الحل الدبلوماسي لا يزال ممكناً بين طهران وواشنطن لسبب واحد.. لا أحد يريد الحرب

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/01/07 الساعة 13:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/01/07 الساعة 14:00 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض - رويترز

التهديدات المتبادلة بين الولايات المتحدة وطهران في أعقاب مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني وصلت لمستوى يبدو معه أن الحرب قادمة لا محالة، لكن تظل الدبلوماسية مخرجاً وحيداً لتجنب الحرب التي لا يريدها أحد.

صحيفة الغارديان البريطانية نشرت تقريراً بعنوان: "الدبلوماسية مع إيران لا تزال ممكنة.. إذا كانت الخيار الوحيد لتجنب حرب شاملة"، ناقشت فيه أسباب تلك الفرضية ومؤشراتها.

ترامب يستحيل توقُّع تصرفاته 

الاعتبار الوحيد الذي قد يعيق الجانبين من الدخول في هذه الحرب هي العواقب المحتملة؛ إذ اختبرت طهران بالفعل عدم قابلية التنبؤ بقرارات دونالد ترامب، ومهما كانت قوة الرغبة في الانتقام المستعرة داخل قلوب الإيرانيين، يناشد القادة الأوروبيون قيادة طهران الامتناع عن ذلك، قائلين إنَّ عليها مسؤولية الاحتكام للعقل وإدراك أنَّ أي هجوم مباشر على الأصول الأمريكية في الشرق الأوسط سيقابله ترامب على الأرجح بمزيد من التصعيد.

ولفت عدد من الدبلوماسيين الأوروبيين، في تصريحات منفصلة، إلى أنه بالرغم من هتافات "الموت لأمريكا"، التزم بعض القادة العسكريين الإيرانيين الحذر عند الحديث عن الرد على مقتل سليماني، مشددين على أنَّ الانتقام سيحدث في الوقت الذي تحدده إيران وضد الهدف الذي تختاره. وخلال العام الماضي، شنَّت طهران هجمات على الولايات المتحدة وحلفائها من خلال وكلائها وميليشياتها؛ مما سمح لها بتقديم روايات نفي معقولة؛ إذ سيكون شن الحرس الثوري  الإيراني هجوماً مباشراً وكاملاً على واشنطن بمثابة مهمة انتحارية. ويبلغ قوام القوات الأمريكية في المنطقة نحو 60 ألف جندي، من بينهم نحو 5200 في العراق.

تحركات بريطانية

وقد لا تمنح هذه الأعداد الدبلوماسيين سوى فرصة ضئيلة لمحاولة تهدئة حدة الأزمة. ويسافر وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب، إلى الولايات المتحدة في زيارة مُقرَّرة مسبقاً، حيث سيضغط على البيت الأبيض للتفكير باستراتيجية حول تصرفاته في الشرق الأوسط. وهي ذات الجهود التي سيبذلها كثيرون في البنتاغون.

بوريس جونسون

إضافة إلى ذلك، دعا رئيس الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إلى زيارة بروكسل، ويُحتمَل أنَّ طهران ستقبل الدعوة. ويشار إلى أنَّ الاتحاد الأوروبي انتُقِد في الماضي لأسباب عديدة لعدم انخراطه الكافي في الشرق الأوسط.

وهناك أيضاً قنوات اتصال مفتوحة مع طهران عبر عمان أو اليابان أو السفارة السويسرية – وهي النوافذ الرسمية للاتصالات بين طهران وواشنطن.

من جانبها، قد تتبين إيران أنَّ لديها مسارات سياسية وكذلك عسكرية تسلكها لتحقيق النفع على المدى الطويل.

انتصار إيراني مهم بمقتل سليماني

ويمكن القول إنَّ سليماني حقق بعد وفاته شكلاً من أشكال الانتصار يتمثل في تصويت البرلمان العراقي لصالح طرد القوات الأمريكية من البلاد. وأمضى سليماني سنوات طويلة من العمل السياسي في العراق في محاولة لبناء قوة موالية لإيران، وفي ضوء هذا سيضغط السياسيون الإيرانيون على رئيس الوزراء العراقي، عادل عبدالمهدي، للإسراع بترجمة رغبة البرلمان على أرض الواقع. وحقيقة أنَّ رئيس الوزراء العراقي شعر بأنه ملزم بالمشاركة في تكريم الراحل سليماني في بغداد، وسط تعالي هتافات معادية لأمريكا، لها دلالات كثيرة.

وزعم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أنَّ العراقيين ردوا على اغتيال سليماني بالرقص في الشوارع، لكن الاغتيال أضعَف موقف القوات المعادية لإيران لدى بغداد، بما في ذلك بين المتظاهرين القوميين في ميدان التحرير المعارضين لاستغلال إيران والولايات المتحدة العراق لخوض معركتهما الجيوسياسية.

