ
صدرت أولى التقارير عن فيروس كورونا في ووهان في 31 ديسمبر/كانون الأول 2019، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها 11 مليون نسمة في مقاطعة هوبي بوسط الصين.
فيما نشأ سارس في مقاطعة غوانغدونغ جنوب شرق الصين بالقرب من هونغ كونغ.
2- الفئات العمرية المتأثرة
وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن 50٪ من الأشخاص المصابين بفيروس سارس كانوا في عمر 65 عاماً أو أكبر، بينما تباينت الأعمار في النصف الآخر من المصابين.
حتى الآن، أفاد الخبراء أن متوسط عمر الوفيات جراء فيروس "كورونا ووهان" يبلغ 75 عاماً. وكان لدى العديد من هؤلاء الأشخاص مشكلات صحية أخرى مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري ومرض الشلل الرعاش.
وقد صرح أدريان هيزلر، كبير المسؤولين الطبيين لدى مجموعة Healix International للخدمات الطبية في حديثه إلى موقع Business Insider، بأن الأطفال وكبار السن والنساء الحوامل وأولئك الذين يعانون من ضعف المناعة أكثر عرضة للمضاعفات الأكثر خطورة التي يتسبب فيها كورونا ووهان.
3- سرعة انتشار الفيروس
وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، لم ينتشر سارس بنفس سرعة انتشار "كورونا ووهان" في الأسابيع الثلاثة الأولى.
إذ استغرق الأمر ما يقرب من أربعة أشهر حتى انتشر سارس بين ألف مصاب. بينما أصاب فيروس كورونا ووهان أكثر من 1200 شخص في 25 يوماً فقط.
4- الانتشار مقابل الخطورة ودور الحكومة الصينية
يمكن لشخص مصاب أن ينقل العدوى بشكل مفاجئ إلى 10 و20 و30 شخصاً. هذا هو ما يجعل الفيروس أكثر قابلية للانتشار السريع، وهذه هي المشكلة.
مع ذلك، كان سارس أكثر فتكاً، بمعدل وفيات وصل إلى 9.6٪. ولم يحدد بعد معدل الوفيات بفيروس كورونا الجديد بدقة، لكنه يبدو أن النسبة أقرب إلى 3٪ حتى الآن.
ويعد أحد أسباب انتشار سارس في العديد من المناطق حول العالم هو أن السلطات الصينية حاولت في البداية إخفاء أنباء انتشار المرض عن منظمة الصحة العالمية.
لم تبلغ الحكومة الصينية منظمة الصحة العالمية عن سارس حتى 14 فبراير/شباط 2003. ووفقاً لصحيفة The Sydney Morning Herald، أمرت السلطات الأطباء في بكين بإخفاء المصابين بفيروس سارس عن مسؤولي منظمة الصحة العالمية أثناء حملات التفتيش.
وخلال المراحل الأولى من تفشي المرض، أخفت الحكومة الصينية المعلومات عن الجمهور أيضاً، مما حد من جهود التخفيف من حدة المرض وتفاقم انتشاره.
صرح ليو هنغ، مستشار مجلس الوزراء الصيني، لـ Reuters، إنه في هذه المرة أعلنت الصين عن تفشي المرض للجمهور على الفور. فقد قال يوم الأربعاء 22 يناير/كانون الثاني: "نحن نعمل بشكل أفضل الآن.. ونولي اهتماماً أكبر لإيقاف الوباء".
عمل خبراء الصحة العامة الصينيون على تبادل المعلومات الوراثية لفيروس "كورونا ووهان" بسرعة مع الباحثين في جميع أنحاء العالم.
وقال جيريمي فارار، وهو أخصائي بريطاني في الأمراض المعدية، وعمل أيضاً على مكافحة سارس: "السرعة التي جرى بها التعرف على هذا الفيروس هي شهادة على التغييرات في الصحة العامة في الصين منذ تفشي سارس، وعلى التنسيق العالمي القوي من خلال منظمة الصحة العالمية". على النقيض من ذلك، استغرق نشر جينوم سارس أربعة أشهر.
5- العائل الأولي للفيروس
من خلال تبادل المعلومات حول جينوم فيروس كورونا الجديد، تمكن العلماء من العمل معاً على تحليل كيفية انتشار المرض وتحوره. ويساعد كذلك هذا العمل الخبراء على تتبع الحيوان الذي انتقل منه الفيروس إلى البشر.
