تصاعدت وتيرة الخلاف بين مصر وإثيوبيا حول ملف سد النهضة وسط حديث عن قيام إسرائيل بتحريض إثيوبيا ضد مصالح القاهرة المائية.
ومنذ الخميس الماضي تبادل الطرفان التصريحات والتصريحات المضادة الى حد اتهام إديس أبابا من قبل مصر بالتعنت في موقفها أثناء المفاوضات.
فماذا وراء التصعيد المصري الأخير في هذا الملف؟ وما هي خطة مصر لمواجهة هذه الأزمة مستقبلاً؟ وما أهم نقاط الخلاف بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة؟.
كان الاجتماع الوزاري الثلاثي بين إثيوبيا والسودان ومصر حول ملء وتشغيل مشروع سد النهضة قد اختتم أعماله الخميس الماضي بدون اتفاق.
ونقلت صحيفة "المصري اليوم"، الخميس،9 يناير/كانون الثاني 2020، عن مصدر مصري قوله إن هناك "بوادر" حول تعثر الجولة الرابعة من مفاوضات سد النهضة في إديس أبابا.
وأوضح المصدر وفقاً لما ذكرته الصحيفة المصرية، أن ملامح التعثر تدور حول التوصل إلى اتفاق بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، بالإضافة إلى التعثر في تحديد المكونات الأساسية للاتفاق حول هذه القواعد رغم المرونة التي أبدتها القاهرة خلال جولات المفاوضات السابقة.
ومن المقرر أن تجتمع وفود الدول الثلاث في 13 يناير/كانون الثاني في واشنطن بهدف حل الخلافات بينها بحلول 15 يناير/كانون الثاني، حول ملء الخزان وتشغيل سد النهضة".
إثيوبيا تطلب وساطة جديدة
وطلب رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد علي، الأحد، من رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، الوساطة في أزمة سد النهضة الذي تبنيه بلاده على نهر النيل، وتتخوف مصر من تداعياته، في أول طرح إثيوبي لوساطة مختلفة عن الوساطة الأمريكية.
وقال آبي أيضاً إنه يمكن لجنوب إفريقيا التوسط مع مصر للوصول إلى حل بشأن أزمة السد، بصفتها الرئيس المقبل للاتحاد الإفريقي. ومن المقرر أن تتولى جنوب إفريقيا رئاسة الاتحاد الإفريقي الشهر الجاري، خلفاً لمصر.
الأولوية لسد النهضة وليس ليبيا والسبب هذا التصريح الإثيوبي الذي استفز السيسي
مصدر استخباراتي مصري أكد لعربي بوست أن "تصعيد لهجة الخارجية المصرية والمفاوض المصري في ملف سد النهضة جاء عقب اجتماع الرئيس المصري في 2 يناير/كانون الثاني الجاري مع مجلس الأمن القومي.
وناقش الاجتماع ملفين هامين، الأول هو الملف الليبي، والتطورات الراهنة والتهديدات العسكرية الناشئة عن التدخل العسكري الخارجي في ليبيا، أما الملف الثاني فكان حول المفاوضات الجارية بشأن سد النهضة وسبل الاستعداد لها وكيفية مواجهة التصريحات الإثيوبية عقب كل جولة والتي اعتبرتها الجهات السيادية المصرية مستفزة وتهدف إلى الوقيعة بين الشعب المصري وقيادته مستغلة هذا الملف".
وقال المصدر إن القيادة السياسية المصرية في هذا الاجتماع رأت أن تركز على ملف سد النهضة لأنه الملف الأكثر أهمية، ويمثل التهديد القائم فعلياً على مصر حتى أكثر من الملف الليبي، خاصة أن مصر لا تعتزم التدخل عسكرياً على الأرض وستكتفي بتقديم الدعم اللوجيستي لقوات حفتر".
