اختتم مؤتمر برلين الدولي حول ليبيا أعماله يوم 19 يناير/كانون الثاني بتوافقٍ بين الجهات الفاعلة المحلية والخارجية على تفاهمات هشة تتعلق بفرض حظرٍ على تصدير الأسلحة إلى أطراف النزاع، والعمل على تخفيف حدة الصراع الذي يعم البلاد منذ سقوط العقيد معمر القذافي في عام 2011، ورغم ذلك فإن الطرف الوحيد الذي خرج بالكثير من المكاسب السياسية هو أنقرة، بحسب تقرير لموقع Al-Monitor الأمريكي.
وعلى الرغم من أن عدداً كبيراً من الخلاصات التي جرى التوافق عليها عيّنت آليات للمضي قدماً في تنفيذها، وقد شمل ذلك إنشاء لجنة تعمل على وقفٍ دائم لإطلاق النار وتجتمع بانتظام، فإن قلة من تتوقع أن تُحدث تلك التفاهمات تغييرات على المدى القصير في ليبيا، في حين أن التوصل إلى حل مستدام لا يزال أمراً بعيد المنال. ومع ذلك، قال مراقبون خلال الأيام التالية للقمة إن دخول تركيا على خط الأزمة دفع المجتمع الأوروبي والدولي لكي يعاود الالتفات إلى التطورات الجارية في ليبيا.
كيف استفادت تركيا؟
وبحسب الموقع الأمريكي، فقد أخذت أنقرة، من خلال اتفاقات عقدتها مع حكومة طرابلس بترسيم الحدود البحرية المشتركة في نوفمبر/تشرين الثاني، ثم بموافقة برلمانها على نشر قوات تركية في ليبيا في وقت سابق من هذا الشهر، تعمل على توسيع نفوذها الدبلوماسي في الصراع المستمر منذ تسع سنوات، وقد تمكنت من التموضع في موقع الوسيط الأساسي في أي تطورات ساعية إلى المضي قدماً.
في الأشهر الأخيرة، قدم المسؤولون الأتراك دعماً متزايداً لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها من الأمم المتحدة، والتي يرأسها رئيس الوزراء فايز السرّاج في طرابلس، لصدِّ هجومٍ يشنه منذ أبريل/نيسان 2019 قائد قوات شرق ليبيا، اللواء خليفة حفتر.
تقول سينام آدار، وهي باحث مشارك في "المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية" في برلين، إن أنقرة لها مصالح متعددة في دعمها اللوجيستي والمادي لحكومة الوفاق الوطني، وعلى رأسها المطالبات الإقليمية المتعلقة بالتنقيب عن الطاقة في شرق البحر المتوسط، علاوة على المواءمات السياسية والمحفزات الاقتصادية التي كانت على هيئة قروض تركية تعود إلى فترة ما قبل الحرب.
وفي تعليقات لموقع Al-Monitor، قالت آدار إن قمة برلين ساعدت أنقرة في شراء مزيد من الوقت للحفاظ على حكومة الوفاق الوطني في موقعها، مضيفةً: "ربما يمكن القول إن قمة أنقرة هي مكسب على المدى القصير، في هذا الصدد".
تركيا أوقفت الهجوم
ويتفق أوزغور أونلوهيسار جيكلي، مدير صندوق مارشال الألماني التابع للولايات المتحدة في أنقرة، مع الرأي القائل إن التدخل التركي قد نجح في تعطيل الهجوم الذي تشنه قوات حفتر، وذلك على الرغم من الزخم الذي كانت تلك القوات قد اكتسبته في الخريف بفضل المساعدة التي تلقتها من مرتزقة روس ينتمون إلى "مجموعة فاغنر" والدعم الجوي من طائرات بدون طيار قدمتها إليها دولة الإمارات.
ومع ذلك، يذهب أونلوهيسار جيكلي إلى أن الدعم الذي تلقته مساعي وقف إطلاق النار في قمة برلين سيكون من الصعب أن يؤتي أكله، إذ لم يجرِ الاتفاق إلا على آليات قليلة فيما يتعلق بالجهات التي من المقرر أن تراقب التطورات الجارية على أرض الواقع. كما أعرب عن مخاوف مماثلة فيما يخص إنفاذ حظر تصدير الأسلحة إلى أطراف النزاع.
