بعد أسابيع من الهدوء النسبي بقطاع غزة، عاد التوتر بعد التهديدات الإسرائيلية بشن حملة عسكرية واسعة ضد حركة حماس، في حال لم توقف إطلاق البالونات الحارقة على مستوطنات غلاف غزة، وسط تساؤلات حول سر عدم تدخل المخابرات المصرية لتهدئة الأوضاع، وهل وراء ذلك توتر في العلاقات بين مصر وحماس؟
وشهدت الأيام الثلاثة الأخيرة عودة مفاجئة لأدوات الضغط الميداني من قبل الفصائل الفلسطينية، التي أطلقت العشرات من البالونات الحارقة صوب المستوطنات الإسرائيلية فيما يعرف بـ "غلاف غزة".
بالونات بثمن لعب الأطفال تحرق ملايين
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن المواد المحمولة في هذه البالونات هي مواد متفجرة، وليست شعلة نيران كما كانت في السابق، كما بدأت وحدات الإرباك الليلي بإعادة نشاطها على طول الشريط الشرقي لقطاع غزة المحاذي لإسرائيل.
"البالونات الحارقة" هي بالونات يتم ربطها بمواد قابلة للاشتعال، بدأ الفلسطينيون في قطاع غزة باستخدامها في مايو/أيار 2018، كأسلوب احتجاجي على مجازر الجيش الإسرائيلي ضد متظاهري مسيرات العودة، ما دفع إسرائيل لاعتبار عودة حماس لاستخدام الأدوات الخشنة بعد توقفها لفترة طويلة بمثابة تهديد من الحركة.
نحن أمام بضعة بالونات صغيرة خاصة بالأطفال تحوي بداخلها غاز الهيليوم، وموصولة بقطعة قماش مشتعلة، لا تصل تكلفتها لثمن قطعة حلوى صغيرة، لكنها حرقت حقول المستوطنين الإسرائيليين بكلفة ملايين الشواقل، ومؤخراً باتت هذه البالونات تحوي موادّ متفجرة ومفخخة، قد تسفر عن إحداث إصابات بشرية بين المستوطنين الإسرائيليين.
لماذا عاد الفلسطينيون لإطلاق البالونات الحارقة؟
طلال أبوظريفة، عضو الهيئة الوطنية لمسيرات العودة، قال لـ "عربي بوست" إن "إطلاق البالونات الحارقة من قطاع غزة يأتي ضمن مبادرات الشباب الثائر احتجاجاً على تلكؤ الاحتلال الإسرائيلي في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه من تفاهمات التهدئة، كما يأتي كرد فعل على السلوك الإسرائيلي المستفز في الأيام الأخيرة، بإغراق آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية وبيوت المواطنين عبر فتح السدود في مناطق شمال قطاع غزة".
وأضاف أن "الهيئة الوطنية لمسيرات العودة لم تعلن تبنيها لإطلاق البالونات الحارقة، لكن من المهم أن تلتقط إسرائيل هذه الرسالة العفوية من الشباب الثائر بضرورة التحرك لاتخاذ إجراءات حقيقية يلمسها المواطن في غزة، وتنعكس إيجاباً على حياته اليومية".
تأتي هذه التطورات بعد أسابيع من هدوء نسبي شهده قطاع غزة، تمثل في إعلان الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة أواخر العام المنصرم 2019 وقف المسيرات الأسبوعية حتى نهاية آذار/مارس القادم، وهو ما قوبل بتسهيلات إسرائيلية تمثلت في زيادة عدد التصاريح للعمال والتجار من غزة، إضافة إلى تفعيل المستشفى الميداني الأمريكي شمال قطاع غزة، وإدخال الوقود اللازم لمحطة توليد الكهرباء في غزة.
ولكن الأمور انتكست من جديد.
في سياق الردود الإسرائيلية تجاه هذه التطورات، كشفت مصادر طبية في غزة عن إصابة عدة مواطنين بمدينة رفح جنوب قطاع غزة، عقب إلقاء طائرات استطلاع إسرائيلية عدداً من الأجسام المشبوهة باتجاه الفلسطينيين تسببت بإصابتهم.
تصعيد يهدد مهرجاناً إسرائيلياً يحضره زعماء 40 دولة
هذا التوتر الأمني مع حماس في غزة وسط استنفار إسرائيلي عشية استقبال زعماء 40 دولة، للمشاركة في مهرجان دولي لإحياء المحرقة النازية في القدس المحتلة.
وتنظر إسرائيل لهذه الفعالية باهتمام بالغ، وقد اتخذت إجراءات أمنية غير مسبوقة، في حدث لم تشهده منذ تأسيسها.
وتحاول إسرائيل استدراك الوضع في غزة خشية أن تتدحرج كرة اللهب، وتخرج الأمور عن السيطرة، في ظل استعداداتها لاستقبال زعماء دول العالم على أراضيها، ومحاولة الحصول على تأييد أمريكي ودولي لفرض السيادة على الأغوار قبيل انتخابات الكنيست المزمع إجراؤها في آذار/مارس القادم.
توتر في العلاقات بين مصر وحماس
يربط الفلسطينيون والإسرائيليون هذا التصعيد الأمني في غزة بين حماس وإسرائيل، بتزايد الأحاديث عن تراجع تدريجي في علاقات الحركة مع مصر، أعقب زيارة حماس التاريخية إلى إيران أوائل يناير، للتعزية في اغتيال قاسم سليماني، وهو ما وجد ردود فعل سلبية مصرية غاضبة.