وحسب المصدر فإن اجتماع الرئيس السيسي بمجلس الدفاع القومي خرج بنتيجة مفادها أن "الجانب الإثيوبي أثار في تصريحات سياسية لمسؤولين عقب مفاوضات الجولة الثانية التي عقدت في الخرطوم لغطاً كبيراً، ولوحظ في لهجتهم محاولة إثارة الرأي العام المصري ضد قيادته وإحراجها أمام الجماهير، حينما أعلن وزير الري الإثيوبي أن مصر وافقت على تخفيض حصتها من مياه النيل الأزرق عقب الجولة الثانية من المفاوضات".
وتابع المصدر أن "لهجة التصعيد المصرية الأخيرة تأتي لسببين أولهما، مصارحة الشعب المصري بما يجري في تلك المفاوضات وألا يتلقى المواطن المصري المعلومات والتصريحات عن الأزمة عبر مصادر أخرى يعتبرها الجانب المصري معادية، ثانياً تهيئة الرأي العام لما هو قادم، خاصة أن إثيوبيا تصر على ملء السد في نهاية 2022، وهو ما يشكل خطراً جسيماً على مصر".
وأشار المصدر إلى أن البيان المصري الصادر عن الخارجية المصرية يؤكد أن مصر قد نفد صبرها، لأن المياه بالنسبة لمصر ليست مجرد تنمية وإنما مسألة حياة أو موت، وإذا تعلق الأمر بالحياة أو الموت، فإن كل الخيارات مفتوحة أمام الجانب المصري، وما تريده مصر هو الوصول إلى حل موثق باتفاق ملزم لجميع الأطراف وبأقل الأضرار، ولا مناص من المواجهة على المستوى الدبلوماسي، حتى لو وصل الأمر إلى تحكيم مجلس الأمن".
وأكد المصدر أنه "لا يجد في الأفق حل لأزمة السد، بل إنها سوف تزداد تعقيداً خلال الأيام المقبلة".
كان اجتماع إديس أبابا هو الرابع والأخير من سلسلة الاجتماعات التي وافقت عليها الدول الثلاث في العاصمة واشنطن في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وفي الاجتماع الذي استمر يومين في العاصمة الإثيوبية، قال بيان للخارجية الإثيوبية إن مصر قدمت اقتراحاً جديداً لإثيوبيا يقضي بملء سد النهضة خلال فترة تتراوح ما بين 12 إلى 21 عاماً، وهو ما نفته مصر على الفور.
وهاجمت بيان الخارجية الإثيوبية وأعلنت عدم تحقيق تقدم في مفاوضات سد النهضة بسبب ما أسمته "تعنت" إديس أبابا.
وأشارت الخارجية المصرية إلى أنه "بعكس ما ورد في بيان وزارة الخارجية الإثيوبية الذي زعم أن مصر طلبت ملء سد النهضة في فترة تمتد من 12 إلى 21 سنة، فإن مصر لم تحدد عدد من السنوات لملء سد النهضة، بل أن واقع الأمر هو أن الدول الثلاث اتفقت منذ أكثر من عام على ملء السد على مراحل تعتمد سرعة تنفيذها على مقدار الإيراد السنوي للنيل الأزرق، حيث إن الطرح المصري يقود إلى ملء سد النهضة في 6 أو 7 سنوات إذا كان إيراد النهر متوسطاً أو فوق المتوسط خلال فترة الملء، أما في حالة حدوث جفاف، فإن الطرح المصري يمكن سد النهضة من توليد 80% من قدرته الإنتاجية من الكهرباء، بما يعني تحمل الجانب الإثيوبي أعباء الجفاف بنسبة ضئيلة".
وأشارت الخارجية المصرية في بيان لها، الجمعة،10/يناير/ 2020، إلى أن "البيان الإثيوبي انطوى على تضليل متعمد وتشويه للحقائق، وقدم صورة منافية تماماً لمسار المفاوضات ولمواقف مصر وأطروحاتها الفنية ولواقع ما دار في هذا الاجتماع وفي الاجتماعات الوزارية الثلاثة التي سبقته والتي عقدت على مدار الشهرين الماضيين لمناقشة قواعد ملء وتشغيل سد النهضة".