في حالة سارس، وربما تفشي كورونا أيضاً، كانت الخفافيش هي العوائل الأصلية. ثم نقلت العدوى إلى حيوانات أخرى عبر برازها أو لعابها، ونقل الوسطاء غير المتعمدين الفيروس إلى البشر.
يقول بارت هاغمانز، عالم الفيروسات في مركز Erasmus Medical Center الطبي في روتردام بهولندا: "تعد الخفافيش والطيور مستودعات طبيعية للفيروسات التي يحتمل أن تكون وبائية".
انتقل سارس من الخفافيش إلى الحيوانات الثديية الشبيهة بالعرس، التي تسمى "زباد النخل المقنع"، ومنها إلى البشر.
وفقاً لمجموعة من العلماء القائمين على تحرير مجلة Journal of Medical Virology، فإن الحيوان الذي ينشر فيروس كورونا ووهان يمكن أن يكون الكوبرا الصينية، لكن هذا لم يتأكد بعد.
وأظهر تحليل أن اللبنات الجينية من فيروس كورونا ووهان تشبه عن كثب مثيلتها في الثعابين. وفي الصورة التالية خمسة فيروسات من المحتمل أنها جاءت من الخفافيش، ومقارنة بين حالات تفشيها.
تتبع الباحثون فيروس سارس ليقودهم إلى خفافيش حدوة الفرس فى مقاطعة يونان الصينية. وقد عاشت هذه الخفافيش في كهف على بعد 1.1 كيلومتر من أقرب قرية.
6- الإجراءات الاحترازية
الفارق الرئيسي الآخر بين تفشي سارس والتفشي الحالي هو أنه هذه المرة فرضت السلطات الصينية حالة العزل التام على مدينة ووهان بسرعة، وأوقفت جميع وسائل النقل العام، بما في ذلك حافلات المدينة والقطارات والعبارات. ويمنع القرار الحكومي أي حافلات أو قطارات من الوصول إلى المدينة أو مغادرتها، ويوقف حركة الطيران في مطار ووهان.
وقبل منتصف ليل الخميس مباشرة، دخلت مدينة هوانغ جانغ حالة العزل التام، حيث أغلقت السلطات محطات المترو والقطارات. وبحلول اليوم التالي، كانت 10 مدن إضافية -تشيبي وإينشي وإيزهو وهوانغشي وسويزهو وتشيانجيانغ وشيانينغ وشيانتاو وييتشانغ وتشيجيانغ- قد دخلت في حالة العزل التام أيضاً.
قال تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، إن هذه الجهود الرامية إلى عزل المدن ستساعد السلطات الصينية في محاولة السيطرة على انتشار الفيروس و "تقلل من فرص انتشار هذا المرض على الصعيد الدولي".
وقال غيبريسوس في مؤتمر صحفي يوم الأربعاء: "إنهم يتخذون تدابير قوية للغاية، ومع التزام كامل".
يذكر أن هذه القيود تؤثر على حوالي 33 مليون شخص في الصين. وبالنسبة لسارس، استغرق الأمر أربعة أشهر على الأقل ليتخذ المسؤولون أي تدابير خاصة بالحجر الصحي. قال أنتوني فوشي، خبير الأمراض في المعاهد الوطنية للصحة، لمحطة CNBC إن الصين "تعمل بشكل أفضل هذه المرة" مقارنة بما حدث في حالة تفشي سارس.
7- العلاج وطبيعة الفيروس الوبائية
لا يوجد لقاح لـ "سارس" ولا "كورونا ووهان".
فقد قال فنسنت مونستر، عالم الفيروسات لـ Business Insider: "إن أفضل سيناريو للحصول على لقاح هو خلال تسعة أشهر، إن لم يكن أطول".
وقد أعلنت العديد من الشركات، بما في ذلك Moderna وNovavax و Inovio، عن خطط أولية لتطوير اللقاحات. لكن تطوير اللقاحات عبر التاريخ كان دائماً عملية شاقة وتستغرق سنوات متعددة (استغرق لقاح الإيبولا 20 سنة). ولم تقدم أي من الشركات جداول زمنية متوقعة لتسويق لقاحاتها.
على عكس سارس، لا يعد فيروس "كورونا ووهان" مرضاً وبائياً. وحتى الآن لم تعلن منظمة الصحة العالمية أنها حالة طوارئ عالمية.