بعد ثلاث سنوات من المعركة الحامية بين شركة آبل والحكومة الفيدرالية الأمريكية بشأن فتح جهاز آيفون الخاص بأحد المشتبه بهم في كونه إرهابياً، هاهي مواجهة جديدة تندلع بين شركة التكنولوجيا المعنية بخصوصية عملائها وإدارة ترامب، كما تقول صحيفة The Guardian البريطانية.
ما الذي حدث؟
كان وزير العدل الأمريكي، وليام بار، دعا يوم الإثنين الماضي، شركة آبل إلى مساعدة مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) في فتح جهازَيْ آيفون كان يستخدمهما المتدرب السعودي الذي أطلق النار على ثلاثة أمريكيين في قاعدة تابعة للقوات البحرية الأمريكية في ولاية فلوريدا، في ديسمبر/كانون الأول الماضي. وقال بار إن حادثة إطلاق النار التي نفّذها طالب بسلاح الجو السعودي كان يتدرب مع القوات الأمريكية تُعتبر الآن عملاً إرهابياً.
واشتكى المدعي العام من أن شركة آبل "لم تقدم أي مساعدة جوهرية". وقال: "يوضح هذا الموقف تماماً سبب أهمية أن يكون المحققون قادرين على الوصول إلى الأدلة الرقمية بمجرد حصولهم على أمر من المحكمة".
يستدعي طلب المساعدة هذا لفتح هواتف آيفون الخاصة بإرهابي محتمل ذكرى نزاعٍ مماثل نشب عام 2016 بين شركة آبل ومكتب التحقيقات الفيدرالي، الذي سعى آنذاك للوصول إلى المعلومات المخزّنة على هاتف آيفون الخاص بأحد المشاركين في الهجوم الذي وقع في سان بيرناردينو بولاية كاليفورنيا، مسفراً عن مقتلةٍ جماعية.
كيف ردّت آبل؟
ردّت شركة آبل على بار في بيانٍ، يوم الإثنين، نافيةً فكرة اتهامها بأنها لم تقدم المساعدة لأجهزة إنفاذ القانون، وأشارت إلى أنها استجابت لطلبات مكتب التحقيق الفيدرالي للحصول على المساعدة في غضون ساعات، وقدّمت بالفعل للمحققين "بيانات يصل حجمها إلى كم كبير من الغيغابايت من المعلومات".
لكن آبل أكدت مجدداً معارضتها إضعاف التشفير الخاص بأجهزتها، مشيرةً إلى أنه "لا يوجد شيء اسمه باب خلفي للولوج إلى المعلومات فقط من قبل الناس الجيدين (أجهزة الأمن)". وقالت الشركة في بيانها: إن "الأبواب الخلفية يمكن استغلالها أيضاً من قبل هؤلاء الذين يهددون أمننا القومي، وأمن البيانات الخاصة بعملائنا".
ما هي المعلومات التي قدّمتها آبل؟
في الغالب فإن المعلومات التي قدّمتها آبل إلى الحكومة كانت بيانات مخزنة على الشبكة السحابية "آي كلاود"، الخاصة بحساب المهاجم في آبل. في حين أن المعلومات التي لا يزال مكتب التحقيقات الفيدرالي يسعى وراءها هي البيانات المخزنة مباشرة على الهاتف، والتي يمكن الوصول إليها فقط للمستخدم بشفرة مرور الهاتف، وليس لشركة آبل.
وتعد آبل واحدة من العديد من الشركات التكنولوجية التي حدّت من كمية بيانات المستخدم التي تسمح بتخزينها على خوادمها الخاصة في أعقاب الكشف عن تسريبات إدوارد سنودن، وذلك جزئياً لتجنب التعرض لطلبات الحكومة.
بحلول يوم الثلاثاء، دخل دونالد ترامب في النزاع بتغريدةٍ تنتقد شركة آبل لرفضها "فتح الهواتف التي يستخدمها القتلة وتجار المخدرات والعناصر الإجرامية العنيفة الأخرى".
هل تستطيع FBI استخدام شركات خاصة لفتح الآيفون؟
كانت المواجهة حول هاتف المهاجم في حادثة سان بيرناردينو قد اندلعت في أعقاب رفض شركة آبل الامتثال لأمر من المحكمة الفيدرالية بمساعدة مكتب التحقيقات الفيدرالي في فتح الهاتف. في ذلك الوقت، ردَّ الرئيس التنفيذي لعمليات آبل، تيم كوك، بقوةٍ على طلب الحكومة، قائلاً إنه "يقوض الحريات والمبادئ الليبرالية ذاتها التي يُفترض بالحكومة الأمريكية السعي لحمايتها".
واحتشدت المجموعات والمنظمات المدافعة عن الحريات المدنية خلف شركة آبل في معركتها في ساحة المحكمة، لكن القضية باتت محل نظر عندما تمكن مكتب التحقيقات الفيدرالي من الولوج إلى الهاتف بمساعدة شركة خاصة، وربما يلجأ المكتب الفيدرالي لذلك مجدداً.
وخمد الخلاف لعدة سنوات، حتى أكتوبر/تشرين الأول 2019، عندما أعاد بار إحيائه من خلال إرساله خطاباً مفتوحاً إلى شركة "فيسبوك" يدعوها إلى السماح ببابٍ خلفي للولوج إلى البيانات الخاضعة لنظام التشفير الكامل الذي كانت الشركة تخطط لتطبيقه في جميع تطبيقات المراسلة التابعة لها.
وانضم وزير الداخلية البريطاني، ووزير الشؤون الداخلية الأسترالي إلى بار في دعوته الموجهة إلى فيسبوك، وهو ما أثار انتقادات عالمية من خبراء الأمن والمدافعين عن خصوصية المستخدمين.
ونشر "الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية" تغريدة على موقع تويتر يوم الإثنين، يقول فيها: "الأمر أكبر من مجرد هاتف آيفون واحد. إن مطلب الحكومة من شأنه أن يقوض أمن وخصوصية ملايين من هواتف آيفون، علاوة على أنه مطلب غير دستوري".