وأوضحت الخارجية المصرية أن هذه "الاجتماعات الوزارية الأربعة لم تفض إلى تحقيق تقدم ملموس بسبب تعنت إثيوبيا وتبنيها لمواقف مغالى فيها تكشف عن نيتها في فرض الأمر الواقع وبسط سيطرتها على النيل الأزرق وملء وتشغيل سد النهضة دون أدنى مراعاة للمصالح المائية لدول المصب وبالأخص مصر بوصفها دولة المصب الأخيرة، ما يخالف التزامات إثيوبيا القانونية وفق المعاهدات والأعراف الدولية".
جذور الأزمة والحضور الإسرائيلي على طاولة المفاوضات
يبدو أن الأزمة انتقلت إلى مرحلة حرجة، ولكن حتى نفهم مستقبل هذه الأزمة فلنعد إلى جذورها، ولب الخلاف بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة.
يقول خالد محمد علي صحفي وباحث متخصص في الشأن الإفريقي لـ"عربي بوست"، إن "تصاعد الأزمة جاء من الجانب الإثيوبي أولاً وصدور بيان من الخارجية الإثيوبية يتهم مصر اتهامات لا أساس لها مما يؤكد أن الجانب الإثيوبي يريد إفشال جولة واشنطن من المفاوضات، والمقرر عقدها في 13 و14 يناير/كانون الثاني المقبل، لأن إثيوبيا كانت ترفض من الأساس وجود وسطاء دوليين في إدارة الأزمة، ولكن مصر نجحت في إدخال مراقبين دوليين عبر دخول الوساطة الأمريكية، وأكدت أنها ستحضر جولة واشنطن القادمة".
ولا يستبعد خالد محمد علي أن يكون الجانب الإثيوبي يستند إلى قوى إقليمية.
وأردف قائلاً "وليس سراً إذا قلنا بأن إسرائيل حاضرة وبقوة في هذه المفاوضات، لأن مكاسب إسرائيل من هذا السد كبيرة جداً، ومن هذا الحضور تظهر قوة المفاوض الإثيوبي وقدرته على المناورة والتسويف وخداع الجانب المصري وإصراره على ما يريد وعدم اعترافه بالحق التاريخي لمصر في مياه النيل"، حسب تعبيره.
المشكلة في نظرة إثيوبيا للنيل الأزرق، والحل العسكري مطروح
وأوضح الباحث أن "ما زعمته إثيوبيا من أن مصر تريد ملء السد خلال 21 عاماً غير صحيح على الإطلاق، ولكن القاهرة تريد ملء الخزان في سنوات الفيضان العالي أو المتوسط بشكل طبيعي لا يؤثر على قدرات سد النهضة في إنتاج الطاقة ثم يتوقف الملء عند سنوات الجفاف والجانب الإثيوبي لن تتعدى خسارته إذا تم الأمر على هذا النحو 20 %، خلال هذه السنوات".
وأكد خالد محمد علي أن أصل الخلاف بين مصر وإثيوبيا في قضية السد أن "الأخيرة تتعامل مع مياه النيل الأزرق وكأنه حق خالص لها ولا تعترف بالقوانين والاتفاقات الدولية في مشاركة دول المصب في هذا المصدر من المياه، وهو ما يمثل خطراً شديداً عليها، ولهذا أرى أزمة كبيرة تلوح في الأفق بسبب هذه القضية، ولن تتراخى مصر في المفاوضات المقبلة، وكل الخيارات مفتوحة، ومن بينها الحل العسكري، لأن مثل هذا الأمر إذا سار بالطريقة الإثيوبية التي تحاول فرضها فهو يهدد وجود مصر من الأساس"، حسب تعبيره.
خداع المفاوض المصري
ورأى خالد محمد علي أن ما تم طوال الفترة الماضية كان مفاوضات عبثية استطاع فيها الجانب الإثيوبي كسب الوقت وخداع المفاوض المصري، ووصلت إلى أن السد أصبح واقعاً وحقيقة لا تستطيع أن تفعل شيئاً أمامه".
ورأى خالد محمد علي أن "الجانب الإثيوبي بالتصريحات الأخيرة أراد إفشال المسعى الدبلوماسي المصري حتى لا يكون 15 يناير/كانون الثاني، هو الجولة الأخيرة من المفاوضات وبالتالي يكسب مزيداً من الوقت".
