لم تكُن ضربات الصواريخ الإيرانية ضد القواعد التي تستضيف الجنود الأمريكيين في العراق، صباح الأربعاء 8 يناير/كانون الثاني 2020، عملاً يُقصد به قتل أكبر عددٍ مُمكن من الأمريكيين.
إذ لا بُد أن إيران تعلم أن الجنود الأمريكيين يكونون نائمين عادةً في الساعات الأولى من الصباح، وأن فرص وقوع إصابات ستكون ضئيلة، حسبما ورد في شبكة CNN الأمريكية.
ولا شك في أن طهران تعلم أن الولايات المتحدة لديها دفاعٌ جوي قوي، في أقصى درجات تأهُبه على الأرجح. وتمتلك طهران معرفةً بمدى فاعلية صواريخها في مواجهة هذه التكنولوجيا.
أمرٌ غامض للمرشد.. ظاهره حاد وباطنه حمّال أوجه
على الأرجح لم يكن هدف طهران من هجمات الصواريخ إيذاء أعداد كبيرة من الجنود الأمريكيين، كما تعهد البعض.
ولكنها منطقيةٌ إذا وضعنا في الاعتبار تنفيذ أمر المرشد الأعلى، علي خامنئي، بضرب أهداف الجيش الأمريكي علناً، رداً على مقتل القائد الإيراني قاسم سليماني.
وكانت توجيهات خامنئي مُربكةً حين نقلتها وكالات الأنباء والصحف للمرة الأولى، لأن الولايات المتحدة ستنتصر دون شك، في أي صراعٍ عسكري مُباشر بين الجيشين. فهل كان المرشد الأعلى يأمر باستعراض قوةٍ فارغ؟
وحتى الآن يبدو أن الحرس الثوري استجاب لأمر المرشد بضرب الأهداف الأمريكية علناً، بل تحديداً القاعدة التي نُفذت منها عملية اغتيال سليماني، وفي الوقت ذاته فإنه لم يقتل جنوداً أمريكيين؛ ومن ثم تجنُّب توريط البلاد في حرب مع واشنطن.
احتمالات ثلاثة للضربة الإيرانية
ولكن لم يخبُ غبار المعركة بعد، وتظل دوافع إيران غامضةً حتى في أفضل الأحوال، لكن هناك ثلاثة تفسيرات مُحتملة لهذه الخطوة.
أولها أن خامنئي لا يدرك مدى قدرات جيشه، وبالَغ في تقدير فاعلية الضربات التي فشلت. وسيكون هذا مفاجئاً بالنظر إلى تورطه المعلوم في الشؤون العسكرية الإيرانية ومعرفته بها.
وثانياً، انتصر الاعتدال، إذ توفر هذه الإشارة الفارغة، إلى حدٍّ كبير -بضرب أهدافٍ عسكرية في عتمة الليل بعددٍ قليل من الصواريخ- المَخرج الذي قد يرغب فيه الطرفان بنهاية المطاف. وسيكون هذا منطقياً؛ نظراً إلى أن طهران وواشنطن لن تربحا كثيراً، من القتال الطويل.
وثالثاً، يمكن أن تكون محاولةً من إيران لمنح الولايات المتحدة إحساساً زائفاً بالأمان، وأن طهرات ضعيفةٌ عسكرياً وفعلت كل ما بوسعها، في حين تعد هي لردٍّ غير متكافئ أسوأ.
ويتطلب هذا الأمر قدراً كبيراً من الفطنة الإ=استراتيجية داخل حكومةٍ منقسمة بين الجناحين المتشدد والمعتدل، كما يعني أن طهران تُدرِك نسبياً أنها لن تُصيب أي أمريكيين خلال هجوم الصواريخ.
ولكن لو اكتفت إيران بهذا الانتقام الضعيف، فإنها تواجه مخاطرة من نوع آخر
وفي حال كانت الهجمات بالعراق تُمثل النطاق الكامل للرد الإيراني، فهي تنطوي على خطرٍ آخر: إذ ستشعر إدارة ترامب بأن سلوكها المتهور على مدار الأسبوع الماضي كان مجدياً، وأن إيران قد هُزِمَت.
وهذا من شأنه أن يخاطر بتحركات غير عقلانية أكبر من واشنطن، وربما ضد أعداءٍ آخرين، وليس إيران فقط. كما سيجعل ذلك إيران تبدو ضعيفة، وهو ما قد يُشجع خصوم طهران الإقليميين الآخرين.
ولطالما كان التنبؤ بردّ إيران على مقتل سليماني أمراً صعباً. ولكن حتى في حال كانت تلك الهجمات هي انتقام طهران الكامل؛ فإن كثيرين لم يتوقعوا احتمالية تحركٍ بهذه السرعة أو مواجهةً عسكريةً علنية بين الجيشين.