سأل أونلوهيسار، في أثناء حواره مع Al-Monitor عبر الهاتف: "هل هذا حقاً سيمنع الجميع من شحن الأسلحة؟". وأضاف: "في حالة تركيا، سيكون من الأسهل قليلاً رصد الأمر، لأن تركيا ستحتاج إلى استخدام طريق البحر، لكن على الجانب الآخر قد يستمر حفتر في تلقِّي الدعم من دول الخليج، برياً عن طريق مصر، وهو طريق أصعب في تتبُّعه".
قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو لقناة NTV التركية يوم 21 يناير/كانون الثاني إن حفتر يجب أن يستمع إلى المطالبات بحل سياسي. قبل قمة برلين، أوقف حفتر صادرات البترول من الموانئ التي يسيطر عليها، مما قلص صادرات ليبيا من النفط إلى أقل من النصف.
ماذا يريد حفتر؟
قال جاويش أوغلو في المنتدى الاقتصادي في مدينة دافوس: "هل يريد حفتر حلاً عسكرياً أم حلاً سياسياً؟ حتى الآن يوضح موقفه أنه يريد حلاً عسكرياً"، مضيفاً: "لا بد أن يعود حفتر على الفور إلى مسار الحل السياسي، وأن يأخذ خطوات جادة وإيجابية بما يتوافق مع دعوات المجتمع الدولي للتهدئة على الأرض (في ليبيا)".
في يوم 20 يناير/كانون الثاني، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن أنقرة لم تنشر قواتها التركية في ليبيا بعد، لكنها نشرت مستشارين عسكريين ومدربين فقط.
قالت أسلي أيدينتاسباس، زميلة أقدم في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن أنقرة أعلنت بقوة دعمها لحكومة طرابلس، وبعد الاتفاقات الثنائية في نوفمبر/تشرين الثاني، زادت فقط احتمالية دفاعها عن السراج أمام الهجمات المستقبلية.
قالت أيدينتاسباس لموقع Al-Monitor: "إذا صدقنا الأخبار، فإن بعضاً من الداعمين الخارجيين لحفتر استمروا في إرسال الأسلحة في نهاية الأسبوع، مما يقودني إلى الاعتقاد بأنه لا أحد لديه النية للتراجع على الصعيد العسكري من الصراع".
وأضافت: "بعبارات أخرى ربما نكون متجهين إلى جولة أخرى من القتال. وأتمنى أن أكون مخطئة".
تنافس روسي – تركي.. ولكن!
وأشارت أيدينتاسباس أيضاً إلى التعاون الروسي – التركي المستمر في ما يتعلق بالصراع الليبي في أعقاب انهيار مباحثات السلام في موسكو الأسبوع الماضي. وعلى الرغم من أن أنقرة وموسكو كانتا على جانبين متناحرين في الصراعين الليبي والسوري، تقول أيدينتاسباس إن المسؤولين تمكنوا من "فصل" الخلافات والحفاظ على الترابط في العلاقات، وأكبر دليل على هذا هو ضم نظام صواريخ S-400 والتعاون في مشروعات الطاقة.
قالت أيدينتاسباس لموقع Al-Monitor: "هذا حقاً غير مسبوق، ويخبرنا بالكثير عن العالم الجديد الذي ندخله، حيث تشعر قوتان صاعدتان بأن الغرب يُفسد الأمر في الصراعات حتى تلك التي على أعتابه".
على الرغم من أن كلا الجانبين في ليبيا يستمران في الإبلاغ عن انتهاكات لوقف إطلاق النار، قالت أيدينتاسباس إن عدة جولات من المحادثات الدبلوماسية زادت من نفوذ أنقرة الإقليمي، الذي سيكون على المسؤولين توظيفه ببراعة.
قالت أيدينتاسباس لموقع Al-Monitor: "إذا اختارت تركيا استخدام نفوذها لتحسين التعاون، خاصة مع ألمانيا، وأيضاً مع بقية الدول الأوروبية، أعتقد أن تركيا ستستفيد من هذا"، مضيفة: "لكن إذا كانت تركيا ترى هذا انتصاراً، وعلامةً على أن تركيا قوة مهمة للغاية وما إلى ذلك، وترى في هذا سبباً للتصرف وحدها، أعتقد أن تركيا ستضيع هذه الفرصة".