وأوضح أن "كلا الطرفين مصر وإثيوبيا في مأزق، أما المأزق المصري فيتمثل في قضية السد نفسها وما يمثله من خطر على الامن القومي المصري كلما طال أمد المفاوضات ، حيث تستمر إثيوبيا في أعمال السد، أما المأزق الإثيوبي فيتمثل في حضور الجولة الرابعة من المفاوضات في واشنطن، حيث سينكشف التعنت الإثيوبي أمام العالم، وتلفت مصر نظر القوى الدولية الكبرى إلى هذا التعنت.
ويقول دكتور عباس شراقي أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة لـ"عربي بوست"، إن "الجانب الإثيوبي "أبدى تعنتاً ملحوظاً في مفاوضات سد النهضة الأخيرة رغم أن المؤشرات كانت تنبئ عن اتفاق وشيك ولو بشكل جزئي في ملف سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا خاصة بعد التصريحات المتفائلة من جانب وزيري الري السوداني والمياه الإثيوبي فيما يخص سنوات ملء السد، والتي كانت مصر تريد أن تتم على وقت زمني يتراوح بين أربع وسبع سنوات فيما كانت تريد إثيوبيا أن يتم خلال ثلاث سنوات فقط".
ويحلل د عباس شراقي الخلاف الفني بين مصر وإثيوبيا قائلاً إن "مصر أبدت مرونة فعلية في المفاوضات السابقة حول حصتها من المياه، ولكنها تريد ألا تقل التدفقات المائية التي ستسمح إثيوبيا بخروجها من خلف سد النهضة عن 40 مليار متر مكعب بدلاً من 50 مليار متر مكعب كانت تحصل عليها مصر بالفعل، وبالتالي تكون مصر قد ضحت بحوالي 10 مليارات متر مكعب، يتم تقاسمهما مناصفة مع السودان، طبقاً لاتفاقية 1959، وبالتالي العجز سيصبح حوالي 5 مليارات متر مكعب وليس 10 مليارات متر مكعب تستطيع مصر تعويضه من المخزون الكبير في بحيرة السد العالي.
وأوضح أن مصر تطلب أن تتعهد إثيوبيا بألا تقل تدفقات مياه النيل الأزرق عن 40 مليار متر مربع، ولكن إثيوبيا رفضت هذا المبدأ وقالت أنها لن تلتزم بحصة معينة".
وتابع الخبير المصري: "الجانب الإثيوبي تراجع لأسباب غير مفهومة، وأبدى تعنتاً واضحاً، وقد تكون هناك قوى خارجية من مصلحتها الإضرار بمصالح مصر وراء هذا التعنت والتصعيد الإثيوبي رغم المرونة التي أبدتها مصر في حصتها".
وأكد د عباس شراقي أن جوهر الأزمة يتمثل في أن إثيوبيا ليست معترفة بحصة مصر من الأساس في منابع نهر النيل والتي تعتمد عليها مصر طبقاً لاتفاقيات دولية، مثل اتفاقية 1929 و1959 لتخصيص المياه".
وذكر شراقي أن "مصر لم يعد لديها في طريق المفاوضات سوى المرحلة الأخيرة والتي ستكون في واشنطن، وسوف تكون موسعة وقد تنتظر إثيوبيا المرحلة الأخيرة وتبدي موافقة أو مرونة فيما يخص سنوات ملء السد وهو حل جزئي، خاصة أن عنصر الوقت ليس في صالح مصر، لا سيما أن افتتاح المرحلة الأولى من سد النهضة سيتم في الصيف المقبل وقد تكون هناك تنازلات من الأطراف الثلاثة".
ولفت شراقي إلى أنه "في حال استمرار هذا التعنت، فإن خيارات مصر تتمثل في اللجوء إلى الوساطة وقد تكون الدولة التي تتوسط بين الطرفين أمريكا أو دولة أخرى أو حتى البنك الدولي، ويبقى الحل الآخر وهو لجوء مصر إلى مجلس الأمن الدولي، ومصر لديها أوراق ضغط كثيرة في هذا الاتجاه، أهمها تقرير الخبراء الذي يدين إثيوبيا في الجانب الفني من ناحية التصميم وكونه ليس له مرجعية هندسية واضحة".