تأجيل دفن سليماني بعد حادث تدافع وقع خلاله عشرات القتلى والجرحى
حشود خلال مراسم دفن قاسم سليماني في مسقط رأسه بإقليم كرمان/رويترز

وقد يتسبب التزام طهران بضبط النفس في تقوية الفصائل الموالية لها في العراق، في الوقت الذي تُبذَل فيه جهود لإيجاد رئيس وزراء جديد. وقد ينتشر توجهٌ أكثر تأييداً لإيران عبر عواصم دول الشرق الأوسط الأخرى، يقابله نفور الرأي العام من تهديدات ترامب.

فمن الملاحظ، على سبيل المثال، أنَّ القادة القطريين هرعوا إلى طهران لتقديم دعمهم، على الرغم من أنَّ عشرات الآلاف من القوات الأمريكية يتمركزون في قطر. وبالمثل، أصدرت كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية -وهما الدولتان الخليجيتان الأقرب إلى الولايات المتحدة- تعليقات حذرة للغاية بشأن مقتل سليماني. وشددت المملكة العربية السعودية على أنَّ واشنطن لم تتشاور معها بشأن غارة الطائرات بدون طيار في بغداد.

الموقف الداخلي في الشرق الأوسط

إذ لن يجعل إعراب هذه الدول عن دعمها الكامل للولايات المتحدة أهدافاً محتملة لإيران فحسب، بل سيُلهِب أيضاً الرأي العام بداخلها. وخلال الأشهر الأخيرة، أصبحت خطوط الاتصال بين السعودية وإيران، التي كانت غالباً غير مباشرة ومتعثرة، مفتوحة. وقد يكون من السابق لأوانه الحديث عن ذوبان الجليد بين البلدين، لكن طهران صار لديها الآن أوراق ضغط ضد الرياض لم تكن تمتلكها من قبل. إلى جانب ذلك، نادراً ما فقد رئيس أمريكي قدرته على تغذية الرأي العام في الشرق الأوسط، بقدر ما فعل الرئيس الحالي. ومن شأن التهديد بتدمير المواقع الثقافية الإيرانية أن يثير انزعاج الحلفاء في المنطقة.

ومن جانبها، ستحرك إيران أيضاً الرأي العام وتثير الآراء القانونية بشأن مشروعية الضربة الأمريكية بطائرة بدون طيار التي أسفرت عن مقتل سليماني. وحتى وزير الخارجية البريطاني لم يتغاضَ تماماً عن تصرف ترامب، لكنه قال بدلاً من ذلك إنه يفهمه ويدين جهود سليماني لزعزعة استقرار المنطقة.

لكن إيران لا تشتهر بامتثالها الكامل للمعايير الأخلاقية الرفيعة، وسيتطلب التوجه السياسي العام بداخلها شكلاً من أشكال الانتقام والرد؛ إذ تتضمن الخطوة الخامسة والأخيرة، التي أعلنتها طهران للتحلل من الاتفاق النووي لعام 2015 مع القوى العالمية، التوقف عن الاعتراف بأية قيود تشغيلية على برنامجها النووي المدني. وهذا يعني أيضاً وضع حد للقيود المفروضة على أجهزة الطرد المركزي.

إيران لم تنسحب رسمياً من الاتفاق النووي

وقد يقول البعض إنَّ إعلان طهران يمثل النهاية الفعالة للصفقة النووية، لكن من خلال السماح بعمليات تفتيش مستقلة متواصلة وعدم رفع مستويات تخصيب اليورانيوم إلى 20%، لا يزال بإمكان الأطراف الأوروبية الموقعة على الاتفاق مراقبة التزام طهران. ومن ثم، يمكن تفسير موقف إيران على أنه الرغبة في التواصل مع الدول الأوروبية وعدم وضعها في نفس الفئة مع الولايات المتحدة.

ومع ذلك، قد تظهر الحاجة لبادرة جديدة من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة للحفاظ على هذه الصفقة مستمرة، فلطالما زعمت إيران أنَّ الجهود الأوروبية لزيادة حجم التعاملات التجارية معها كانت محدودة.

وخلال فصل الخريف الماضي، فشل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على هامش انعقاد أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، في تحقيق مصالحة بين ترامب والرئيس الإيراني حسن روحاني. وكان الرئيس الفرنسي قد اقترح تعطيل العقوبات الأمريكية لمدة ثلاثة أشهر، في مقابل تسوية أشمل تضم في جزء منها تجديد إيران رغبتها لإعادة التفاوض حول الصفقة النووية.

وتبدو فرص إحياء هذا الاقتراح المعقد في ظل المناخ الحالي ضئيلة للغاية، لكن في الواقع، المحرك الوحيد الذي قد يدفع الأطراف نحو تغليب الدبلوماسية هو أنَّ البديل حربٌ شاملة.

تحميل المزيد