هل هناك «اتفاق» فعلاً في مفاوضات سد النهضة؟ هذا ما أنجزه تدخُّل ترامب في الأزمة

عربي بوست
تم النشر: 2020/01/16 الساعة 10:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/01/16 الساعة 10:11 بتوقيت غرينتش
ترامب استقبل وفود مصر والسودان وإثيوبيا في البيت الأبيض دون إعلان

على الرغم من أن البيان الصادر أمس الأربعاء 15 يناير/كانون الثاني عن وزارة الخزانة الأمريكية تحدث عن حدوث تقدم في مفاوضات سد النهضة بين مصر وإثيوبيا والسودان، فإن الصورة لا تزال ضبابية، فما الذي نعرفه حتى الآن؟

ماذا حدث؟

اتفق وزراء من مصر وإثيوبيا والسودان على الاجتماع مجدداً في واشنطن يومي 28 و29 يناير/كانون الثاني الجاري لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق بشأن سد النهضة، بحسب بيان وزارة الخزانة الأمريكية، أمس الأربعاء 15 يناير/كانون الثاني.

وزارة الخزانة التي استضافت اجتماعاً للوزراء في واشنطن هذا الأسبوع قالت إنهم "اتفقوا خلاله على ملء خزان سد النهضة على مراحل خلال الموسم المطير، على أن يأخذ ذلك في الحسبان التأثير على المخزون المائي لدى دول المصب".

ماذا يعني ذلك البيان؟

للإجابة عن السؤال نذكر هنا أن أمس الأربعاء 15 يناير/كانون الثاني كان الموعد النهائي للتوصل لاتفاق شامل بشأن أزمة سد النهضة، بحسب الجدول الزمني الذي تم الاتفاق عليه بين الأطراف الثلاثة، برعاية وزير الخزانة الأمريكي ستيفين مينوتشين، ورئيس البنك الدولي ديفيد مالباس.

موقع فويس أوف أمريكا نشر تقريراً، اليوم الخميس 16 يناير/كانون الثاني، بعنوان: "رغم حث (الرئيس الأمريكي دونالد) ترامب، لا يزال طريق التفاهم مغلقاً بين مصر وإثيوبيا بخصوص السد"، جاء فيه أن القضايا الخلافية لا تزال قائمة مع إصرار الجانب الإثيوبي على موقفه.

على ماذا إذن تم الاتفاق؟

حتى تتضح الصورة نسترجع نقاط الخلاف الرئيسية بين الجانبين، وهي قواعد ومدة ملء خزان السد وقواعد تشغيله، حيث تريد إثيوبيا أن تملأ خزان سد النهضة دون قيود، وكذلك تشغيل السد، بحجة أن هذه أمور سيادية، بينما مصر تريد ضمانات ألا تتاُثر حصتها من المياه البالغة 55.5 مليار متر مكعب، بحسب اتفاقية 1959 الموقعة مع السودان.

سد النهضة
سد النهضة

إثيوبيا تقول إنها غير ملزمة بأي اتفاقات لم توقع عليها، وتتمسك بإعلان المبادئ الذي وقعته عام 2015 مع مصر والسودان فقط، وهذه الوثيقة لا تضع قيوداً أو شروطاً على قواعد ملء وتشغيل خزان السد، كما أن اللجوء للوساطة في حالة الخلاف يستوجب موافقة إثيوبيا.

بيان أمس يقول إن الأطراف "اتفقوا على ملء خزان سد النهضة على مراحل خلال الموسم المطير، على أن يأخذ ذلك في الحسبان التأثير على المخزون المائي لدى دول المصب"، وهذه الصياغة لا تقدم جديداً في الواقع، فنقطة الخلاف هي "قياس التأثير على المخزون المائي لدول المصب"، فمصر قد تقول إنها تتأثر سلبياً بصورة لا يمكن احتمالها، فترد إثيوبيا بأنها لا تتفق مع تقييم الجانب المصري، وهذا هو مربط الفرس بالأساس في الأزمة القائمة بين الطرفين.

كيف ترى إثيوبيا اجتماعات واشنطن؟

إثيوبيا ومنذ اللحظة الأولى لدخول واشنطن على خط الأزمة بناء على طلب مصر، أعلنت أنها ترفض الوساطة وليست مستعدة للتفاوض، والغريب أن الموقف نفسه كرره وزير المياه الإثيوبي لدى وصوله إلى واشنطن لحضور اجتماعات هذا الأسبوع، حيث قال لـ "فويس أوف أمريكا": "جئنا هنا بدافع الاحترام، ولكننا لن نقبل التفاوض، وهذا هو موقفنا".

والنتيجة التي وصلت إليها الاجتماعات بعد أكثر من شهرين تؤكد ما قيل سابقاً عن أن أديس أبابا قبلت حضور الاجتماعات دون أن يكون لديها نية تقديم أي تنازلات عن موقفها الذي تراه مصر "متشدداً" (هذا الرابط يحمل تحليلاً للموقف مع تدخل واشنطن على خط الوساطة).

السيسي والبشير ورئيس وزراء إثيوبيا السابق احتفالا بتوقيع إعلان المبادئ الذي تتمسك به أديس أبابا الآن

إثيوبيا تريد أن تقوم مصر باستخدام مياه بحيرة ناصر (خزان السد العالي) لتعويض عجز المياه في سنوات الجفاف، وهو ما ترى فيه مصر حلاً غير مقبول، لأن انخفاض منسوب مياه بحيرة ناصر دون 167 متراً فوق مستوى سطح البحر يعني توقف توربينات توليد الكهرباء في السد العالي عن العمل، إضافة للتأثيرات الكارثية في المجالات الزراعية والثروة السمكية وغيرهما.

لماذا ظهر ترامب في الصورة "على استحياء"؟

أمس الأربعاء في واشنطن كان يوماً غير عادي بالنسبة للرئيس الأمريكي، حيث بدأت إجراءات محاكمته برلمانياً، وبالتالي كان من المتوقع أن يستغل ترامب "التوصل لاتفاق في أزمة سد النهضة" كحدث يظهر من خلاله في صورة "رجل الصفقات" كما يروج لنفسه، وقد استضاف وفود الدول الثلاث بالفعل في البيت الأبيض، لكن الإعلان عن ذلك تم بعد ساعات من اللقاء، وهو ما يؤكد فرضية عدم حدوث تقدم حقيقي في المفاوضات.

المعطيات الحالية لا تبدو مبشرة، فإمكانية التوصل لاتفاق، أو بمعنى أدق تراجع إثيوبيا عن موقفها والتوصل لحل وسط (الموافقة على أن يكون ملء خزان سد النهضة خاضعاً لمستويات موسم الأمطار وكميات المياه المتوفرة بالفعل ضماناً لعدم تأثر حصة مصر من المياه التي أصبحت شحيحة بالفعل بصورة كارثية) لا تبدو واردة، خصوصاً أن إثيوبيا اقتربت بالفعل من إكمال بناء السد، وبالتالي فرض الأمر الواقع.

الكرة الآن في ملعب مصر، التي قال رئيسها عبدالفتاح السيسي، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في سبتمبر/أيلول الماضي، إن مياه النيل تمثل قضية "حياة أو موت" بالنسبة لمصر، بينما تمثل قضية تنمية بالنسبة لإثيوبيا، وبالتالي مع اقتراب المسار الدبلوماسي من الوصول لمحطة الفشل النهائي، سيكون على الجانب المصري أن يسلك مساراً آخر.

تحميل المزيد