وأكد الخبير المصري أن "تقارير الخبراء تدين إثيوبيا لأنها تشير إلى أن احتمالية انهيار السد قوية جداً وإذا حدث هذا فاحتمالية خطره على مصر والسودان كبيرة، مثل هذا التقرير سيدعم الموقف المصري إذا فشلت المرحلة القادمة من المفاوضات في واشنطن يوم 15 يناير/كانون الثاني".
وأضاف د عباس شراقي أن "هذا التقرير الفني أعدته لجنة متخصصة مشكلة من أربعة خبراء من خارج حوض النيل وهو تقرير في صالح مصر".
الرؤية الإثيوبية للأزمة
ومن جانبه قال الدكتور سيلشي بيكيلي، وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي، للصحفيين بعد الاجتماع أن "اقتراح مصر الجديد غير مقبول بجميع المقاييس".
وأضاف: ستجتمع الدول الثلاث في واشنطن في 15 يناير/ كانون الثاني 2020، لحل هذه الخلافات والتوصل إلى اتفاق نهائي.
وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بحلول 15 يناير/كانون الثاني، فسيستندون إلى المادة 10 من إعلان المبادئ لعام 2015.
وتنص المادة 10 على أنه "تلتزم الدول الثلاث بتسوية أي نزاع ينجم عن تفسير أو تطبيق إعلان المبادئ من خلال المحادثات أو المفاوضات على أساس مبدأ حسن النية. وإذا لم تنجح الأطراف المعنية في حل النزاع من خلال المحادثات أو المفاوضات، فيمكنهم طلب الوساطة أو إحالة الأمر إلى رؤساء دولهم أو رؤساء الوزراء".
ويبدو أن الطارئ في الأزمة أن مصر قدمت اقتراحاً جديداً خلال الاجتماع الثلاثي الذي انعقد في القاهرة لأول مرة منذ أكثر من عام، وهو طلبها ضماناً من إثيوبيا للحصول على 40 مليار متر مكعب سنوياً من المياه التي يتم إطلاقها سنوياً وملء خزان السد لفترة ممتدة من الزمن، وهي سبع سنوات.
وقد رفضت إثيوبيا اقتراح مصر، وقالت إنه "غير عملي من الناحية الفنية وهو بمثابة الموافقة على جعل سد النهضة رهينة للاستخدام المصري للمياه، حسب رؤية الجانب الإثيوبي.
وتقول إديس أبابا إن طلب مصر بالحصول على حوالي 40 مليار متر مكعب من المياه يعادل تقريباً ما ينتجه النيل سنوياً.
وهذا يعني أن إثيوبيا ستمتثل بشكل غير مباشر لروح اتفاقية 1959 التي لم تكن طرفاً فيها.
الطرف الرابع
وفي أعقاب المحادثات الثلاثية بين وزراء المياه في الدول الثلاث التي عقدت في أكتوبر/تشرين الأول بالخرطوم، شجبت إثيوبيا الخطوة الأخيرة التي اتخذتها مصر لدعوة طرف رابع إلى المفاوضات باعتبارها خطوة تعطيل المفاوضات وإجراء "خطوات جانبية" لإجراءات عمل.
وترى إديس أبابا أن طلب مصر بتدخل طرف رابع، على الرغم من أنه ليس اقتراحاً جديداً تماماً، يتعارض مع روح الاتفاقية الموقعة بين الدول الثلاث فحسب، بل إنه يتحدى أيضًا بشكل خطير المبادئ العامة لعملية المفاوضات الحالية التي كانت أجريت بين الدول الثلاث وهو تشويه كامل للجهود التي بذلت حتى الآن.