أكثر من ذلك، فقد علم "عربي بوست" من أوساط فلسطينية في غزة أن ترتيبات تجري لتنظيم زيارة من الفصائل الفلسطينية في القطاع إلى القاهرة، لتبديد أي سوء فهم في علاقة حماس معها، لكن الأمر لم يتم بعد.
هناك خشية فلسطينية من أن تواصل مصر إدارة ظهرها لتدهور الوضع الأمني في غزة، وإمكانية أن يخرج عن السيطرة، بعد أن كانت المخابرات المصرية تسارع فوراً إلى غزة وإسرائيل في حال نشوب أي توتر، ما يساعد في إطفاء أي حريق مفاجئ.
حماس من جهتها، سارعت، كما هو متوقع، إلى نفي وجود أي توتر في العلاقات مع القاهرة، لاسيما ما جاء على لسان عضو مكتبها السياسي خليل الحية، قبل ساعات، حين شدد على أن حركته لا تقبل بديلاً عن مصر لإدارة القضايا الوطنية الفلسطينية، وأن الجانبين يتفقان في الكثير من الأمور والسياسات، والعلاقات قائمة على أساس التفاهمات الجيدة.
مصدر مطلع في حركة حماس، أخفى هويته، قال لـ "عربي بوست" إن" العلاقات بين حماس ومصر تاريخية، وهي علاقة تؤكدها حماس بأنها لن تقبل بوجود دولة أخرى غير مصر لإدارة القضايا الفلسطينية، وما يشاع عن توتر في العلاقات مؤخراً هو محض افتراءات مصدرها وسائل إعلام إسرائيلية ليس لها أساس من الصحة، وحماس تتطلع إلى فتح آفاق التعاون مع أي دولة شريطة أن تعترف بالحقوق الفلسطينية".
وفقاً لوسائل إعلام إسرائيلية، فمن المقرر أن يصل قطاع غزة خلال الساعات القادمة السفير القطري رئيس اللجنة القطرية لإعادة الإعمار، محمد العمادي، للإعلان عن صرف المنحة القطرية الشهرية للأسر الفقيرة، وهو ما يشير إلى ثنائية تتكرر دائماً في الملف الفلسطيني الإسرائيلي، حضور مصري وغياب قطري، أو العكس.
لكن الأيام القادمة قد تشهد تصعيداً عسكرياً
مصطفى الصواف، رئيس تحرير صحيفة فلسطين سابقاً المقربة من حماس، قال لـ "عربي بوست" إن "الأيام القادمة قد تشهد تصعيداً عسكرياً إذا لم تلتزم إسرائيل بتفاهمات التهدئة، خصوصاً أن قطاع غزة لم يعد يحتمل مزيداً من التلكؤ في تنفيذ هذه التفاهمات".
وأضاف أن "الفصائل الفلسطينية ترفض أن تستخدم معاناة سكان غزة كمادة للدعاية الانتخابية الإسرائيلية، وهذه رسالة نقلتها حماس للوسطاء والأطراف الإقليمية".
يصعب فصل كل هذه الأحداث مجتمعة عن بعضها البعض، التصعيد العسكري بين حماس وإسرائيل، والتوتر الأمني بين حماس ومصر، وهو ما يجد خلاصته في تدهور ميداني ساحته قطاع غزة، دون أن نجد له نهاية قريبة، لاسيما مع بدء العد التنازلي للانتخابات الإسرائيلية، حيث يتصاعد الميدان اشتعالاً، كما حدث في الجولتين الانتخابيتين الإسرائيليتين السابقتين في 2019.
لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
توافق « عربي بوست » أحياناً على عدم التعريف بأسماء مصادر تقدم معلومات حساسة لقرائنا. وبموجب إرشادات الموقع، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر وذات مصداقية، وأننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، وبعضهم يتساءلون ما إذا كانت هذه المصادر موجودة أصلاً. لكن لدينا قواعد وإجراءات لمحاولة معالجة هذه المخاوف.
فبالإضافة إلى المراسل، يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر. ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم أو من ينوب عنه قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. وعندما تكون القصة مبنية على معلومة مركزية من مصدر مجهول، فيجب الموافقة عليها بشكل عام من قبل رئيس التحرير.
نحن نتفهم حذر القراء، ولكن لا يمكن أبداً الحصول على المعلومات حول العديد من القصص المهمة في مجالات حساسة، مثل السياسة والأمن القومي والأعمال، إذا استبعدنا المصادر غير المعرّفة. فالمصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية. حتى في بعض الأحيان من أجل سلامتها.
يعتقد بعض القراء أن المصادر تكون أكثر صدقاً إذا تم نشر أسمائها، ومن غير المرجح أن يكذبوا إذا تم الكشف عن هويتهم. إلا أن المراسلين في العديد من المناطق يعرفون أن العكس هو الصحيح. فالمصادر في المناصب الحساسة غالباً ما سيتحدثون ببساطة بحسب التوجهات الرسمية. وسيكونون صريحين فقط إذا كانوا يعرفون أن أسماءهم لن يتم الكشف عنها.