قصة هروب إمبراطور صناعة السيارات في العالم كارلوس غصن من اليابان حيث كان تحت المراقبة الصارمة انتظاراً لمحاكمته على الأرجح ستتحول لفيلم هوليوودي، فالصدمة هي العنوان الأبرز في اليابان، والجدل هو السائد في لبنان، وتركيا اعتقلت "طيارين"، فما هي القصة؟
كيف كان رد الفعل في اليابان؟
"الصدمة" هي العنوان الأبرز لردود الفعل في اليابان، وتتضح ملامحها من خلال تعليقات الصحافة هناك، فقد كتبت صحيفة "يوميوري شيمبون" أن الهروب "عمل جبان". وأضافت أن غصن وبمغادرته اليابان "خسر فرصة إثبات براءته والدفاع عن شرفه".
الصحيفة أيضاً اعتبرت أن مغادرة غصن (هذا الرابط يحتوي على إجابة سؤال من هو كارلوس غصن) استهزاء بـ "النظام القضائي الياباني"، محملة مسؤولي الهجرة والمحكمة ومحامي الدفاع عنه "بعض المسؤولية" في هذه القضية، أما صحيفة "طوكيو شيمبون" فقالت إن سفره إلى الخارج "من دون إذن مخالف لشروط الإفراج عنه بكفالة ويهزأ من النظام القضائي الياباني".
مسألة خروج غصن من السجن بكفالة أيضاً كانت محل انتقاد من جانب وسائل الإعلام المحلية التي ألمحت إلى وجود "ضغوط خارجية" مورست على النظام القضائي هناك من أجل الموافقة على خروجه بكفالة رغم أن رجل غني مثله ويتمتع بعلاقات دولية واسعة يمكنه أن يهرب خارج البلاد وهذا ما حدث بالفعل.
كيف هرب من اليابان؟
حتى نتصور مدى الصعوبة في أن يغادر غصن اليابان، علينا أن نعرف أنه خرج من السجن بكفالة مرتين منذ القبض عليه في 18 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2018، كانت الأولى في مارس/آذار 2019 وكانت قيمة الكفالة نحو 9 ملايين دولار، ثم أعيد القبض عليه بتهم أخرى في أبريل/نيسان 2019 وتم إطلاق سراحه بكفالة مرة أخرى كانت قيمتها 5.4 مليون دولار انتظاراً لمحاكمته التي كانت متوقعة في أبريل/نيسان القادم.
شروط الكفالة تتمثل في وضع كاميرا على باب منزله ومراقبة الهاتف الوحيد الذي يحمله ووضع رقابة على مدار الساعة من جانب الشرطة وأجهزة الأمن عليه، وسحب جوازات سفره (يحمل الجنسيات الفرنسية والبرازيلية واللبنانية) ووضعها مع محاميه، وبالطبع إبلاغ مطارات وموانئ اليابان بأنه ممنوع من السفر.
أول ما قد يتبادر للذهن هو أن محاميه الياباني الشهير جداً جونئيتشيرو هيروناكا ربما يكون له يد ما في هروب غصن أو مساعدته، لكن المحامي وصف هروب غصن بأنه "كالماء المسكوب في أذن النائم" وهو تعبير ياباني يدلل على أن الأمر كان مفاجئاً.
وبدا الغضب الشديد على المحامي الذي أكد أنه لا يمتلك معلومات في المرحلة الحالية وأنه سيتعاون مع الجهاز القضائي الياباني بشكل كامل بتقديم أي معلومات يحصل عليها، مضيفاً أن سلوك غصن أمر لا يمكن تبريره، وأنه يعدّ خيانة لما تمّ الاتفاق عليه.
قصة الصندوق الخشبي
اليابان تقول إنه لم يغادر باستخدام أي من جوازات سفره الثلاثة، والأرجح أنه غادر مستخدما جواز سفر مزور، وهنا يأتي الجزء المثير في قصة الهروب نفسها، فحتى في وجود جواز سفر مزور لم يكن ممكناً أن يحجز تذكرة سفر ويتوجه إلى المطار، الرجل شخصية معروفة في اليابان كما لو كان الإمبراطور نفسه.
القصة المتداولة حتى الآن – والتي لم يؤكدها مصدر رسمي من أي جهة – تقول إن شركة أمن غربية تولت عملية تهريب غصن من اليابان، حيث تنكر أفرادها على هيئة أعضاء فرقة موسيقية أحيت حفلاً في منزل غصن وبعد انتهاء الحفل غادرت المنزل وكان غصن مختبئاً في صندوق خشبي مخصص للآلات الموسيقية، ومن هناك إلى المطار حيث كانت تنتظر طائرة نفاثة طارت به إلى مطار أتاتورك في تركيا.
اعتقالات في تركيا
ومن تركيا، طار غصن في طائرة خاصة إلى بيروت، وهنا تبرز أسئلة أخرى مثل: أي جواز سفر استخدمه غصن في المطار هناك؟ والإجابة ربما تظهر من خلال استجواب سبعة أفراد أعلنت أنقرة اليوم الخميس 2 يناير/كانون الثاني 2020، القبض عليهم بينهم أربع طيارين.
أما عن وصوله إلى بيروت مساء الأحد 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي في وقت متأخر، فلا توجد أيضاً رواية رسمية تجيب عن التساؤل عن هل دخل باسم كارلوس غصن وباستخدام جواز سفر لبناني (كيف حصل عليه؟)، أم دخل بجواز سفر مزور وباسم آخر (على الأرجح أن هذا ما حدث)، في ضوء تصريحات متداولة عبر وسائل التواصل منسوبة لعاملين في مطار بيروت قالوا إنهم شاهدوه يغادر دون أن يكون هناك ما يدل على ذلك من خلال السجلات الرسمية (لا يوجد خاتم دخول باسم كارلوس غصن).
ماذا يقول اللبنانيون؟
ردود الفعل في لبنان تتسم بالجدل وإن كان يغلب عليها مساندة غصن والابتهاج بوصوله سالماً إلى لبنان، ومن المهم هنا أن نذكر أن الحكومة اللبنانية طوال فترة احتجازه في اليابان قد سعت لدى طوكيو لإطلاق سراحه وترحيله إلى بيروت دون جدوى.
المخرج اللبناني لوسيان بورجيلي، على سبيل المثال، كتب ساخراً على تويتر: "أتى إلى لبنان للراحة والرفاهية وبسبب (فعالية) نظام قضائي لبناني لم يودع يوماً سياسياً في السجن بتهمة الفساد"، وفي المقابل أجريت استطلاعات على الإنترنت لمعرفة ما إذا كان رواد الشبكة يرغبون بأن يصبح غصن وزيراً أو حاكماً لمصرف لبنان.
وفي ظل عدم وجود اتفاقية تسليم للمطلوبين بين البلدين من المستبعد أن تقوم لبنان بتسليم غصن إلى اليابان، وربما يؤدي ذلك إلى أزمة دبلوماسية تقوم على إثرها طوكيو بوقف مساعداتها لبيروت، لكن الموقف سيتضح أكثر في الأسبوع القادم بعد انتهاء موسم العطلة السنوية وظهور غصن نفسه للحديث أمام وسائل الإعلام لتوضيح الصورة.