وأكدت وزارة الشؤون الخارجية الإثيوبية في بيان لها أن خطة ملء السد التي من المقرر أن تكتمل على مراحل تعتمد على الهيدرولوجيا التي تراعي مصالح بلدان المصب، وأنها "تتمسك بمبادئ الاستخدام المنصف والمعقول ولا تسبب أي ضرر كبير لأي دولة أخرى تستخدم مياه النيل".
كما ذكرت الوزارة أن حكومة إثيوبيا ستواصل اتباع نهج لا يؤدي إلى الاعتراف المباشر أو غير المباشر بأي معاهدة سابقة مثل اتفاقية 1929 أو 1959 لتقسيم المياه، والتي تقول إنها لا تنطبق عليها.
خلاف آخر.. إثيوبيا ترفض تشكيل لجنة خبراء
إضافة إلى ذلك، تقول إديس أبابا إن اقتراح مصر بتشكيل لجنة خبراء من مصر والسودان لا يتحدى مرة أخرى سيادة إثيوبيا على حصتها من المياه فحسب، بل يزرع أيضاً عدم الثقة بين الدول الشقيقة، حسب قولها.
والغرض منه هو إظهار أن مصر ستتولى السيطرة التقنية على سد النهضة، وهو اقتراح لا يقل عن إنكار سيادة البلاد على مواردها الطبيعية، حسب الرأي الإثيوبي.
ووفق الرؤية الإثيوبية فهي كما تقول منفتحة على أي نقاش حول المسائل التقنية المتمثلة في ملء خزان السد، ولكن ليس على حساب سيادتها.
وتعتقد حكومة إثيوبيا أن المشاورة الفنية يجب أن تستمر، لأنها تمثل الخيار الوحيد لحل الخلافات بين الدول الثلاث فيما يتعلق بملء السد وتشغيله.
وتزعم إديس أبابا أنها والسودان اتبعتا مقاربة بناءة وشاملة لمناقشات اللجنة الفنية.
إلا أن الجانب المصري بحسب الرؤية الإثيوبية أصر على موقفه المتمثل في الإصرار على قبول جميع مقترحاته، ولم يكن يرغب في أن تقوم اللجنة الفنية بإجراءات تحليلية بدون هذه المقترحات.
ولكن اللافت في الأزمة هو إصرار إثيوبيا على اتباع نهج لا يؤدي إلى الاعتراف المباشر أو غير المباشر بأي معاهدة لتخصيص المياه موجودة مسبقاً، والتي لم تكن طرفاً فيها، وعدم تقديم ضمانة بشأن كمية المياه التي تصل مصر، وفي الوقت ذاته تواصل العمل في السد بينما تنتقل المفاوضات من جولة متعثرة إلى أخرى.
لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
توافق « عربي بوست » أحياناً على عدم التعريف بأسماء مصادر تقدم معلومات حساسة لقرائنا. وبموجب إرشادات الموقع، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر وذات مصداقية، وأننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، وبعضهم يتساءلون ما إذا كانت هذه المصادر موجودة أصلاً. لكن لدينا قواعد وإجراءات لمحاولة معالجة هذه المخاوف.
فبالإضافة إلى المراسل، يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر. ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم أو من ينوب عنه قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. وعندما تكون القصة مبنية على معلومة مركزية من مصدر مجهول، فيجب الموافقة عليها بشكل عام من قبل رئيس التحرير.
نحن نتفهم حذر القراء، ولكن لا يمكن أبداً الحصول على المعلومات حول العديد من القصص المهمة في مجالات حساسة، مثل السياسة والأمن القومي والأعمال، إذا استبعدنا المصادر غير المعرّفة. فالمصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية. حتى في بعض الأحيان من أجل سلامتها.
يعتقد بعض القراء أن المصادر تكون أكثر صدقاً إذا تم نشر أسمائها، ومن غير المرجح أن يكذبوا إذا تم الكشف عن هويتهم. إلا أن المراسلين في العديد من المناطق يعرفون أن العكس هو الصحيح. فالمصادر في المناصب الحساسة غالباً ما سيتحدثون ببساطة بحسب التوجهات الرسمية. وسيكونون صريحين فقط إذا كانوا يعرفون أن أسماءهم لن يتم الكشف عنها.